نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

أستاذة جامعية وإدارية تونسية «في خدمة الدولة»

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية
TT

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد غالبية المراقبين داخل تونس وخارجها بتعيين امرأة في الـ63 من عمرها رئيسة جديدة للحكومة بعد أكثر من شهرين من الجدل والصراعات، في أعقاب إبعاد حكومة هشام المشيشي وحل البرلمان وتعليق العمل بأغلب فصول الدستور بحجة تعرض البلاد لـ«خطر داهم». وكانت المفاجأة الثانية أن نجلاء بودن رمضان التي عُينت في هذا المنصب لم تكن ضمن قائمة المرشحات له، رغم تأكيد تقارير إعلامية كثيرة منذ شهرين أن «الخلف» المحتمل للمشيشي قد يكون سيدة. إذ توقع كثيرون أن تكون رئيسة الحكومة المقبلة الوزيرة نادية عكاشة، مديرة مكتب الرئيس وكبيرة مستشاريه في قصر قرطاج. وفي مطلق الأحوال، لم يكن يُعرف عن بودن الانخراط في الصفوف الأولى للحياة السياسية والشأن العام طوال مسيرتها العلمية والهندسية في المدرسة العليا للمهندسين، ثم منذ تعيينها في 2006 على رأس مسؤوليات في وزارة التعليم العالي.
بخلاف الغالبية الساحقة من رؤساء الحكومات الذين تداولوا على المنصب في تونس، منذ استقلال البلاد عن فرنسا في مارس (آذار) 1956، لا تنحدر نجلاء بودن رمضان من محافظات «الساحل» أو من العاصمة تونس، إذ إنها من أصيلات مدينة القيروان العريقة، العاصمة الأولى للبلاد ولكامل شمال أفريقيا والأندلس إبان العهدين الأموي والعباسي الأول.
وإذا تلتقي نجلاء بودن مع رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في كونها من أبناء الجهات الداخلية «المهمشة» مثل محافظات القيروان وسليانة وجندوبة، فإنها تختلف عنه اجتماعياً، كونها تنحدر من واحدة من أعرق وأغنى العائلات السابقة في القيروان، التي هاجرت إلى العاصمة أو إلى مدن منطقة «الساحل» التي ينحدر منها الرئيسان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومعظم وزرائهما.
ومن ناحية أخرى، بودن أصيلة «قلب مدينة القيروان التاريخية، داخل الأسوار التاريخية، وليست من بنات أريافها الفقيرة أو أحيائها الشعبية». ثم إنها من عائلة حضرية ميسورة الحال نسبياً وليست من بنات القبائل والوافدين الذين أصبحوا غالبية السكان في المدينة وضواحيها بعدما توسعت أرجاؤها وتضاعف عدد سكانها عشرات المرات بفعل النزوح والهجرة. وأيضاً على المستوى الأسري، تزوجت نجلاء بودن بطبيب أصيل مدينة المهدية الساحلية السياحية، 180 كلم جنوبي العاصمة تونس، من عائلة رمضان.
- خريجة جامعات فرنسا
تعد نجلاء بودن واحدة من خريجات «مدرسة الزعيم الحبيب بورقيبة والدولة الحديثة»، عندما كان النجاح في المدارس العمومية شرطاً للدخول إلى جامعات العاصمة تونس والحصول على منحة دراسة في جامعة أوروبية. وبالفعل كانت نجلاء بودن واحدة من أبرز طالبات تونس المتألقات في «المدارس العليا الكبرى» الفرنسية للهندسة وعلوم المناجم بعد فوزها بمرتبة متقدمة في «المدارس التحضيرية لدخول كبرى الجامعات الفرنسية». ومن ثم، تخرجت نجلاء بالإجازة في الهندسة ثم حازت درجة الدكتوراه عام 1987 من جامعة فرنسية مرموقة متخصصة في علوم المناجم هي «الإيكول دي مين دو باريس».
هذه المؤهلات العلمية، إلى جانب الخبرة في الجامعات الفرنسية، أهلت بودن لأن تعين أستاذة في «المدرسة الوطنية للمهندسين» في «المركب الجامعي» الكبير في جامعة العاصمة تونس، وهي واحدة من جامعات النخبة في البلاد. ولقد حافظت الدكتورة بودن على موقعيها الأكاديمي والعلمي حتى 2006، وهو تاريخ تكليفها لأول مرة بمهمة إدارية وتعليمية بصفة مستشارة في ديوان وزير التعليم العالي وقتها والقيادي في الحزب الحاكم العميد الأزهر بوعون.
- مسؤولة «مخضرمة»
تابعت نجلاء بودن التدريس في المدرسة العليا للمهندسين المختصين في علوم المناجم والزلازل والمتغيرات الجغرافية، في الوقت الذي حافظت طوال السنوات الـ15 الماضية على منصب مستشارة بامتيازات مدير مركزي، أو مدير عام، مع كل وزراء التعليم العالي الذين تعاقبوا على الوزارة منذ عام 2006، بدءاً من عميدي كلية الحقوق السابقين الأزهر بوعون (2006 - 2010) والبشير التكاري (2010 - 2011). وأيضاً، بعد «ثورة يناير (كانون الثاني)» على حكم الرئيس بن علي 2011، وإسناد الحقيبة إلى وزراء من المعارضة السابقة بينهم أحمد إبراهيم، الزعيم السابق للحزب الشيوعي (حزب «التجديد» و«المسار» لاحقاً)، والمهندس المنصف بن سالم، القيادي في حزب «حركة النهضة» الإسلامي، والخبير التقني المستقل شهاب بودن، الذي يحمل اسمها العائلي نفسه وهو مثلها من مدينة القيروان وتخرج في جامعات فرنسية ثم عُين أستاذاً في «المدرسة الوطنية للمهندسين». ولقد عُين شهاب بودن وزيراً للتعليم العالي عام 2015 في الحكومة التي ترأسها المهندس الحبيب الصيد، وكانت في حينه ائتلافاً سياسياً بين حزبي «نداء تونس» بقيادة الباجي قائد السبسي و«حركة النهضة» بقيادة راشد الغنوشي وحزامهما البرلماني والسياسي.
