الصين و«إيفرغراند»... صعدتا معاً والآن إحداهما على وشك السقوط

الصين و«إيفرغراند»... صعدتا معاً والآن إحداهما على وشك السقوط
TT

الصين و«إيفرغراند»... صعدتا معاً والآن إحداهما على وشك السقوط

الصين و«إيفرغراند»... صعدتا معاً والآن إحداهما على وشك السقوط

كان شو جيايين أغنى رجل في الصين، وكان رمزاً للنهضة الاقتصادية في البلاد، وهو الذي ساعد في تحويل القرى التي تعاني من الفقر إلى مدن كبرى للطبقة الوسطى الوليدة، حيث أصبحت شركته، مجموعة «إيفرغراند» الصينية الشهيرة، واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في البلاد، وقام بحيازة زينة الصفوة وزخارفها، من رحلات إلى باريس لتذوق النبيذ الفرنسي النادر، ويخت بقيمة مليون دولار، فضلاً عن الطائرات الخاصة، وإمكانية الوصول إلى بعض من أقوى الشخصيات في بكين.
قال شو في خطاب ألقاه في عام 2018 شاكراً الحزب الشيوعي الصيني على نجاحه، «كل ما لدي وكل ما حققته مجموعة (إيفرغراند) أمنحه للحزب والدولة والمجتمع بأسره».
غير أن الصين تهدد بأخذ كل شيء بعيداً.
فالديون التي دفعت البلاد للنمو السريع لعقود من الزمن باتت تُعرض الاقتصاد الآن للأخطار، والحكومة تغير قواعد اللعب منفردة. فقد أشارت بكين إلى أنها لن تتسامح بعد الآن مع استراتيجية الاقتراض لتعزيز توسع الأعمال التجارية التي حولت شو وشركته إلى قوة عقارية هائلة، الأمر الذي دفع «إيفرغراند» إلى الهاوية.
وفي الأسبوع الماضي، فوتت الشركة، التي لم تسدد فواتير تصل قيمتها إلى أكثر من 300 مليار دولار، دفعة أساسية مستحقة للمستثمرين الأجانب. مما أدى إلى إصابة العالم بالفزع بشأن ما إذا كانت الصين تواجه «لحظة ليمان براذرز» الخاصة بها، في إشارة إلى انهيار بنك «ليمان براذرز» الاستثماري في عام 2008، الذي أدى إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية.
لقد كشفت صراعات «إيفرغراند» عن عيوب النظام المالي الصيني - الاقتراض غير المقيد، والتوسع غير المنضبط، والفساد. وتختبر أزمة الشركة عزيمة القادة الصينيين في مساعيهم للإصلاح، وذلك لأنهم صاغوا مساراً جديداً لاقتصاد البلاد.
وإذا عملوا على إنقاذ «إيفرغراند»، فإنهم يجازفون بإرسال رسالة مفادها أن بعض الشركات لا تزال أضخم من أن يُسمح لها بالإفلاس. وإذا لم يفعلوا ذلك، فإن ما يصل إلى 1.6 مليون مشترٍ للمنازل ينتظرون شققاً غير منتهية، والمئات من الأعمال التجارية الصغيرة والدائنين والمصارف قد يخسرون أموالهم.
قال ليلاند ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة «تشاينا بيغ بوك» الاستشارية، «هذه بداية النهاية لنموذج النمو الصيني كما نعرفه. غالباً ما يكون مصطلح (النقلة النوعية) مفرطاً في استعماله بحيث يميل الناس إلى تجاهله. ولكن هذه طريقة جيدة لوصف ما يحدث الآن».
وقد عكس شو وشركته صعود الصين الاقتصادي من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد اعتمد الوجهة الرأسمالية.
تربى شو على يد أجداده في مقاطعة هنان، وهي جيب ريفي بسيط بوسط الصين. توفيت والدته من مرض قابل للعلاج عندما كان طفلاً، وكانت عائلته فقيرة لدرجة لم تستطع معها تحمل تكاليف الرعاية الطبية. وكصبي صغير، كان يعيش تحت سقف من القش لا يستطيع منع الرياح أو الأمطار. وأكل دقيق البطاطا الحلو، واستذكر دروسه على مكتب مصنوع من الطين.
وقال شو في خطاب قبول جائزة تبرعاته الخيرية سنة 2018، «في ذلك الوقت، كنت تواقاً إلى مساعدة الآخرين، وكنت تواقاً إلى الحصول على عمل، ومغادرة الريف إلى الأبد وأكل دقيق القمح».
التحق شو بالكلية، ثم قضى عقداً من الزمن يعمل في مصنع للصلب. وبدأ شركته «إيفرغراند» في عام 1996 في منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، حيث أطلق الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ تجربة البلاد مع الرأسمالية. ومع تحول الصين إلى مجتمع حضري، توسعت «إيفرغراند» إلى ما هو أبعد من «شنتشن»، في مختلف أنحاء البلاد.
