باريس وواشنطن تجهدان لقلب صفحة خلافاتهما

ماكرون التقى بلينكن... والفرنسيون يتمسكون بثلاثة مطالب

الوزير بلينكن لدى وصوله لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس أمس (أ.ف.ب)
الوزير بلينكن لدى وصوله لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

باريس وواشنطن تجهدان لقلب صفحة خلافاتهما

الوزير بلينكن لدى وصوله لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس أمس (أ.ف.ب)
الوزير بلينكن لدى وصوله لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس أمس (أ.ف.ب)

بانتظار انعقاد القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي والفرنسي نهاية الشهر الجاري في غلاسكو «اسكوتلندا» على هامش «قمة التغيرات المناخية رقم 26» التي تنظمها الأمم المتحدة من الأول حتى 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن باريس وواشنطن تسرعان الخطى من أجل قلب صفحة الخلاف والجفاء التي تسبب بها فسخ عقد الغواصات الفرنسية لأستراليا واستبدال غواصات أميركية الصنع تعمل بالدفع النووي بها.
وبعد مرحلة من التصعيد الفرنسي وتوجيه اتهامات بالجملة لواشنطن وكانبيرا ولندن، خفّت حدة الخلاف مباشرةً عقب الاتصال الهاتفي الذي جرى يوم 22 سبتمبر (أيلول) بمبادرةٍ من الرئيس جو بايدن. وفي اليوم التالي، حصل اجتماع بين وزيري خارجية البلدين في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وعودة السفير الفرنسي في واشنطن فيليب أتيان، الأربعاء الماضي، إلى مقر عمله بعد استدعائه احتجاجاً، ودعوته إلى البيت الأبيض مرتين للقاء مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي جيك سوليفان، ولاحقاً اجتماع وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وتواصل «التطبيع» مع الزيارة التي يقوم بها الأخير إلى باريس لمناسبتين: لقاءات ثنائية مع المسؤولين الفرنسيين، والمشاركة «الثلاثاء والأربعاء» في اجتماعات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي مقرها في باريس.
إذا كانت ثمة حاجة للتدليل على رغبة فرنسا في الإسراع في قلب صفحة الخلاف مع واشنطن، فإن استقبال الرئيس ماكرون للوزير الأميركي واجتماعه المغلق والمطول معه أفضل مؤشر لذلك، إذ كان المرتقب فقط أن يلتقي بلينكن نظيره جان إيف لودريان، ثم مستشار الرئيس ماكرون الدبلوماسي السفير إيمانويل بون في قصر الإليزيه. من هنا، فإن تمسك ماكرون باستقباله وصدور بيان من قصر الإليزيه بشأنه يأتيان بالبرهان الأكيد على أن باريس تريد سريعاً جداً تخطي الخلاف مع الحليف الأميركي. وأفاد الإليزيه بأن اللقاء المغلق و«المطول» ركز على تحضير «القرارات الملموسة» التي سيتولى الرئيسان الفرنسي والأميركي إعلانها بمناسبة قمتهما المرتقبة. وحسب الإليزيه، فإن الاجتماع الذي سبقه لقاء مغلق بلينكن - لودريان واجتماع موسع للوفدين، في وزارة الخارجية، يُفترض به أن «يرمم الثقة» بين البلدين من جهة، ووفّر الفرصة للطرفين من أجل «استكمال عمل التنسيق بينهما (لمواجهة) التحديات المشتركة أكان في مجال التعاون بين الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي أو في منطقة الساحل أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي قوله إن الاجتماع كان «إيجابياً» و«منتجاً» وأن هناك اتفاقاً حول توافر فرصة من أجل «تعميق وتعزيز التعاون الفرنسي - الأميركي». لكنّ تحقيق هذا الهدف «يتطلب كثيراً من العمل الشاق لتحديد القرارات الملموسة» التي سيبتّ بها رئيسا البلدين في قمتهما المرتقبة.
