مدير المخابرات الأردنية: تصور جديد لعودة العلاقة مع سوريا

جلسة مكاشفة ضمت ممثلي مؤسسات إعلامية بينها «الشرق الأوسط»

مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء حاتوقاي مع مجموعة من الإعلاميين (الشرق الأوسط)
مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء حاتوقاي مع مجموعة من الإعلاميين (الشرق الأوسط)
TT

مدير المخابرات الأردنية: تصور جديد لعودة العلاقة مع سوريا

مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء حاتوقاي مع مجموعة من الإعلاميين (الشرق الأوسط)
مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء حاتوقاي مع مجموعة من الإعلاميين (الشرق الأوسط)

في جلسة مكاشفة مزدحمة بالمناقشات وتبادل وجهات النظر، قدم مدير المخابرات العامة الأردنية، اللواء أحمد حسني حاتوقاي، أمام جمع من الصحافيين والكتاب الأردنيين، إضاءات عميقة للمشهد الأمني والسياسي في البلاد، لم تخل من الانسيابية في الرد على كثير من التساؤلات الملحة عن الشأن الداخلي والخارجي، فيما شكلت عناوين رئيسية محور الجلسة، كعودة العلاقات مع سوريا، ودعم مسيرة الإصلاحات السياسية، وبالضرورة الدور الأمني المركزي للمؤسسة في محاربة التطرف والإرهاب إقليمياً ومحلياً.
وعلى مدار أكثر من 4 ساعات من الغوص في مقاربات السياسي والأمني، في جلسة هي الأولى من نوعها على مستوى الانفتاح على وسائل الإعلام، حددت مكاشفة حاتوقاي الذي ترأس المؤسسة الأمنية الأولى في البلاد مطلع مايو (أيار) 2019 ملامح الفترة المقبلة لسياسات جهاز المخابرات في التعامل مع الملفات الأردنية.
ومن هنا، كشف اللواء حاتوقاي عن تصور جديد لعودة العلاقة مع الجمهورية العربية السورية، في ظل مقاربات سياسية أفضت إلى التعامل «مع الأمر الواقع» الذي لا يمكن تجاهله إزاء خريطة التحالفات الإقليمية والدولية المعقدة، على حد وصفه، وهو ما ظهر جلياً في سلسلة قرارات أردنية تم الإعلان عنها مؤخراً، تتعلق بفتح الحدود والتبادل التجاري.
الموقف الذي عبّر عنه حاتوقاي، بصفته أرفع مسؤول أمني في البلاد، في الشأن السوري ذهب إلى التأكيد على أن المملكة نأت بنفسها عن التدخل في الشأن السوري طيلة سنوات الأزمة، باستثناء «بعض التدخلات» في الجنوب السوري، عبر تفاهمات «روسية - سورية - أردنية»، لانشغال النظام السوري بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية السورية.
وشدد حاتوقاي هنا على أن الأردن بعيداً عن ذلك لم يكن يشكل أي حاضنة من «حواضن أي عمل ضد سوريا»، وأن استقرار المنطقة الجنوبية الحدودية مع المملكة شمالاً كان -وسيظل- الهدف الاستراتيجي الأبرز في هذا الملف.
وفي الوقت الذي أكد فيه حاتوقاي أن «جيش النظام السوري» يسيطر اليوم على 65 في المائة من أراضيه، تجاوز من جهته التعليق حول طبيعة الأطراف الإقليمية التي تسانده في مهمة استعادة سيطرته على أراضيه، مشدداً على أن الأزمة السورية «ما تزال تتفاعل، في ظل وجود قلق ماثل في مناطق شمال شرقي سوريا، عدا عن وجود بؤر وحواضن لتنظيمات إرهابية ما تزال تسعى إلى استهداف أمن المنطقة»، بحسبه. واستشهد بأزمة مخيم الهول في منطقة الحسكة، الواقع على مقربة من الحدود السورية - العراقية، وما يحيط بالوضع الإنساني والأمني فيه نظراً لظروف الأزمة السورية.