فقد أغرت «إيفرغراند» مشتري المنازل الجدد ببيعهم أكثر من الشقة الصغيرة التي كانوا سيحصلون عليها في مجمع ضخم يضم عشرات الأبراج المتماثلة. كان عملاء «إيفرغراند» الجدد يشترون نمط الحياة الجديدة ذات الصلة بأسماء مثل: «كلاود ليك»، و«رويال جاردن»، و«ريفرسايد مانشن».
فقد حول شو «إيفرغراند» من شركة صغيرة لا يزيد عدد موظفيها عن اثني عشر موظفاً إلى المطور العقاري الأكثر غزارة في الصين من خلال مزيج من الاقتراض المتفشي والعلاقات السياسية النخبوية. وكثيراً ما استثمرت الشركة بكثافة في مشاريع عواصم الأقاليم، حيث كان المسؤولون من ذوي الطموحات في التحول إلى أعضاء في المكتب السياسي يقاسون بقدرتهم على خلق النمو الاقتصادي.
وفي وقت مبكر، أقام شو علاقات مع أفراد عائلات بعض كبار المسؤولين في الصين. وفي عام 2002، أدرج بين مديري الشركات في التقرير السنوي لـ«إيفرغراند»، وين جيا هونغ، شقيق نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، ون جيا باو، الذي أشرف على بنوك البلاد بصفته رئيس لجنة العمل المالي المركزية.
وأصبح ون جيا باو رئيس مجلس الدولة الصيني في العام التالي. ولم يكن شقيقه مدير شركة «إيفرغراند» فحسب، بل كان يسيطر ذات يوم أيضاً على ثاني أكبر حصة في الشركة سريعة النمو، وفقاً لوثائق الشركات التي راجعتها صحيفة «نيويورك تايمز».
وفي عام 2008، انضم شو إلى مجموعة نخبوية من المستشارين السياسيين المعروفة باسم المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.
قال فيكتور شيه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا فرع سان دييغو، عن شو، «ما كان ليستطيع أن يكون بهذا الحجم لولا تعاون أكبر البنوك في البلاد. إن ذلك يشير إلى المساعدة المحتملة من مسؤولين كبار من ذوي النفوذ الثقيل».
كان شو أيضاً وسيطاً سلطوياً مؤثراً تعايش مع عائلات النخبة في الحزب الشيوعي، وفقاً لمذكرات صادرة عن ديزموند شوم، رجل الأعمال صاحب العلاقات الجيدة. وفي كتابه «الروليت الحمراء»، الذي نُشر هذا الشهر، يروي شوم قصة عن رحلة التسوق وتذوق الخمور الأوروبية في عام 2011، التي شارك فيها شو، إلى جانب ابنة المسؤول الرابع في الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، جيا تشينغ لين، وزوجها المستثمر.
سافرت تلك المجموعة إلى أوروبا على متن طائرة خاصة، حيث لعب الرجال لعبة ورق صينية شعبية تسمى «حارب مالك الأرض». وفي مطعم «بافيون ليدوين» في باريس، أنفقت المجموعة أكثر من مائة ألف دولار على كميات كبيرة من نبيذ «شاتو لافيت» الفاخر، بدءاً بالزجاجات المعتقة منذ عام 1900 وانتهاء بعام 1990. وفي رحلة إلى الريفييرا الفرنسية، فكر شو في شراء يخت بقيمة 100 مليون دولار أميركي يملكه رجل من هونغ كونغ، كما ذكر شوم في كتابه.
ولدفع نمو «إيفرغراند» للأعلى، غالباً ما اقترض شو مرتين على كل قطعة من الأرض التي طورها، أولاً من البنك ثم من مشتري المنازل الذين كانوا في بعض الأحيان على استعداد لسداد 100 في المائة من قيمة منازلهم المستقبلية قبل بنائها.
ومع توسع «إيفرغراند» ومنافسيها، نمت العقارات لتمثل ما يصل إلى ثلث النمو الاقتصادي في الصين. وعملت «إيفرغراند» على بناء أكثر من ألف مشروع للتطوير العقاري في مئات المدن، مع خلق أكثر من 3.3 مليون وظيفة سنوياً.
يقول شيه: «يمثل شو جياين جانباً مهماً جداً من الإصلاح الاقتصادي في الصين. لقد استعان بذكائه وجرأته في توسيع أعماله بصورة قوية للغاية، وفي كثير من الأحيان بشكل خطير، من منظور المحاسبة المالية».
ومع القدرة على الوصول إلى الأموال الرخيصة، فضلاً عن الطموح الجامح، توسع شو باتجاه مجالات لم تكن «إيفرغراند» تتمتع بأي خبرة أو تجربة سابقة فيها، بما في ذلك المياه المعبأة، والسيارات الكهربائية، وتربية الخنازير، والرياضات الاحترافية.
