الانتخابات العراقية تدخل أعلى مراحل التحشيد قبل 6 أيام من إجرائها

صالح يطمئن من بغداد على آخر اللمسات... وبلاسخارت تواصل جولتها جنوباً

الرئيس العراقي برهم صالح خلال زيارته لمقر المفوضية العليا للانتخابات في بغداد أمس (رويترز)
الرئيس العراقي برهم صالح خلال زيارته لمقر المفوضية العليا للانتخابات في بغداد أمس (رويترز)
TT

الانتخابات العراقية تدخل أعلى مراحل التحشيد قبل 6 أيام من إجرائها

الرئيس العراقي برهم صالح خلال زيارته لمقر المفوضية العليا للانتخابات في بغداد أمس (رويترز)
الرئيس العراقي برهم صالح خلال زيارته لمقر المفوضية العليا للانتخابات في بغداد أمس (رويترز)

في العشر الأواخر من موعد إجراء الانتخابات رمى جميع القادة السياسيين في العراق بأوزانهم فيها على أمل الفوز بأكبر عدد من المقاعد بوصفها الأمل الأخير للكثير منهم للبقاء على قيد التأثير في المعادلة السياسية القادمة.
وفيما بدا كل من رئيسي الجمهورية برهم صالح والوزراء مصطفى الكاظمي يتابعان أدق التفاصيل المؤدية لإنجاح الانتخابات على صعيد تهيئة كل المستلزمات اللوجيستية كونهما ليسا مرشحين لها بشكل مباشر لكنهما يدافعان عن وجودهما السياسي عبر العودة إلى ولاية ثانية، فإن الهم الأكبر لباقي، الزعامات بدءاً من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، هو الفوز بعدد أكبر من المقاعد التي تؤهلهم لتكوين الكتلة الأكبر داخل البرلمان القادم. وإذا كانت لغة الأرقام شبه حاسمة في تحديد أولوية الفوز بالولاية الثانية من عدمها للرؤساء الثلاثة (برهم صالح ومصطفى الكاظمي ومحمد الحلبوسي) فإن التحالفات السياسية سواء تلك التي تسبق تشكيل الكتلة الأكبر أو تليها هي من تحدد طبيعة الخريطة السياسية ذات التضاريس المعقدة حتى الآن.
صالح أعلن بشكل صريح في آخر لقاء تلفازي معه قبل يومين أجرته معه قناة «العربية» أنه راغب «في ولاية ثانية» مع تأكيده أن ذلك «يتوقف على نتائج الانتخابات». أما الكاظمي فلم يعلن حتى الآن نيته الاحتفاظ بالمنصب لولاية ثانية لكن كل المؤشرات تؤكد أنه أحد الأسماء المهمة داخل لجنة الإطار التنسيقي الشيعية التي خلفت ما كانت تسمى «السباعية الشيعية». أما فيما يتعلق بالحلبوسي فقد كان أعرب عن رغبته في أن يتم تبادل الأدوار بين السنة والكرد على صعيد منصبي رئاستي الجمهورية والبرلمان. فطبقاً للحلبوسي، وهو شاب يبلغ الأربعين سنة من العمر، فإنه نظراً لكون المحيط العربي المحيط بالعراق سنياً فإن منصب رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون من حصة العرب السنة. لكن الرئيس صالح وإن أكد في لقائه التلفازي مع «العربية» أن الدستور العراقي منح الأحقية لأي مواطن عراقي في تسلم أي منصب بما في ذلك الرئاسات الثلاث، فإنه عبر عن عدم رضاه «من الطريقة التي عبر من خلالها الحلبوسي عن تلك الرغبة».
الحلبوسي وفي إطار تنافسه مع تحالف «عزم»، الذي يتزعمه خصمه في المناطق الغربية السنية خميس الخنجر المدعوم من تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري وقيادات الحشد الشعبي بمن فيهم رئيس هيئة الحشد فالح الفياض واصل في الأيام الأخيرة جولاته في محافظات سنية لكنه لم تكن سابقاً من مناطق نفوذه التي هي محافظة الأنبار. فإن هذه الجولات بدأت تثير منافسيه في تلك المحافظات وبالذات صلاح الدين التي يعدها زعيم حزب الجماهير الوطنية النائب أحمد الجبوري «أبو مازن» منطقة نفوذه وحده.
في السياق نفسه، فإن الزعامات الشيعية هي الأخرى تواصل التحشيد قبل 6 أيام من الانتخابات و3 أيام عن حل البرلمان نفسه وتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال يومية. فقد واصل كل من نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون الذي يأمل أن يكون الرقم الأول داخل المحافظات الشيعية، وعمار الحكيم، زعيم تحالف قوى الدولة، وهادي العامري، زعيم تحالف الفتح، جولاتهم، بينما يكتفي الصدريون بالاستماع إلى توجيهات زعيمهم مقتدى الصدر. وبينما ينفق الآخرون بمن فيهم الكتل الشيعية ملايين الدولارات على حملاتهم الانتخابية فإن الصدريين الذين يعبرون عن اطمئنانهم بالحصول على أعلى المقاعد في البرلمان القادم وبفارق كبير عن ثاني منافس لهم هم الأقل من حيث الإنفاق نتيجة ما يعدونه اطمئناناً كاملاً لجمهورهم. وفي هذا السياق أكد الصدر في تغريدة على «تويتر»: «قام الإخوة في الماكينة الانتخابية بإجراء تحشيد جيد جزاهم الله خيراً، وذلك بأن يتعهد الناخب بإقناع واصطحاب عشرة أيام أشخاص للانتخابات»، عاداً أن «ذلك نصرة للإصلاح والمصلحين وإنه على المؤمنين التجاوب مع هذه الفكرة الرائعة».
وعلى صعيد الاطمئنان على سير الممارسة الانتخابية في مرحلتها الأخيرة داخل المفوضية المسؤولة عن الانتخابات أشرف الرئيس العراقي برهم صالح على تلك الممارسة. وخلال مؤتمر صحافي عقده في مبنى المفوضية، قال صالح إن «الانتخابات المقبلة تاريخية ونقطة تحول في العراق واستجابة لإجماع وطني واسع على ضرورة الإصلاح، وأن الأحد المقبل سيكون فرصة لتثبيت الإرادة العراقية واستقلالهم وسيادتهم».
إلى ذلك، واصلت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت جولتها في المحافظات الجنوبية من العراق. فبعد لقائها أول من أمس في محافظة ذي قار مع محافظها أحمد الخفاجي، قامت أمس الأحد بزيارة محافظة البصرة حيث التقت محافظها أسعد العيداني. وفي مؤتمر صحافي عقدته في مبنى المحافظة كشفت بلاسخارت أن «عدد المراقبين الدوليين الذين سيشرفون على الانتخابات العراقية 800 مراقب». وقالت: «هذه الانتخابات مهمة للعراق، وهي خطوة أولى على طريق طويل». وأوضحت أنه «من الضروري أن تجري الانتخابات بطريقة شفافة ونزيهة». وأكدت أن «وجود عدد كبير من المراقبين الدوليين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، فضلاً عن مراقبين تابعين لمنظمات محلية سيكون أحد الضمانات بشأن الانتخابات».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».