وفي سياق العلاقات الاستراتيجية بين الأردن وسوريا، أكد على استمراريتها خلال السنوات الماضية بين جهازي الاستخبارات، وضمن خطة أمنية وطنية كان هدفها الحفاظ على التهدئة في الجنوب السوري، وفي إطار استراتيجية المملكة في مكافحة المنظمات الإرهابية لتلافي ضغط الأزمة أمنياً وانعكاساتها على أمن المملكة.
وفي مصارحة مباشرة للواء حاتوقاي، بشأن استمرار غلق الحدود، قال إن تقديراً رسمياً أردنياً سعى إلى تأطير العلاقة الأردنية - السورية «في ظل صعوبة تحمل المملكة لسياسة إغلاق الحدود الشمالية»، مشيراً إلى حتمية التعامل مع «الدولة السورية»، في ظل حاجة البلدين لإعادة فتح خطوط التعاون في الملفات المشتركة، وعلى وجه الخصوص الملفين الأمني والاقتصادي.
- مخاوف من التهريب
وفي أثناء ذلك، عبّر مدير المخابرات الأردني عن مخاوفه من ارتفاع وتيرة تهريب عناصر إرهابية عبر الحدود تسعى إلى استهداف أمن المملكة، مع تزايد عمليات تهريب المخدرات والسلاح. وبيّن المسؤول الأمني الرفيع أن انتشار رقعة الفقر والجوع في مناطق سوريا «يساهم» فيما وصفه بـ«إذكاء نزعة التطرف لدى أجيال مهمشة»، ويجعلها عرضة للاستقطاب لصالح تنظيمات إرهابية، موضحاً أن أطفالاً نشأوا في ظل حكم تلك الجماعات المتطرفة خلال السنوات الماضية هم بحاجة إلى تغيير معتقداتهم التي تشربوها من التربية في صفوف تلك التنظيمات.
وبالأرقام الموثقة، تحدث حاتوقاي عن إحباط جهاز المخابرات العامة الأردنية، منذ عام 2019 حتى موعد عقد اللقاء، (120) عملية، مشيراً إلى الجهود الاستخبارية الأردنية التي أحبطت «52 مخططاً إرهابياً استهدف أمن المملكة، وإلقاء القبض على 103 متورطين في التخطيط لتلك الهجمات».
وأكد اللواء حاتوقاي أن المملكة، ضمن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ساهمت في «إحباط 68 مخططاً إرهابياً في مناطق متفرقة من أوروبا ودول العالم»، في حين تم «إحباط 95 عملية تهريب عناصر إرهابية عبر المملكة، وتهريب أسلحة ومخدرات، وضبط 249 شخصاً متورطاً في تلك العمليات».
وفي سياق متصل، تطرق حاتوقاي إلى التحديات التي تفرض تنسيق الجهود على نطاق واسع أمنياً واستخباراتياً. وأعاد مدير المخابرات التأكيد على استمرار محاولات استهداف أمن المملكة من تنظيمات إرهابية في العراق وسوريا، مؤكداً أن الخطر ما يزال «قائماً»، على الرغم من كل النجاحات، بما في ذلك الجهود الكبيرة لجهاز المخابرات الأردني في مجالات الأمن السيبراني، بعد رصد محاولات لاختراق مواقع أردنية محصنة، ومنع تلك المحاولات من خلال المعالجات السريعة. وقال إن خطر منصات التواصل الاجتماعي ما زال قائماً، من خلال تجنيد الشباب الأردنيين لصالح تنظيمات إرهابية متطرفة، محذراً من أن التطرف ومساعيه في تجنيد الفئات الشابة سيكون له انعكاس على المجتمعات الغربية، وليس على منطقتنا وحسب، مشيراً في الوقت نفسه إلى انتشار السلبية السائدة والسوداوية الطاغية وخطاب التشكيك على مواقع التواصل الاجتماعي، بصفتها أدوات تستخدم ضمن مخططات استدراج الشباب والمجتمعات نحو التطرف والفوضى، على حد تعبيره.
- المعارضة السورية والأردن
وعن وجود قيادات من المعارضة السورية في الأردن، ومحاولات منصات للمعارضة السورية الخارجية «مهاجمة» خطة التقارب الأردني - السوري، أكد حاتوقاي أن جميع السوريين في الأردن يتلقون معاملة تفرضها الظروف الإنسانية التي عاشوها خلال سنوات الأزمة، وأن المملكة سخرت إمكاناتها لاستضافة اللاجئين السوريين، ولن تقبل الإساءة لأي سوري يقيم على الأرض الأردنية ما دام يخضع للقوانين النافذة على الأردنيين وغيرهم من المقيمين في المملكة، في الوقت الذي تملك فيه المملكة كامل سيادتها على قراراتها في الشؤون كافة.