ابتاع شو طائرتين نفاثتين خاصتين، واستخدمهما في نقل فريقه لكرة القدم، الذي يطلق عليه الآن مسمى «نادى قوانغتشو لكرة القدم»، إلى المباريات. وكانت لشركته للمركبات الكهربائية رؤية جريئة حتى تصبح أكبر وأكثر قوة من «تيسلا»، ولكنها تسببت حتى الآن في تأخير الإنتاج الضخم للسيارات.
وعندما بدأت فورة الاقتصاد الصيني في الهدوء، أصبح من المستحيل تجاهل الأضرار الناجمة عن شهية «إيفرغراند» الشرهة للديون. وهناك ما يقرب من 800 مشروع غير مُنجز لـ«إيفرغراند» في أكثر من 200 مدينة بجميع أنحاء الصين. وقد نظم الموظفون والمتعاقدون ومشترو المنازل احتجاجات متتالية للمطالبة بأموالهم. ويخشى الكثيرون من أن يصبحوا ضحايا عن غير عمد في حملة إصلاح الديون في الصين.
أما يونغ جوشنغ، وهو مقاول من تشانغشا في وسط الصين، فلم يتقاض بعد أجراً قيمته 460 ألف دولار لقاء المواد والأعمال التي قدمها لمشروع «إيفرغراند»، الذي أنجزه في مايو (أيار) الماضي. وفي محاولة يائسة لعدم خسارة عماله وشركائه في الأعمال هدد بإغلاق الطرق المحيطة بالمشروع العقاري في أوائل الشهر الحالي حتى يتم سداد الأموال. وقال يونغ: «إنه ليس مبلغاً زهيداً بالنسبة لنا. قد يتسبب في إفلاسنا».
الواقع أن يونغ وغيره من أمثاله يقفون في صميم التحدي الأكبر الذي يواجه الجهات التنظيمية الصينية في التعامل مع «إيفرغراند». وإذا حاولت بكين أن تجعل من «إيفرغراند» مثالاً يُحتذى به إذا تركت الشركة تنهار، فإن ثروات الملايين من الناس يمكن أن تعصف بها الرياح مع إمبراطورية شو.
قال مايكل بيتيس، أستاذ الدراسات المالية في جامعة بكين، «هذا أمر ملعون إن فعلوه، وملعون أيضاً إن لم يفعلوه. كان ينبغي على بكين التحرك قبل عشرة أعوام. إنهم يحاولون إصلاح الممتلكات العقارية الآن لأن الأسعار مرتفعة للغاية. وكلما طال انتظارهم كلما ارتفعت تكاليف الإصلاح».
في أغسطس (آب)، استدعت الجهات الرقابية الصينية المديرين التنفيذيين من «إيفرغراند»، وحذروهم من أجل إبقاء ديون الشركة تحت السيطرة. ووسط المخاوف من شيوع انهيار «إيفرغراند» عبر مختلف أوصال الاقتصاد الصيني، أطلقت بكين العنان لسيول من رؤوس الأموال في النظام المصرفي الصيني خلال الأسبوع الماضي، في خطوة اعتبرت محاولةً لتهدئة توترات الأسواق.
قال لوغان رايت، مدير قسم الأبحاث الصينية في شركة «روديوم» الاستشارية، «هذه مشكلة أكبر بكثير من أزمة (إيفرغراند) نفسها. لقد شنت بكين معركة كبيرة ضد المضاربات العقارية، لذا فلا ينبغي لنا أن ننظر إلى الأمر باعتباره تراجعاً عن هذه المعركة. إنهم لا يريدون التراجع، لأن ذلك قد يعصف بمصداقيتهم لدى الجماهير».
لقد ظل شو بعيداً عن دائرة الضوء في أغلب الأحيان، ولم يعد تطوره الشخصي من صبي مبتلى بالفقر إلى قطب العقارات الكبير مفيداً للخطاب الوطني الصيني.
لقد حاولت شركته بيع بعض أصولها لجمع أموال جديدة، ولكنها لم تحقق نجاحاً يُذكر. ومؤخراً احتج مشترو المساكن في الشوارع واشتكوا على شبكة الإنترنت من تأخر البناء. ولقد وجه البنك المركزي الصيني رسالة إنذار إلى شركة «إيفرغراند».
ويدعو المعلقون الوطنيون الصينيون على نحو متزايد إلى زوال الشركة. فقد مُنحت الشركات العملاقة المثقلة بالديون مثل «إيفرغراند» الحرية في «فتح أفواهها الدموية والتهام ثروات بلدنا وشعبنا إلى أن تصبح أكبر من أن تسقط»، هكذا كتب لي غوانغمان، رئيس التحرير المتقاعد الذي لفتت وجهات نظره انتباه وسائل الإعلام الرسمية التابعة للدولة.
ويزعم السيد لي أنه من دون التدخل اللائق، فإن الاقتصاد والمجتمع الصيني سوف يكونان على فوهة البركان، حيث يمكن لكل شيء أن يشتعل في أي وقت.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