من جانب آخر، وزّعت المصادر الأميركية معلومات عن لقاء لودريان - بلينكن نُسبت للناطق باسم الخارجية نيد برايس، جاء فيها أن الطرفين متمسكان بالتشاور الوثيق عملاً بما اتفق عليه الرئيسان وأنهما تناولا الكثير من المسائل منها مجالات التعاون والتنسيق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومنطقة الساحل فضلاً عن أفغانستان التي اتفقا بشأنها على ضرورة استمرار التشاور الوثيق وأهمية دفع حركة «طالبان» للوفاء بالتزاماتها. كما شدد الطرفان على أهمية التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أثناء فترة الرئاسة الفرنسية خلال النصف الأول من العام القادم وتعزيز العلاقة مع الحلف الأطلسي ودعم الأمن الأوروبي والتعاون في ملف الأزمة البيئية والحاجة لإنجاح القمة القادمة بشأنها.
ثمة أمور ثلاثة تتمسك بهما باريس، وترى مصادر أوروبية أن تحقيق تقدم بشأنها سيساعد في ترميم الثقة وإعادة المياه إلى مجاريها بين الطرفين ولكن أيضاً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويتمثل الأمر الأول باستمرار الدعم الأميركي لعمليات قوة «برخان» في منطقة الساحل خصوصاً في مالي، نظراً لأهمية هذا الدعم الاستخباراتي واللوجيستي. وكانت إدارة الرئيس بايدن قد أعلنت أنها تنوي إغلاق القاعدة الجوية الأميركية شمال النيجر التي تنطلق منها الطائرات المسيّرة لجمع الصور والمعلومات في منطقة شاسعة المساحة التي تساعد القوة الفرنسية وقوة «تاكوبا» الأوروبية في عملياتها المتركزة على محاربة الإرهاب. والأمر الثاني يركز على كيفية إعادة ضم فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى التحالف الثلاثي «الأميركي - البريطاني - الأسترالي» الذي أُعلن منتصف الشهر الماضي والذي عدّه الأوروبيون «إبعاداً» لهم من منطقة استراتيجية بالغة الأهمية. وتريد باريس أن تعترف واشنطن بأنها قوة يعتدّ بها في منطقة الهندي - الهادئ وأن لها مصالح جيو - استراتيجية، وبالتالي لا يجوز استبعادها من الترتيبات الجارية هناك. والأمر الثالث، موقف واشنطن من رغبة فرنسية - أوروبية في إنشاء «ركيزة» أوروبية للحلف الأطلسي لا تكون بديلاً عنه وإنما تمكِّن الأوروبيين من الدفاع عن مصالحهم وفي جوارهم المباشر في الشرق الأوسط والبحر المتوسط ومنطقتي الساحل وشمال أفريقيا. وباستثناء الدعم الأميركي في منطقة الساحل، فإن المسألتين المتبقيتين تتطلبان مشاورات طويلة بين الطرفين للوصول إلى «قرارات ملموسة»، كما جاء في كلام الإليزيه.
أساس المشكلة أن للأوروبيين مقاربة مختلفة تماماً عن المقاربة الأميركية لملف العلاقات مع الصين. فمن جهة، تعدّها واشنطن «منافساً منهجياً» لها يتعين احتواؤه. من هنا، ولادة التحالف الثلاثي وسعي واشنطن لإطلاق التحالف الرباعي «كواد» الذي يضمها إلى جانب كانبيرا ونيودلهي وسيول. ومن جهة أخرى، للأوروبيين مقاربة مختلفة إذ إنهم يركزون على الحاجة إلى التعاون معها في الكثير من الملفات كالتغيرات المناخية والأمن السيبراني والتجارة العالمية والتعاون في حل الأزمات الإقليمية كالملف النووي الإيراني.
وبالتالي لا يريدون علاقة صدامية معها. وفي الساعات الأخيرة، قام لودريان بمروحة واسعة من الاتصالات التي شملت نظراءه في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا و«وزير» خارجية الاتحاد الأوروبي الذي سيلتقي بلينكن من جانبه، وذلك لإظهار أن المقاربة الفرنسية تحظى بدعم أوروبي. ونُقل عن مصادر دبلوماسية فرنسية قولها إن الأزمة الأخيرة «تسلط الضوء على المصالح الأوروبية وتمس كيفية عمل تحالفاتنا وانخراط الأوروبيين في منطقة الهندي - الهادئ».
من الواضح أن باريس كانت تنتظر الكثير من زيارة بلينكن الذي يعرف فرنسا جيداً ويجيد لغتها بطلاقة وله فيها علاقات قديمة منذ إقامته الطويلة في العاصمة الفرنسية يافعاً وشاباً. ولذا لم تكن لإدارة بايدن شخصية أكثر ملاءمة لمهمة رأب الصدع مع فرنسا من وزير خارجيته. لكن العلاقات بين الدول تُبنى على المصالح ويبدو أن مصالح الطرفين تدفعهما دفعا إلى التقارب مجدداً ووجود بلينكن يساعد على تسهيل الحوار.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.