واستعرض حاتوقاي الذي استمع جيداً أيضاً لمداخلات الصحافيين المشاركين سلسلة من التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي يواجهها الأردن، مع لجوء نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، قائلاً إنه تحمل ضغطاً على البنى التحتية الوطنية، من مياه وكهرباء وشبكات طرق، وضمن خدمات الصحة والتعليم، بما في ذلك توزيع اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا المستجد» على اللاجئين في مخيمات اللجوء السوري.
وأشار إلى الضغط الاقتصادي المتزايد، من خلال ارتفاع عجز الموازنة العامة، واختلال موازين قوى السوق أمام مشاركة الأشقاء السوريين في السوق المحلية، ما ساهم برفع أرقام البطالة في صفوف الشباب الأردني، مرجحاً استمرار الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية على المدى المنظور، في ظل عودة 34 ألف لاجئ سوري فقط إلى بلادهم منذ عام 2018، من أصل إجمالي المقيمين في المملكة.
وعلى الجانب الاقتصادي الآخر مع سوريا، بين حاتوقاي أن هناك أولوية أردنية في التوجه نحو إبرام تفاهمات جديدة، بما يعيد العلاقات الثنائية لسابق عهدها، والتوافق على ملف المياه، وحصص الأردن من مياه نهر اليرموك وسد الوحدة، الأمر الذي يتطلب تثبيت شروط التهدئة في الجنوب السوري، وتطهيره من المنظمات الإرهابية، ضمن جهود مشتركة لضمان استمرارية التجارة البينية بين البلدين.
وأوضح مدير المخابرات الأردنية أن التقارب مع سوريا، واستعادة فرص التهدئة على كامل الأراضي السورية، ينسجم مع ثوابت المملكة في تقديم الدعم والإسناد للدول الشقيقة، كاشفاً أن إحياء مشروع شبكة الربط الكهربائي الغربي (مصر - الأردن - سوريا - لبنان)، وتصدير الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، سيضع حداً لأي سيناريوهات كارثية تواجه الاقتصاد اللبناني نتيجة النقص الكبير في مخزون الطاقة.
وتمسك اللواء حاتوقاي بموقف بلاده من الحل السياسي للأزمة السورية، مشيراً إلى أن أي استقرار تشهده الأراضي السورية سينعكس حتماً على الاقتصاد الأردني، من خلال عودة التجارة البينية بين الجاريين الشقيقين، ويخدم فرص العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلداتهم وقراهم.
وفيما استعرض اللواء التحديات الأمنية مع دول الجوار، بيّن أن تسارع الأحداث في ظل ظروف دولية معقدة يحتم على صاحب القرار دراسة الخيارات والبدائل التي تحافظ على المصلحة الوطنية العليا، كاشفاً عن جهود العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على الساحة الدولية للتكيف مع ظروف الجوار المضطرب، والمواجهة في التأثير على الدول ذات العلاقة.
وشدد المسؤول الأمني في حديثه، ضمن سياق تنسيق جهود الأجهزة الأمنية والمخابراتية العربية، على أهمية تشكيل المنتدى الاستخباري الغربي الذي تأسس عام 2019، ويترأسه الأردن العام الحالي، لافتاً إلى أن المنتدى نجح في إنتاج لغة مشتركة في مواجهة التحديات، والتوافق على طبيعة معالجتها وقائياً، من خلال سهولة تبادل المعلومات، بما يخدم تعزيز منظومة أمن واستقرار المنطقة.