TT

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)
ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025، التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بنفقات 1.285 تريليون ريال (342.6 مليار دولار)، ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي، وانعكاساً على تغير ديناميكية وهيكلة الاقتصاد في المملكة، حيث تواصل البلاد المضي نحو رحلة «رؤية 2030»، وذلك من خلال تحقيق المستهدفات والمحافظة على المكتسبات.

وتتوقع السعودية إيرادات بقيمة 1.184 تريليون ريال (315.7 مليار دولار)، وبعجز 101 مليار ريال (26.9 مليار دولار) بانخفاض قدره 12 في المائة عن العجز المتوقع لهذا العام.

وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن «المواطن السعودي هو المحرك الرئيس للتنمية وأداتها الفعالة، وشباب وشابات هذه البلاد هم عماد الإنجاز والمستقبل»، وذلك وفقاً لما جاء في مستهل البيان الختامي لميزانية عام 2025.

رحلة «رؤية 2030»

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن ولي العهد وجّه الوزراء والمسؤولين، كلاً فيما يخصه، بالالتزام بتنفيذ ما تضمنته الميزانية من برامج واستراتيجيات ومشاريع تنموية واجتماعية ضمن رحلة «رؤية 2030».

وقال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، وهو ينمو بوتيرة متسارعة، ويُوجد فرصاً غير مسبوقة، من خلال المحافظة على مستويات مستدامة من الدَّيْن العام واحتياطيات حكومية معتبرة، إضافةً إلى سياسة إنفاق مرنة تمكّنها من مواجهة التحديات والتقلبات في الاقتصاد العالمي.

