أميركا تعلق هجمات الطائرات من دون طيار لمنح باكستان فرصة التفاوض مع طالبان

إسلام آباد طلبت من واشنطن وقف عمليات «درون» بعد قتل زعيم المتمردين محسود

طائرة «درون» أميركية
طائرة «درون» أميركية
TT

أميركا تعلق هجمات الطائرات من دون طيار لمنح باكستان فرصة التفاوض مع طالبان

طائرة «درون» أميركية
طائرة «درون» أميركية

أفاد مسؤولون أميركيون بأن إدارة الرئيس باراك أوباما قلصت بشكل كبير هجمات الطائرات من دون طيار (درون) في باكستان، بعد طلب من الحكومة الباكستانية التي تسعى لإجراء محادثات سلام مع حركة طالبان الباكستانية. وقال مسؤول أميركي إن «ذلك كان مطلبهم ولم نخذلهم». وتشير الإدارة إلى أنها ستواصل تنفيذ هجمات ضد قادة «القاعدة»، متى سنحت الفرصة، وستعمل على إحباط أي تهديد مباشر ووشيك ضد المواطنين الأميركيين.
ويقدم القلق بشأن الحساسيات السياسية الباكستانية، تفسيرا لتوقف الضربات الجوية منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي أطول فترة توقف في تاريخ حملة الطائرات الأميركية من دون طيار منذ توقفها لستة أسابيع في عام 2011، عقب الغارة الأميركية الخاطئة التي راح ضحيتها 24 جنديا باكستانيا في موقع حدودي وتسبب في نشوب أزمة دبلوماسية.
ويأتي التوقف الراهن في أعقاب الهجوم الذي قتل فيه زعيم طالبان الباكستانية حكيم الله محسود قبل بضعة أيام من محادثات السلام التي كانت قد تحددت بالفعل، وهو ما دفع حكومة رئيس الوزراء نواز شريف إلى اتهام الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة المحادثات، وألغت طالبان الاجتماع.
من حينها، سعت إدارة أوباما إلى تحسين علاقاتها مع نواز شريف بعد توليه رئاسة الوزراء في يونيو (حزيران) الماضي في أول انتقال ديمقراطي للسلطة في تاريخ باكستان. وامتدح مسؤولو الإدارة جهود شريف في التعامل مع المشكلات البنيوية الخطيرة في باكستان، وتعزيز السلام في المنطقة. وردا على تساؤلات بشأن التوصل إلى اتفاق غير رسمي، نفى مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما المعلومات وقال إن «قضية التفاوض مع حركة طالبان شأن باكستاني داخلي محض». كما قال مسؤول آخر، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية القضية إن «الإدارة لا تزال مستمرة في تحديد التهديدات الإرهابية وإفشالها في مسرح الحرب الأفغانية والمناطق التي تشهد نشاطا عدائيا تتماشى مع أهدافنا لمكافحة الإرهاب والمعايير السياسية والقانونية. والتقارير التي أشارت إلى أننا وافقنا على نهج مختلف في دعم محادثات السلام الباكستانية، خاطئة».
وكانت العلاقات الأميركية مع باكستان شهدت قدرا كبيرا من التحسن، رغم أن التوترات زادت بين واشنطن والرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي اتهم الإدارة الأميركية بالتآمر ضده، مع كل من باكستان وحركة طالبان الأفغانية الموجودة في باكستان، التي قال إنه يحاول الدخول في مفاوضات سلام معها. وأرجأت الحكومة الباكستانية جولة جديدة من المباحثات المقررة مع حركة طالبان الباكستانية كانت مقررة أول من أمس، وذلك بعد اعتذار عضوين في وفد طالبان عن عدم المشاركة.
وجاء الكشف عن تعليق حملة الطائرات من دون طيار في باكستان عقب مهاجمة عضو جمهوري في مجلس النواب الأميركي إدارة الرئيس أوباما وطالب بتشديد المبادئ التوجيهية التي يسمح من خلالها لطائرات درون بشن غارات قاتلة. ووصف رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، مايك روجرز، تغييرات السياسة التي أجراها أوباما العام الماضي على برنامج الطائرات من دون طيار بأنها «إخفاق تام وكامل، تضع حياة الأميركيين في خطر».
وعلل روجرز طرحه هذا بانتشار فروع تنظيم القاعدة في اليمن وسوريا وأفريقيا، وقال إن «الأفراد الذين كان المفترض أن تجري تصفيتهم من قبل في ساحة المعركة عبر عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية لمشاركتهم في الهجوم أو التآمر أو التخطيط لهجمات ضد المصالح الأميركية، لا يزالون طلقاء بسبب الالتزام الذاتي والروتين».