قرارات محلية

ومحلياً، حسم حاتوقاي، وهو المدير الرابع عشر لجهاز المخابرات العامة الذي تأسس عام 1964، في حديثه أي تكهنات بشأن موقف المؤسسة الأمنية الأبرز حيال دعم توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي سلمتها إلى العاهل الأردني الأحد، مشدداً على أن الموقف الأوحد للجهاز هو الداعم للتوصيات بعد الاطلاع عليها.
وأكد حاتوقاي على قناعة الجهاز الأمني بما تم التوافق عليه من خلال أعضاء اللجنة الملكية، معرباً عن دعمه لواقع إصلاحي ينشأ في المستقبل، على أن يخضع للتقييم والقياس والتطوير المستمر، وبما يعبر عن حيوية الدولة وهي تدشن مئويتها الثانية.
وأقرت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية مشاريع تعديلات دستورية وقانوني انتخاب وأحزاب، وتضمنت تعديلات قانون الانتخاب مقاعد حزبية مخصصة للأحزاب بنسبة 30 في المائة من مقاعد مجلس النواب، وإقرار مبدأ درجة الحسم في احتساب النتائج بين المتنافسين، وتخفيض عدد الدوائر الانتخابية في المملكة، وإضافة على حصة المقاعد المخصصة للنساء، وتخفيض سن الترشح للشباب إلى 25 عاماً، في الوقت الذي أقرت فيه توصيات اللجنة في مشروع قانون الأحزاب تشريع مبدأ العمل الحزبي لطلاب الجامعات دون ملاحقة.
وأكد حاتوقاي دعم فرص العمل الحزبي بعد تعديل قانون الأحزاب، وعلى شروط العمل الحزبي الوطني ضمن القانون وفقاً لبرامجية حزبية تحمل حلولاً واقعية قابلة للتطبيق، وتبدد التخوف من الانتساب إليها، بما يعزز صناعة القرار المحلي، وقيم الهوية الوطنية الجامعة، ضمن حدود الحرية المسؤولة، ما يهيئ للوصول لحكومات حزبية في المدى المنظور تحافظ على قيم سيادة القانون، وتكون أجندتها وطنية، بمعزل عن أي ارتباط بالخارج، وفقاً له.
وفي معرض إجاباته المباشرة على تساؤلات الصحافيين الذين مثل أغلبهم مؤسسات صحافية أردنية محلية، حول المخاوف الناشئة من العملية الديمقراطية لدى جمهور النخب السياسية المحافظة، أكد حاتوقاي أن بلاده لا تخشى الديمقراطية المحكومة بالقوانين النافذة، مشيراً إلى أن جيل الشباب أصبح يملك لغة جديدة، بعد تأثره بقيم العولمة، ومشاهدة تجارب الدول المتقدمة، ما يحتم على مؤسسات الدولة أن تواكب متطلبات الأجيال في التحديث والتطوير، وبما يخدم هدفهم المشاركة في اتخاذ القرار الوطني، ما يجعل الجميع شركاء بالمسؤولية.



هدنة غزة في 2024... عام من «المماطلات والشروط»

طفل فلسطيني نازح يحمل أخته أثناء عبوره بركة مياه بالقرب من مخيم مؤقت خلال عاصفة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني نازح يحمل أخته أثناء عبوره بركة مياه بالقرب من مخيم مؤقت خلال عاصفة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

هدنة غزة في 2024... عام من «المماطلات والشروط»

طفل فلسطيني نازح يحمل أخته أثناء عبوره بركة مياه بالقرب من مخيم مؤقت خلال عاصفة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني نازح يحمل أخته أثناء عبوره بركة مياه بالقرب من مخيم مؤقت خلال عاصفة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

عام طوته مفاوضات «الهدنة» في قطاع غزة بين 4 عواصم عربية وغربية، هي القاهرة والدوحة وباريس وروما، دون أن يثمر عن إبرام وقف إطلاق النار بالقطاع أو إطلاق سراح مزيد من الرهائن الإسرائيليين والأجانب، الذين يبلغ عددهم نحو 100 حسبما تقول التقديرات.