وشدّد ولي العهد، عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية العام المالي لعام 2025، على أن الإصلاحات المالية التي نفّذتها المملكة انعكست إيجابياً على تصنيفاتها الائتمانية؛ نتيجة تبني الحكومة سياسات مالية تسهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي.

وأشار محمد بن سلمان إلى أن ميزانية العام المالي 2025 تؤكد استهداف حكومة المملكة الاستمرار في عملية تنفيذ الإصلاحات التنظيمية والهيكلية وتطوير السياسات الهادفة إلى الارتقاء بمستوى المعيشة وتمكين القطاع الخاص وبيئة الأعمال، والعمل على إعداد خطة سنوية للاقتراض وفق استراتيجية الدين متوسطة المدى التي تهدف إلى الحفاظ على استدامة الدين وتنويع مصادر التمويل بين محلية وخارجية والوصول إلى أسواق الدين العالمية.

ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

ونوّه بالدور المحوري للمملكة في دعم الاستقرار الاقتصادي والمالي إقليمياً وعالمياً، انطلاقاً من متانة اقتصادها القادر على تجاوز التحديات.

دعم النمو

وأوضح ولي العهد أن الحكومة ملتزمة مواصلة دعم النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق التحولي مع الحفاظ على الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل، وتواصل الحكومة تعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي من خلال توفير البيئة الاستثمارية المحفّزة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتكوين قطاع عمل قوي وواعد يعزز قدرات الكوادر البشرية في المشاريع المختلفة، ويُمكّن الحكومة من مواصلة العمل على تعزيز نموها الاقتصادي، بما يحقق للاقتصاد استدامةً مالية، واستمرارية المشاريع ذات العائدَين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى مواصلة العمل على تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات المتعلقة بتطوير البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات الأساسية المقدَّمة للمواطنين والمقيمين والزائرين.

وقال ولي العهد: «إن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ويتأثر بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ وهذا ما يدعونا إلى مواصلة العمل على مواجهة أي تحديات أو متغيرات عالمية عبر التخطيط المالي طويل المدى للاستمرار على وتيرتنا المتصاعدة نحو تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات، مع الالتزام بكفاءة الإنفاق، والتنفيذ المتقن والشفاف لجميع البنود الواردة في الميزانية، وإتمام البرامج والمشاريع المخطط لها في برامج (رؤية السعودية 2030) والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية».

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء (واس)

وقال إن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي تأتي امتداداً للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل «رؤية 2030»؛ إذ يقدر أن تسجل المملكة ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى خلال العام المقبل عند 4.6 في المائة، مدفوعةً باستمرار ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية التي بلغت مستوى قياسياً جديداً لها خلال عام 2024 عند 52 في المائة، وانخفض معدل بطالة السعوديين إلى مستوى قياسي بلغ 7.1 في المائة حتى الربع الثاني، وهو الأدنى تاريخياً، مقترباً من مستهدف 2030 عند 7 في المائة.

كما ارتفع معدل مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل ليصل إلى 35.4 في المائة حتى الربع الثاني متجاوزاً مستهدف الرؤية البالغ 30 في المائة، وبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 21.2 مليار ريال (5.6 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي، ويعكس ذلك اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بجميع فئات المجتمع.

المملكة تسير على نهجٍ واضح

ولفت ولي العهد إلى الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني والصناديق التنموية التابعة له في دعم الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة، كما يمثل الصندوقان قوة فاعلة لتنويع الاقتصاد والاستثمار في المملكة، بما يحقق مستهدفات «رؤية المملكة 2030».

وأضاف: «إن المملكة تسير على نهجٍ واضح، وهدف حكومتها - بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين - في المقام الأول هو خدمة المواطنين والمقيمين، والمحافظة على مكتسباتنا التنموية، والاستمرار في أعمالنا الإنسانية في الداخل والخارج، التزاماً بتعاليم ديننا الحنيف، ومواصلة العمل بكل الموارد والطاقات لتحقيق أهدافنا، مستعينين بالله - عز وجل - ومتوكلين عليه، وواثقين بطاقات وقدرات أبناء وبنات هذه البلاد الذين تسابقوا على الابتكار والإنتاج والإسهام في تحقيق رؤيتنا للوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح».