ولم يأت رئيس اللجنة على ذكر برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في باكستان. وأشار خلال جلسة استماع في مجلس النواب بشأن التهديدات الأمنية، إلى معايير الاستهداف الجديدة التي فرضتها إدارة أوباما في مايو (أيار) الماضي والتي يفترض أن تسمح بالضربات فقط ضد مقاتلي «القاعدة» الذين يشكلون تهديدا مستمرا ووشيكا للمواطنين الأميركيين، وفي حالات «شبه أكيدة» بعدم وقوع خسائر بين المدنيين.
لكن مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر أشار إلى اختلافه مع روجرز في وقت لاحق بجلسة الاستماع. وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن البلاد تواجه مخاطر أكبر بسبب سياسات أوباما لمواجهة الإرهاب، قال كلابر: «كلا.. لا أعتقد». وأضاف: «أعتقد أنها ترتبط بشكل أكبر بعملية تحول التهديد الإرهابي، وانتشاره وعولمته ودعمه».
ورغم التوقف المؤقت لغارات الطائرات من دون طيار في باكستان، فإنها لا تزال مستمرة في اليمن، التي كانت بينها هجمات أسفرت عن مقتل مدنيين، حسبما أفادت تقارير. كما رفض مسؤولو البيت الأبيض وصف روجرز، مؤكدين أن القيود التي فرضها أوباما على برنامج طائرات الـ«درون» تهدف إلى السماح باستمرار الهجمات ضد المنظمات الإرهابية، لكن وفق قواعد تحد من إمكانية إثارة العداء نحو الولايات المتحدة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كاتلين هايدن: «لقد أوضح الرئيس أنه على الرغم من ملاحقتنا القوية للشبكات الإرهابية، عبر محاولات أكثر استهدافا وتوسيع شراكاتنا الخارجية، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة التخلي عن حالة التأهب للحرب. لن نكون أكثر أمنا إذا اعتقد غير الأميركيين أننا سنشن غارات في بلادهم من دون أي اعتبارات للعواقب».
ولدى سؤاله عقب جلسة الاستماع عن الدول أو الأشخاص الذين أشار إليهم عندما تحدث عن «أفراد لا يزالون طلقاء»، قال روجرز إن «الإرهابيين المطلوبين الذين كان من المفترض استئصالهم من ساحة المعركة حسب السياسة القديمة، لا يزالون طلقاء ويخططون بفاعلية لشن هجمات جديدة بسبب تغيرات السياسة».
وكان من المفترض أن تؤدي سياسات مكافحة الإرهاب التي جرى تبينها العام الماضي إلى مزيد من الشفافية، وهو الهدف الذي لم يتحقق إلى حد كبير. وحث العضو الديمقراطي في مجلس النواب آدم شيف، مسؤولي الاستخبارات في جلسة أول من أمس، على الإفصاح عن البيانات المجمعة سنويا بشأن عدد الذين قتلتهم الولايات المتحدة في عمليات مكافحة الإرهاب، وعدد المدنيين الذين سقطوا في هذه العمليات. ولم يبد المسؤولون حماسا يذكر للاقتراح. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان إنها «توصية جديرة بالاهتمام» وإن الإدارة قد تدرسها، لكنه رفض الإفصاح عن مزيد من المعلومات.
وكان نواز شريف حاز تأييدا لإجراء محادثات سلام مع طالبان في مؤتمر حضرته كل الأحزاب بعد وقت قصير من توليه منصبه، لكنه قال في كلمته أمام البرلمان الأسبوع الماضي، إن المسلحين لا يزالون يقتلون المدنيين الأبرياء والجنود الباكستانيين. وتابع شريف: «رغم ما تبذله الحكومة لوقف هجمات الطائرات من دون طيار، التي عززت التطرف ومعاداة الولايات المتحدة، فإنه لم يعد بإمكاننا السماح بمزيد من قتل المدنيين الأبرياء (بأيدي الإرهابيين). هذا الوضع لن يكون مقبولا بعد الآن». وقال أيضا إن «الأمة الباكستانية بأكملها ستقف خلف» أي هجوم عسكري ضد المتطرفين إذا فشلت جهود السلام.
يذكر أن الإدارة الأميركية تضغط منذ سنوات على باكستان من أجل شن هجوم عسكري واسع النطاق ضد «شبكة حقاني»، أحد روافد حركة طالبان الأفغانية التي تتخذ من المنطقة القبلية على طول الحدود الأفغانية - الباكستانية مقرا لها، كما هي الحال بالنسبة لـ«الحركة الباكستانية»، لكن الفوارق التي تفصل بين المجموعتين غالبا ما يصعب تحديدها، ففي أواخر عام 2009، قتل سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيين ومتعاقدين مع الوكالة، في مدينة خوست الأفغانية، في هجوم انتحاري أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنه انتقاما لغارة شنتها طائرة من دون طيار قتل خلالها زعيم طالبان الباكستانية بيت الله محسود، الذي حل محله، حكيم الله محسود، الذي ظهر في شريط فيديو صدر في وقت لاحق وهو برفقة المهاجم. ويعتقد أن الضربة التي قتلت حكيم الله محسود كانت ردا من وكالة الاستخبارات الأميركية على هجوم خوست.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».