البخيت عن روايته الجديدة: أعمالي تنبعث من الواقع وتؤدي إليه

البخيت عن روايته الجديدة: أعمالي تنبعث من الواقع وتؤدي إليه
TT

البخيت عن روايته الجديدة: أعمالي تنبعث من الواقع وتؤدي إليه

البخيت عن روايته الجديدة: أعمالي تنبعث من الواقع وتؤدي إليه

الرواية الجديدة التي أصدرها الروائي السعودي الشاب مروان البخيت، والمعروضة في معرض الرياض الدولي للكتاب، تحمل عنوان «حفل الجوائب»، وهي رابع رواية له بعد رواية «ذبابة على أنف الرئيس»، ورواية «هي راودتني عن نفسي»، ورواية «العرجون القديم». وقد صدرت هذه الأعمال عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع.
وفي حديثه لنا عن هذه الرواية، يقول البخيت «إن الروائي - كما هو حال غيره من المشتغلين في الفنون الأخرى - يستلهم من واقعه ما تفيض به مخيّلته، ويُحيل إلى واقعه ما تثار به قريحته، وهو ما بين هذا وذاك، يظلّ متأرجحاً بين خيوط الحقيقة والخيال، والواقع والوهم».
وفي رواية «حفل الجوائب»، تنبعث شرارة الأحداث في مرحلة يدركها الجميع، تحديداً في عام 2006 عندما انهار كلّ شيء على حين غرّة أمام أعين الناس، وتلاشت معها أحلامهم وأمنياتهم، وحلّ محلّها الندم والضياع. في هذا العمل تتمّ معالجة تداعيات كارثة فبراير (شباط) الأسود الذي شمل أطيافاً متعددة من المجتمع آنذاك».
ويضيف «حينما يُشار إلى أن الروائي مؤثر ويتأثر بالواقع، وهو متّصل به وتمتّد جذوره في تربة أرضه، فلا يمكن لذلك أن يُعدّ مجازاً، أو صورة بلاغيّة يُقصد بها التقريب، بل واقع يُمكن قياسه في الكثير من الأدباء والروائيين». ويبدو انعكاس المكان في روايات البخيت هو الذي ولد وعاش في الأحساء، ويقول عن ذلك «بالعودة إلى المرة الأولى للكتابة، المحاولة البكر للنّشر، كان هاجس المنطقة والبلد يمثّل نقطة انطلاق وموعد بدء، فقد كانت الأحساء مبعث الإلهام وسيدة المخيّلة في رواية (هي راودتني عن نفسي) ورواية (العرجون القديم) الذي تدور رحى أحداثهما في شوارعها وأحيائها وقراها التي ترعرعتُ فيها واستندتُ إلى نخيلها وأكلتُ من رطبها وثمرها. كأن الشخصيات تدعو قارئها إلى الأحساء وتقاليدها، وتعرّف المتلقّي على عالمها ومعالمها، كان ذلك بمثابة الدّين الذي ظللت أسعى لسداده. إن هذا الاهتمام بالمنطقة في الرواية، ما هو إلا لتحويل الأبصار والأقلام إلى الداخل، وإشارة إلى الأدباء للاهتمام بالجانب الثقافي والجغرافي المحلي العريق الذي ينبغي أن يتمّ إبرازه وتقديمه للمشهد الثقافي في مختلف القوالب الأدبية الممكنة، أسوة بالأعمال الأدبية العالمية التي لم تكن تجري أحداثها سوى بين أزقّة قرى صغيرة في أحد أقطار العالم المترامي».



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.