خبير مصرفي يحث الفريق اللبناني المفاوض على «التحدث بلسان واحد» مع صندوق النقد الدولي

TT

خبير مصرفي يحث الفريق اللبناني المفاوض على «التحدث بلسان واحد» مع صندوق النقد الدولي

حكمت المصادفة أن يتزامن انطلاق الحكومة في مهمتها الشائكة لاستئناف المفاوضات مع «صندوق النقد الدولي» التي يرتقب عقد أولى جولاتها في نهاية الشهر الحالي، مع ظهور ضوء شكلي ومؤقت في نهاية النفق عكسه التحسن «الرقمي» الطارئ في حساب الاحتياطات بالعملات لدى «مصرف لبنان» لتبلغ 18.8 مليار دولار متضمنة سندات دولية بنحو 5 مليارات دولار، وذلك للمرة الأولى بعد سنتين متتاليتين من التراجع الدراماتيكي، وبلوغ الخط الأحمر عند ملامسة التوظيفات الإلزامية الخاصة بودائع الزبائن في الجهاز المصرفي.
ويؤمل أن تحفل الأسابيع الثلاثة الفاصلة لانتهاء فريق العمل، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، الذي كلف إعادة صوغ خطة الإنقاذ، بإرسال إشارات تتسم بالصدقية والجدية في مقاربة قضايا محورية تقع حيثياتها تحت رقابة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، في مقدمها الكهرباء والمحروقات والأزمة المعيشية الخانقة، فضلاً عن تبيان سبل لجم الفوضى النقدية.
ويتعين على الحكومة، كما قال الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور جو سروع لـ«الشرق الأوسط»، حشد جهود منسقة مع السلطة التشريعية والقطاع المالي العام والخاص، لضمان وحدة الاستهداف بعدم تفويت الفرصة الثمينة، وربما غير القابلة للتكرار في المدى المنظور، بما يمكنها من اختزال المراحل الآيلة إلى إعادة وضع البلد وقطاعاته على سكة الإنقاذ في المرحلة الأولى، ثم التطلع إلى احتواء تشاركي بين الدولة والقطاع المالي بمعاونة الدول والمؤسسات المانحة للمباشرة بردم الفجوة المالية العميقة التي ضربت كامل المقومات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ودفعت بأكثر من 80 في المائة من السكان دون خط الفقر، وأفضت إلى تقلصات حادة في إجمالي الناتج المحلي من نحو 55 إلى نحو 33 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
ويلاحظ سروع من واقع خبرته الطويلة في مؤسسات مالية ومصارف دولية، أن «تحقيق الإنجاز في إدارة الخروج من دوامة الأزمات سيظل مشروطاً بالتزام خريطة طريق واضحة واعتماد المعايير العلمية والموضوعية»، وهو ما يفترض «البدء بإحداث صدمة التغيير الجوهري في الأداء، والتخلي عن منهجية المحاصصة والتوافق على رؤية وأرقام موحدة بمنأى عن سلوكيات الانكار وتقاذف المسؤوليات».
ويرى أن هذا التحول النوعي «هو وحده الكفيل بتحقيق حسن الاستثمار في المظلة الدولية الداعمة بقيادة المنسق الفرنسي، ومبادرة الحكومة إلى تشكيل الفريق الوزاري والتقني المفاوض، واستعادة مشاركة المستشار المالي الدولي (شركة لازارد) قبيل بدء الجولات الرسمية مع إدارة الصندوق».
ويؤكد سروع أن مرحلة التفاوض «تتطلب توافقاً داخلياً عريضاً يقوم على تعاضد السلطات فيما بينها، وإشراك القطاع الخاص في وضع التصورات التي تتصل بشؤونه، والفصل بين مهمة الفريق الرسمي ومهمات الفريق الاستشاري»، وهذا «ما يفرض التوجه بخطاب موحد والتكلم بلسان واحد يتولاه حكما رئيس الفريق الذي يملك رصيداً وظيفياً سابقاً في الصندوق، ويحوز خبرات ومعرفة وثيقة بـ(لغتهم) التفاوضية مع الدول»، وذلك بخلاف الجولات الـ17 السابقة التي خاضتها حكومة الرئيس حسان دياب، وعابها تباعد المواقف والتنافر في الرؤى والأرقام والمحادثة بين أعضاء الفريق الواحد. كما ينبغي على الفريق المفاوض الحرص على انطلاق المفاوضات من خط متواز، وأن تكون متكافئة وموجهة للنتائج، ومعززة بتماسك مهني في مواجهة الضغوط، وتمسك مبدئي بالمصلحة العليا المعنوية والمادية.
ويشير سروع إلى أهمية الخصوصية اللبنانية التي ينبغي تثبيتها كنقطة محورية في الجولات الأولى للمفاوضات. فالدين العام الذي يشكل نواة الفجوة المالية هو بمعظمه داخلي بالليرة وبالدولار، وتتوازن أرقامه مع ودائع زبائن المصارف.
وهذا يعني أن الدائن الرئيسي هو المودع ضمن الحلقة الثلاثية التي تضم الدولة بوصفها المدين والبنك المركزي والمصارف بوصفهما الدائن القانوني.
ومن المفترض في سياق هذه المقاربة تحديث البيانات التي سيقدمها الفريق اللبناني إلى الصندوق، وتضمينها كامل الوقائع المتسارعة نقدياً ومالياً التي تراكمت عقب تعليق المفاوضات السابقة قبل نحو 14 شهراً، خصوصاً لجهة تقدير الفجوة المالية بنحو 240 تريليون ليرة والتبعات الناجمة عن استمرار انهيار سعر صرف العملة الوطنية، والتدهور المعيشي وسلسلة الإجراءات الوقائية التي اعتمدها القطاع المالي، إضافة إلى ما تبعها من تطورات جسيمة ومؤثرة، لا سيما الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت واستقالة الحكومة السابقة ونفاد الاحتياطات الحرة لدى البنك المركزي.
وفقاً لهذه المعطيات، يعد سروع الخطوة الأولى للمعالجة «تتمثل بإقرار الدولة بدينها السيادي وبمسؤوليتها الكاملة في مواكبة موجباته لجهة إعادة الهيكلة، وفتح خطوط التفاوض مع الدائنين المحليين الذين يتوزعون الجزء الأكبر من الدين والخارجين الذين يحملون نحو 15 مليار دولار من السندات الدولية».
ويرى أن هذا التصرف «من شأنه أن يرسل إشارة مهمة إلى مسار الحلول المتوخاة، لا سيما لجهة توزيع الخسائر وإرساء مقاربة جدية ومتكاملة لمعالجة استدامة الدين العام وإدارته في المرحلة التالية لعقد اتفاقية برنامج مع صندوق النقد». كما أنه «المرتكز لتحديد نسب المساهمة في الأحمال وحصر الاقتطاع من المدخرات وتصحيح أوضاع الجهاز المصرفي الذي تزعزعت هيكليته بفعل الانحراف المالي السيادي».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.