وشهد 2024 «مماطلات وشروط» أغلبها من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع تراجع أولوية الإفراج عن الرهائن لديه، وهو ما دفعه لعدم قبول بمقترحات أبرزها من الرئيس الأميركي جو بايدن، فيما ينتظر أن يرى «انفراجة محدودة» مع تنصيب الرئيس دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني)، و«استكمال مفاوضات ستكون شاقة لإنهاء الحرب» في ظل عراقيل إسرائيلية محتملة متعلقة ببقاء «حماس» في القطاع، وفق تقديرات خبير عسكري تحدث لـ«الشرق الأوسط».

وبعد أسبوع هدنة أبرمها الوسطاء في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بدأ نتنياهو في قلب الطاولة، وخلال محادثات في باريس في 28 يناير (كانون الثاني) 2024، تحدث عن «وجود فجوات كبيرة» وتكرر ذلك مع اعتباره مطالب «حماس» «وهمية»، وذلك عقب مفاوضات استضافتها القاهرة في 13 فبراير (شباط) 2024، وباريس بأواخر الشهر ذاته.

كما لم تسفر مفاوضات بالدوحة في 18 مارس (آذار) 2024 ومحادثات القاهرة في 7 أبريل (نيسان) 2024 عن جديد، مع حديث إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن «(حماس) بعيدة عما ترغب إسرائيل بقبوله»، وتمسك «حماس» بوقف إطلاق دائم لإطلاق النار قبل إبرام الهدنة.

رجل فلسطيني ينعى أحد أقاربه قُتل بغارة إسرائيلية في مستشفى ناصر بخان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)

واجتاح نتنياهو رفح الفلسطينية في مايو (أيار) 2024، ما أفشل مقترحاً مصرياً كانت «حماس» قبلته، واتهمت الدوحة وقتها بـ«إدخال المفاوضات في طريق مسدود»، قبل أن يعود المسار مجدداً بنهاية الشهر ذاته بطرح جو بايدن خارطة طريق أخرى، بينما لم تسهم محادثات بشأنها في 10 و11 يوليو (تموز) 2024 بالقاهرة، و27 من الشهر ذاته بروما عن تقدم.

واتهمت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في أغسطس (آب) 2024 نتنياهو، بأنه «عرقل إبرام صفقة وقف إطلاق النار مع وضعه شروطاً جديدة» قبل اجتماع روما، بينما نفى مكتبه ذلك، وأرسل وفداً في محادثات بالدوحة في 16 من الشهر ذاته، انتهت إلى تقديم واشنطن مقترحاً جديداً بهدف سد الفجوات المتبقية، على أن تبحث في جولة بالقاهرة، لم تذهب هي الأخرى لانفراجة.

وبعد جمود نحو شهرين، عادت مفاوضات الهدنة بلقاء، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في الدوحة، بين «رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس السي آي إيه ويليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني»، وناقشوا مقترحاً لوقف إطلاق النار لمدة 28 يوماً، وفق ما نقله موقع «أكسيوس» الأميركي وقتها. وبالتزامن، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحافي وقتها، مقترحاً جزئياً للهدنة.

واختتم هذا الحراك الجديد بكشف قناة «الأقصى»، الموالية للحركة ووسائل إعلام فلسطينية، في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، عن أفكار هدنة طرحت من جانب مصر وقطر، بشأن تبادل جزئي وسط تحفظ من «حماس» باعتبارها لا تلبّي احتياجات الفلسطينيين، بينما شهد الشهر ذاته إعلان الدوحة تعليق مشاركتها في الوساطة، بسبب عدم وجود «جدية» من طرفي الحرب.

