«حزب الله» يعلن التعبئة لـ«تطهير الدولة» من الأميركيين

استعداداً لمرحلة جديدة من «الكباش السياسي»

TT

«حزب الله» يعلن التعبئة لـ«تطهير الدولة» من الأميركيين

يشهد لبنان مرحلة جديدة من «المواجهة السياسية» بين «حزب الله» والولايات المتحدة ليست محصورة في موقف واشنطن - كما يقول مصدر سياسي بارز - من تهديد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وإنما في الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات النيابية في ربيع 2022 التي يراهن عليها المجتمع الدولي على أنها محطة لإعادة إنتاج السلطة السياسية، وإلا لماذا أغفل رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين في هجومه على الإدارة الأميركية تمرير أي إشارة تستهدف موقفها من انفجار المرفأ؟
فرئيس المجلس التنفيذي الذي هو بمثابة «رئيس حكومة حزب الله» اتهم الأميركيين بالتأثير في لبنان أمنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، وقال إنهم أقوياء في الدولة ولديهم الكثير بداخلها، ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراجهم من أجهزة الدولة، وإذا جاء الوقت المناسب وخضنا المعركة سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر.
وفي المقابل، وبحسب المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»، فإن حسن فضل الله، أحد نواب «حزب الله»، شن أعنف هجوم على واشنطن على خلفية تدخلها في التحقيقات الجارية في انفجار المرفأ من دون أن يتطرق إلى موقف باريس في هذا الخصوص الذي جاء على لسان الناطقة باسم الخارجية الفرنسية وكأنه لا يريد الدخول في سجال معها ويحفظ لها أنها تميز بين الجناح المدني والآخر العسكري في الحزب، بخلاف معظم الدول الأوروبية، لذلك قرر «حزب الله»، الذي لم يتبرأ حتى الساعة من تهديد صفا للبيطار، إعلان «التعبئة العامة» ضد الولايات المتحدة، بالتزامن مع التحضيرات لخوض الانتخابات النيابية ومع إصرار الحزب والكثيرين من حلفائه على الاحتفاظ بالأكثرية النيابية داخل البرلمان الجديد، وقدرته على الجمع بين الأضداد، في إشارة إلى «الحرب» الدائرة بين حليفه «التيار الوطني الحر» وحليفيه الآخرين حركة «أمل» بقيادة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتيار «المردة» بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية.
ويتصل قرار الحزب بالجمع بين الأضداد من حلفائه وتنظيم الاختلاف بينهم بالتحضير لانتخاب رئيس جمهورية جديد من قبل البرلمان المنتخب، لأن لا مصلحة له بأن يؤتى برئيس من خارج الأكثرية النيابية التي يطمح في الحصول عليها في الانتخابات.
لكن إصرار صفي الدين على عدم التطرق إلى التحقيقات الجارية في انفجار المرفأ لا يعني بالضرورة أنه قرر أن يدير ظهره له بعد أن أوكل الحزب المهمة إلى النائب فضل الله وإنما أراد أن يشملها عندما تحدث عن تأثير الأميركيين في أجهزة الدولة لكن على طريقته الخاصة.
ولفت المصدر السياسي إلى أن صفي الدين الأخير بدعوته لإخراج الأميركيين من أجهزة الدولة يشمل السلطة القضائية، داعياً إياها إلى عدم التعمق في التحقيقات الخاصة بانفجار المرفأ، وقال إن الحزب بموقف رئيس مجلسه التنفيذي قرر الانضمام مجدداً إلى «الكباش السياسي» الدائر في المنطقة بين الولايات المتحدة وبين طهران في محاولة لتجميع أكبر عدد من الأوراق اللبنانية لوضعها بتصرف حليفه الإيراني مع زيادة الشروط لاستئناف المفاوضات النووية في فيينا بدءاً بمبادرة واشنطن لإعادة النظر في عقوباتها المفروضة على إيران.
