بريطانيا تحضّ على إيجاد حل لبروتوكول آيرلندا الشمالية

الوزير البريطاني المسؤول عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ديفيد فروست (أ.ب)
الوزير البريطاني المسؤول عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ديفيد فروست (أ.ب)
TT

بريطانيا تحضّ على إيجاد حل لبروتوكول آيرلندا الشمالية

الوزير البريطاني المسؤول عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ديفيد فروست (أ.ب)
الوزير البريطاني المسؤول عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ديفيد فروست (أ.ب)

أعلنت حكومة المملكة المتحدة، الاثنين، استعدادها للتخلي عن اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد بريكست يتعلق بآيرلندا الشمالية، إلا إذا وافق الاتحاد الأوروبي على إدخال تعديلات شاملة عليه، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفي كلمة له خلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم، قال وزير بريكست، ديفيد فروست، إنه يتوقع رداً من بروكسل «خلال الأسبوعين المقبلين» بشأن مقاطعة آيرلندا الشمالية.
وقال فروست إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مفاوضات ينبغي أن تكون قصيرة الأمد، قد تفضي إلى استناد الحكومة لشرط تفعيل الاتفاق «المادة 16» من بروتوكول آيرلندا الشمالية.
وعلى هامش المؤتمر، تساءل فروست: «هل سينتهي الأمر بحلول عيد الميلاد؟ أعتقد أن شيئاً ما سينتهي بحلول عيد الميلاد»، في إشارة إلى تفعيل المادة 16. لكنه شدد على أن المملكة المتحدة ستعطي إشعاراً ضمن مهل مناسبة لتجنّب مزيد من زعزعة الاستقرار في آيرلندا الشمالية. وتابع: «أفترض أنه إذا استخدمنا المادة 16. فإن الاتحاد الأوروبي سوف يسعى للرد» من خلال رسوم تجارية على سلع المملكة المتحدة، مضيفاً: «آمل ألا يفعلوا ذلك»، وشدد على «الأهمية المطلقة لوحدة البلاد»، وقال: «علينا أن نمضي قدماً على هذا الأساس».
واعتبرت غرف التجارة البريطانية أن «حلاً متفقاً عليه» بين لندن وبروكسل بشأن البروتوكول هو «أفضل نتيجة إلى حد بعيد» لأنه يوفر يقينا للشركات.
وقال مسؤول السياسة التجارية في الهيئة ويليام باين إن «آخر شيء يحتاج إليه المصدّرون هو خطر فرض رسوم جمركية على صادرات البضائع البريطانية إلى المملكة المتحدة إن لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن البروتوكول وانهارت المحادثات».
وأمام مندوبي الحزب، قال وزير آيرلندا الشمالية براندون لويس إن الحكومة تريد «التفاوض على حل ملزم ومستدام».
وقال لويس، وبجانبه الرئيسة السابقة لحكومة آيرلندا الشمالية آرلين فوستر، إن «البنية الحالية للبروتوكول غير مستدامة. إنها تخذل الجميع في آيرلندا الشمالية». ومعبّرة عن استياء الوحدويين الموالين للمملكة المتحدة في آيرلندا الشمالية، طالبت فوستر بتفعيل المادة 16، متسائلة: «ماذا ننتظر؟».
وفي بروكسل، رفض المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي دان فيري التعليق على تهديدات المملكة المتحدة على وجه التحديد، وقال للصحافيين: «نحن نعمل بشكل مكثف لإيجاد حلول عملية لبعض الصعوبات التي يواجهها السكان في آيرلندا الشمالية»، وتابع: «نعتزم التقدم بالحلول قريباً».
وشكّل البروتوكول جزءاً أساسياً من انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وتم إقراره لمنع وصول البضائع غير الخاضعة للرقابة إلى السوق الموحدة للكتلة عبر الحدود البرية الوحيدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي إلى آيرلندا.
لكن الوحدويين في آيرلندا الشمالية يعارضون البروتوكول، معتبرين أن عمليات تفتيش البضائع من البر الرئيسي لبريطانيا العظمى، أي إنجلترا وأسكوتلندا وويلز، توجِد عملياً حدوداً في البحر الآيرلندي، ما يضر بمكانة المقاطعة في المملكة المتحدة.
وتحدّث فروست عن مؤشرات تفيد بأن بروكسل لم تعد مصرّة على أن البروتوكول ليس قابلاً لإعادة التفاوض، وخلال خطاب سابق له أمام تجمع للمحافظين: «لقد انتهى الكابوس الطويل لعضويتنا في الاتحاد الأوروبي». وقال إن «النهضة البريطانية بدأت»، مشدداً على أن الهدف من بريكست كان استعادة السيادة البريطانية، على الرغم من أزمة سلسلة التوريد التي تعكر صفو الاقتصاد.
لكن في آيرلندا الشمالية تحديداً «انهارت» الثقة بالتسويات الصعبة التي تم التوصل إليها مع بروكسل، وفق فروست الذي حمّل مسؤولية ذلك لـ«السلوكيات المتشددة» للاتحاد الأوروبي.
وقالت فوستر إن هناك أدلة وافرة على قيام الشركات بتحويل أعمالها التجارية بعيداً عن آيرلندا الشمالية، وهي اعتبرت أن هذه السلوكيات تعد أحد العوامل الملحوظة في البروتوكول، التي تسمح بتفعيل المادة 16.
غير أن لويس أشار إلى دور المقاطعة التي يمكن أن تكون جسر عبور بين المملكة المتحدة والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، كما يمكن أن تشكل مركزاً لصناعة الأفلام والتكنولوجيا والصناعات الطبية. وقال: «آيرلندا الشمالية يمكنها أن تقدّم الكثير»، وأضاف: «بخروجنا من الاتحاد الأوروبي وتعاملنا مع البروتوكول يمكننا تسريع هذا الأمر».



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.