وجاء شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024 بمتغيرات جديدة، وكشف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال مؤتمر صحافي أوائل الشهر ذاته بالقاهرة عن أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار»، وبالتزامن، كشف رئيس الوزراء القطري، عن عودة بلاده للوساطة بعد لمس زخم عاد إلى المحادثات بعد انتخاب ترمب.

ووسط هذا الحراك جرى اتصال هاتفي هذا الشهر أيضاً بين نتنياهو وترمب بشأن ملف الرهائن، وبالتزامن وصل مستشار الأخير لشؤون الرهائن آدم بوهلر إلى إسرائيل، لينضم لتحركات مماثلة أبرزها زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، القاهرة، وزيارة جيك سوليفان إسرائيل، وقطر، مصر بهدف «سد الثغرات النهائية للصفقة».

وبينما تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في منتصف شهر ديسمبر 2024، عن أن بلاده أصبحت «أقرب من أي وقت مضى»، لإبرام اتفاق هدنة، لم تسفر زيارة ويليام بيرنز، إلى الدوحة؛ حيث توجد فرق فنية لبحث الصفقة عن جديد.

وعاد الحديث عن خلافات، وكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أواخر ديسمبر 2024، عن تقديم إسرائيل قائمة جديدة تضم 11 رهينة لا تنطبق عليهم معايير «حماس» للاتفاق، وتلا ذلك تأكيد حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، في بيان مشترك، أن الاتفاق «بات أقرب من أي وقت مضى، إذا توقف العدو عن وضع اشتراطات جديدة»، وذلك في أعقاب محادثات جرت في القاهرة.

قبل أن يأتي يوم 25 ديسمبر 2024، وتكشف «حماس»، عقب عودة وفد إسرائيل من الدوحة، في بيان صحافي، عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «وضع شروطاً جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، مما أجل التوصل للاتفاق الذي كان متاحاً»، واعتبر نتنياهو ذلك «تراجعاً عن التفاهمات التي تم التوصل لها بالفعل».

ووسط هذا التعثر، التقى رئيس الوزراء القطري، في الدوحة، مع وفد من «حماس» برئاسة خليل الحية، وناقشا «سبل دفع المفاوضات إلى الإمام»، وفقاً لـ«الخارجية القطرية»، بينما نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، تحذيرهم من أنه إذا لم تثمر المفاوضات عن اتفاق قبل مهلة ترمب فإن إبرام اتفاق «قد يتأخر لأشهر»، مؤكدين أن «(حماس) وإسرائيل تريدان كسر الجمود في المفاوضات، لكنهما لا تريدان تقديم تنازلات كبيرة».

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري المصري اللواء سمير فرج، أن نتنياهو على مدار عام أصر متعمداً على تعطيل الهدنة بهدف أن يتجاوز الانتخابات الأميركية ويمنح حليفه دونالد ترمب مكسب إعلان الصفقة، دون أن يُمنَح لإدارة جو بايدن، ووصف ذلك العام بأنه «عام مماطلات وشروط أغلبها من رئيس الحكومة الإسرائيلية.

كما تعمّد نتنياهو تعطيل الهدنة خشية فقد تشكيله الحكومي أو الانزلاق في مواجهة قضائية على خلفية المحاكمات التي تنتظره بتهم فساد حال ترك السلطة، يضيف اللواء فرج، مؤكداً أن حرص نتنياهو على مواصلة الحرب بات أهم من أولوية أرواح الرهائن، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وشخصية، وهو ما كان سبباً في تأخر التوصل لاتفاق حتى اللحظة.

ورغم تلك المناورات، يرى اللواء فرج أن هناك انفراجة مرتقبة لاتفاق محدود مع تنصيب ترمب يسهم في الربط بين مفاوضي «حماس» من جانب وقادتها الميدانيين والمسؤولين عن الرهائن من جانب آخر، على أن تخضع مفاوضات إنهاء الحرب لمباحثات شاقة وقد تكون طويلة، مرجحاً أن يكون الرئيس الأميركي المنتخب صانعاً السلام مع بداية ولايته الثانية لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية، مما يعزز فرص التوصل لوقف الحرب بشكل أكبر مما سبق.