وأكد المصدر نفسه أن صفي الدين أراد أن يستبق تزخيم التحضيرات لخوض الانتخابات النيابية بمبادرته إلى هز العصا لواشنطن بذريعة أنها تتدخل بدعمها المالي والمعنوي لمجموعات في المجتمع المدني من جهة وإشرافها على توحيد صفوف قوى المعارضة للطبقة السياسية الحالية وصولاً لخوضها الانتخابات على لوائح موحدة، وقال إن التحذيرات التي أطلقها صفي الدين مستهدفاً الأميركيين ما هي إلا نسخة عن الاتهامات التي سبق للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أن وجهها لواشنطن بعد انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وكانت وراء استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري.
فقد اتهم نصر الله المنتفضين بأنهم ينفذون أجندة أميركية بدعم مالي من واشنطن بواسطة سفارتها في بيروت بغية التحريض على المقاومة واستهدافها، وإن كان صفي الدين ذهب بعيداً هذه المرة بدعوته لإخراج الأميركيين من أجهزة الدولة، رافعاً سقف المواجهة من دون أن يميز بين هذا الجهاز أو ذاك، مع أنه لم يبق من معالم الدولة سوى القوى الأمنية التي تمكنت من الحفاظ على الاستقرار ونجحت في التعامل مع الانتفاضات المتنقلة التي عمت معظم المناطق اللبنانية في تمرير رسالة للمجتمع الدولي بأنها قادرة لأن تكون صمام الأمان لإعادة بناء مشروع الدولة.
وبرغم أن صفي الدين تحدث في العموميات في اتهامه الأميركيين بالتأثير في أجهزة الدولة، فإن المصدر نفسه يسأل عن موقفه من القوى الأمنية التي يشكل الجيش الرافعة الأولى لمنع تدحرج البلد نحو الفوضى والتفلت الأمني في ضوء استمرار تراكم الأزمات وبلوغ الضائقة المعيشية ذروتها وباتت تهدد اللبنانيين بلقمة عيشهم ومن بينهم القوى الأمنية؟
كما يسأل عن الأسباب الكامنة وراء عدم مبادرة صفي الدين إلى استثناء هذه القوى من اتهامه للأميركيين بالتأثير في أجهزة الدولة، وهل لديه من ملاحظات على أدائها طوال المحطات التي شهدت إصرار الحراك المدني على تصعيد موقفه من الطبقة السياسية وصولاً إلى امتناعها عن استخدام العنف المفرط لإخراجهم من الشوارع انطلاقاً من تقدير القيادات العسكرية والأمنية بأن الحل ليس أمنياً وإنما هو سياسي بامتياز، وأن دور القوى الأمنية والعسكرية يكمن في الحفاظ على الاستقرار وحماية الوفاق السياسي الذي هو مسؤولية القيادات السياسية التي تخلت عن دورها.
وإلى أن تقرر قيادة «حزب الله» توضيح ما قصده صفي الدين باتهامه الأميركيين بالتأثير في أجهزة الدولة وتهديده بإخراجهم منها، خصوصاً أنه لم يميز بين هذه الأجهزة، فإن المصدر السياسي يؤكد أن الحزب يتوجس من الاهتمام الأميركي والأوروبي بالجيش وتوفير الدعم له، إضافة إلى القوى الأمنية الأخرى، لأن تقويته ومساعدته لرفع المعاناة عن العسكريين والأمنيين يدفع باتجاه تعزيز دور الدولة في بسط سيادتها على حساب القوى الأخرى.
وعليه، فإن «الغموض البناء» الذي يكتنف إصرار صفي الدين على تعميم اتهامه لأجهزة الدولة بخضوعها لتأثير الأميركيين ما هو إلا رسالة من حيث توقيتها لضبط إيقاع هذه الأجهزة وتقنين تعاونها مع المجتمع الدولي الذي أبدى اهتماماً بدعمه للقوى الأمنية والعسكرية.
ويبقى السؤال: هل للتوقيت الذي اختاره صفي الدين بإصداره «أمر عمليات» لإخراج الأميركيين من أجهزة الدولة و«تطهيرها» منهم علاقة بالزيارة المرتقبة لقائد الجيش العماد جوزيف عون إلى واشنطن؟ وإن كان من غير الجائز إصدار الأحكام على النيات بدلاً من التريث إلى حين رؤية الأفعال، خصوصاً أنه يسجل له كما للقيادات الأمنية الأخرى اجتيازه الامتحان منذ أن انتقل الصراع السياسي من المؤسسات إلى الشارع بعد أن رفضت المنظومة الحاكمة الاستجابة لأوجاع وآلام اللبنانيين بتوفيرها الحد الأدنى لاحتياجاتهم؟



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.