السودان: حركات وأحزاب توقّع على ميثاق لوحدة «قوى التغيير»

اتهامات للعسكريين بمحاولة تغيير الحاضنة السياسية للحكومة

TT

السودان: حركات وأحزاب توقّع على ميثاق لوحدة «قوى التغيير»

وقعت فصائل ومجموعات سياسية في العاصمة السودانية الخرطوم، أمس، قالت إنها تمثل قوى الحرية والتغيير، على «ميثاق التوافق الوطني لوحدة القوى السياسية»، لكن في المقابل أكد المجلس المركزي، القيادة السياسية العليا لتحالف قوى التغيير الحاكم، عدم وجود أي صلة له بهذه المجموعات، التي كانت قد رفضت في وقت سابق الانضمام إلى الإعلان السياسي لوحدة قوى «التغيير»، الذي يضم 40 فصيلاً سياسياً.
ومن أبرز الموقعين على الميثاق «حركة جيش تحرير السودان، التي يرأسها حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة»، بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وعدد من الأحزاب والكيانات الأهلية.
وكان «حزب الأمة القومي»، الذي يشارك في الحكومة بعدد من الوزراء، قد تبرأ في بيان من أي صلة له بالمجموعة التي وقعت الميثاق أمس، معلناً تمسكه بمواصلة الحوار البناء مع كل الفاعلين في «قوى الحرية والتغيير».
وتعرضت المجموعة الموقعة على الميثاق لهجوم كثيف من قوى سياسية ولجان المقاومة، والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، بأنها تسعى لتكون حاضنة سياسية بديلة توفر غطاءً سياسياً «للعسكريين» لتنفيذ انقلاب أبيض على الثورة والتغيير، بعد فشل المحاولة الانقلابية، التي تسببت في تأزم العلاقات بين المدنيين والعسكريين في السلطة الانتقالية.
وتعضد الاتهامات لهذه المجموعة تصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، التي هاجما فيها المدنيين و«تحالف قوى الحرية والتغيير» الحاكم، بأنها قوى صغيرة تريد أن تفرض سيطرتها على الحكم، وطالبا بإشراك القوى التي شاركت في الثورة.
وقال مناوي لدى مخاطبته حفل التوقيع إن الهدف من منصة التأسيس «تجديد روح الثورة وكل شهداء البلاد». مضيفاً أن «الحرية والتغيير ليسا حكراً على بعض الأحزاب السياسية، ولا يمكن أن تتحكم فيهما أربعة تنظيمات، تحتكر المشهد السياسي طوال العاميين الماضيين»، داعياً إلى تعديل مسيرة العمل التنفيذي.
ومن جانبه، قال رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، إنه «لا استقرار من غير تنفيذ السلام، وعلينا إلحاق بقية الحركات المسلحة غير الموقعة» مبرزاً أن الشراكة الفريدة التي تجمع المدنيين والعسكريين حالياً «ضمانة لاستقرار البلاد، ونحن مطالبون بالحفاظ على هذه الشراكة». كما أشار إلى أن الاجتماع هو لتوسيع قاعدة المشاركة لكل القوى الوطنية عدا حزب المؤتمر الوطني (المنحل)، وإكمال مؤسسات الفترة الانتقالية بتشكيل المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية ومفوضية الانتخابات.
وتشارك حركتا أركو مناوي وجبريل إبراهيم في الحكومة الانتقالية وحكم الولايات، بناءً على اتفاق «جوبا» للسلام، الذي أصبح وثيقة رئيسية لأطراف السلام، شركاء السلطة الانتقالية.
وأعلن الموقعون على الميثاق تمسكهم بوحدة قوى الحرية، والعودة إلى منصة التأسيس، واستعادة الدولة المدنية وتنفيذ اتفاق السلام. كما دعا الميثاق إلى شراكة حقيقية بين المكونات العسكرية والمدنية في السلطة.
وجاء في الميثاق أنه «يهدف إلى الخروج من حالة الاحتقان، وطرح مشروع استراتيجي للتوافق على وحدة السودان»، مستنداً في ذلك إلى الوثيقة الدستورية واتفاق السلام، ومبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتحصين الانتقال في البلاد.
كما شدد الميثاق على أهمية تحقيق العدالة في كافة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في البلاد، وتكوين لجان للحقيقة والمصالحة، والعمل على إزالة الغبن والضرر لتنقية الحياة السياسية والاجتماعية.
وعلاوة على ذلك، دعا الميثاق إلى إكمال عملية السلام بالبدء في التفاوض مع الحركة الشعبية – فصيل عبد العزيز الحلو - وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، وملف الترتيبات الأمنية، وصولاً لبناء جيش سوداني موحد يعبر عن كل المواطنين.
من جانبه، وصف القيادي في «تجمع المهنيين»، محمد ناجي الأصم، في «تغريدة» الخطوة بأنها «محاولة تشويش بائسة لا تستحق حتى عناء الحديث عنها»، ورأى أن قوى الحرية والتغيير «معروفة وموجودة بهياكلها، وهي التي قادت التفاوض مع المجلس العسكري المنحل».
وأضاف الأصم أن هذه المحاولات «هي هروب من التعهدات والالتزامات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، واتفاق سلام جوبا، حتى إن جاءت بشعارات براقة، مثل توسيع المشاركة السياسية وإصلاح الحرية والتغيير».
وقال إن «الاستمرار على رأس مجلس السيادة لن يحدث عبر ممارسة السياسة، أو عبر محاولة تغيير الحرية والتغيير، فالمراوغة لن تجدي، والأفضل الالتزام بالتعهدات التي وقع عليها العسكريون مع قوى التغيير».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.