زيادة الإنفاق التحولي

وبحسب بيان الميزانية، تسعى الحكومة السعودية إلى مواصلة دعم النمو الاقتصادي وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين من خلال زيادة الإنفاق التحولي، مع الحفاظ على الاستدامة المالية.

وتشير التوقعات إلى استمرار الاقتصاد السعودي في تسجيل معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024، وعلى المدى المتوسط، بفضل الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بـ«رؤية السعودية 2030». هذه الإصلاحات أسهمت في تنويع القاعدة الاقتصادية، واستغلال فرص النمو المحتمل، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ودعم نمو القطاعات الواعدة.

وبحسب ما ورد في البيان، فإنه على الرغم من التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي بسبب التشديد النقدي لكبح التضخم والتقلبات الجيوسياسية، أظهرت توقعات المنظمات الدولية تفاؤلاً بأداء الاقتصاد السعودي، حيث من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8 في المائة في عام 2024، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7 في المائة، ما يعزز هذا الأداء المؤشرات الإيجابية للنصف الأول من العام الحالي، خاصة تلك المرتبطة بالاستهلاك والاستثمار الخاص.

كما انعكس النمو غير النفطي بشكل واضح في سوق العمل، حيث ارتفع عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص بنسبة 4.1 في المائة بنهاية الربع الثاني من عام 2024، بإضافة نحو 92 ألف وظيفة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. هذا الأداء يعكس التزام المملكة بتنفيذ استراتيجياتها لتحقيق نمو مستدام على المدى المتوسط.

التوسع في الإنفاق الاستثماري

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن ميزانية عام 2025 تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع التنموية، وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج «رؤية المملكة 2030»، واستمرار تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام، وتطوير بيئة الأعمال لتعزيز جاذبيتها، والمساهمة في تحسين الميزان التجاري للمملكة، وزيادة حجم ونوع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وشدّد في مؤتمر صحافي، عقب إقرار ميزانية عام 2025، على أن الحكومة استمرت في الإنفاق التوسعي لما يحمل من أثر إيجابي للمواطن.

ولفت إلى أن اقتصاد المملكة وصل لمرحلة لا تؤثر فيه التقلبات التي تحدث في أسواق النفط كما كانت في السابق.

وزير المالية في مؤتمر صحافي عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية 2025 (الشرق الأوسط)

وقال إن 3.7 في المائة هو النمو المتوقع بالاقتصاد غير النفطي بنهاية 2024، موضحاً أن الأنشطة غير النفطية ساهمت في الناتج المحلي بنسبة 52 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وكاشفاً نمو الإيرادات غير النفطية بنسبة 154 في المائة منذ إطلاق «رؤية المملكة 2030».

وقال إن مساهمة النفط في الناتج المحلي اليوم هو 28 في المائة. وأضاف أن الناتج المحلي الاسمي وصل إلى 4.1 تريليون ريال.

وأفصح عن ارتفاع مساهمة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي من 16 في المائة في عام 2016 إلى 24.7 في المائة حالياً، وأن قطاع الصناعة يستهدف جذب 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) استثمارات في عام 2025، وتقديم تسهيلات ائتمانية للمصدرين السعوديين بقيمة 12.3 مليار ريال (3.2 مليار دولار) في العام المقبل، مؤكداً أن السياحة تعدّ ثاني أكثر العوامل تأثيراً على ميزان المدفوعات بعد ‫النفط.

وشدّد على أن المؤشرات الاقتصادية تدعو إلى التفاؤل. وقال: «هناك قفزة بعدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بفضل الإنفاق الحكومي... نواصل الالتزام بالتحفظ عند إعداد الميزانية. وأرقام الإيرادات دليل على ذلك».

ولفت إلى أن تغيرات هيكلية في اقتصاد المملكة بدأت تظهر نتائجها، كاشفاً أن 33 في المائة هي نسبة ارتفاع في الإنفاق على الاستراتيجيات وبرامج تحقيق «رؤية 2030».