في الواقع، تُعد نجلاء بودن من بين كوادر الدولة «المخضرمين» الذين تولوا مسؤوليات عليا في الدولة لسنوات عدة. وكلفت بملفات كثيرة للتعاون الدولي بين الوزارة ومؤسسات عالمية في عهد الوزيرة الحالية ألفة بن عودة صيود وسلفيها سليم خلبوص وتوفيق الجلاصي، اللذين عُينا بعد خروجهما من الوزارة في مؤسسات دولية خارج البلاد.
ولقد نوّه المؤرخ نور الدين الدقي، المدير العام السابق للتعليم العالي في الوزارة، خلال تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالخبرة العلمية والأكاديمية لـ«بودن»، مشدداً على خبراتها ومستعرضاً مناصبها التي شغلتها بكفاءتها، مديرة للتدريب في مدرسة المهندسين في 2004، ثم نائبة مدير، فمديرة ثم مستشارة بامتيازات مدير عام في مكاتب عدد من الوزراء قبل «ثورة 2011» وبعدها.
- استقلالية عن الأحزاب
في المقابل، في حين شكك البعض في فرص نجاح رئيسة الحكومة المعينة في تأدية مهمتها بسبب استقلاليتها عن الأحزاب الكبرى والنقابات المتحكمة في المشهد السياسي بتونس، ناهيك عن مؤسسات الدولة منذ 2011، أثنى عدد كبير من الحقوقيين والناشطات السياسيات على استقلاليتها. بل رأى هؤلاء في هذه الاستقلالية الميزة و«الورقة الرابحة» التي راهن عليها الرئيس قيس سعيد المستقل بدوره عن كل الأحزاب عند اختيارها.
وفي هذا السياق، شبّهت كلثوم كنو، رئيسة جمعية القضاة السابقة، رئيسة الحكومة المعينة بالمستشارة الألمانية المودعة أنجيلا ميركل... مع التذكير بتشابه الأسماء والأحرف بين «نجلاء» و«أنجيلا»... وسارت في هذا المنحى عديد صفحات المواقع الاجتماعية التي أطلقت حملة «نجلاء التونسية تخلف أنجيلا الألمانية».
من جانب ثانٍ يجمع مؤيدو نجلاء بودن وخصومها على أن كفاءتها العلمية والمهنية وحيادها السياسي والحزبي واستقلاليتها حقائق تفسر وتؤكد نجاحها في مسيرتها الإدارية رغم التغيرات وإبعاد عدد من المسؤولين السابقين في الوزارة والدولة بعد 2011، وهنا تحدث شكري النفطي، المستشار السابق لوزير التعليم العالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن «السمعة الطيبة» التي تحظى بها نجلاء بودن وبما عُرفت به من «مثابرة في العمل صباحاً ومساءً»، وهو ما فسّر تكليفها برئاسة قطاعات استراتيجية في قطاعات التعليم العالي والبحث العلمي والتعاون الدولي، من بينها: «مراقبة الجودة» وتنفيذ مشاريع إصلاح التعليم العالي والشراكة مع المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، وهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، والمركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل.
وفي الاتجاه ذاته، تكلم عدد من زملاء الرئيسة المعينة السابقين في ديوان وزارة التعليم العالي لـ«الشرق الأوسط»، منهم المدير العام للتعليم العالي نور الدين الدقي، ومدير عام ديوان قطاع الخدمات الجامعية سعيد بحيرة، وبالأخص، عن التزامها و«مثابرتها على العمل من دون كلل من الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساءً».
- خبرة دولية
وفضلاً عما تقدم، ووفق شهادات عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين في وزارة التعليم العالي ممن عملوا مع نجلاء بودن قبل مفصل 2011 وبعده، مما يميز رئيسة الحكومة المعينة إتقانها اللغات الأجنبية وبطلاقة، خاصة الفرنسية والإنجليزية، وهو ما أهّلها لأن تُعين على رأس قطاع العلاقات مع البنك الدولي والمؤسسات الأجنبية المعنية بالشراكة مع تونس في العديد من القطاعات مثل التربية والتعليم، والبحث العلمي، والتدريب. مع أن هذا الاختصاص دفع عدداً من خصومها ومعارضي تعيينها إلى شن حملة ضدها في المواقع الاجتماعية. كذلك، شنّت بعض المجموعات التي تصف نفسها بـ«المستقلة» حملة ضدها، متهمة إياها بسوء التصرف في منحة حصلت عليها الوزارة سابقاً من البنك الدولي قيمتها 60 مليون دولار أميركي (أي نحو 180 مليون دينار تونسي) بهدف تحسين مستوى التعليم والدراسات في جامعات تونس!
وذهب أشرف العيادي، رئيس منظمة «أنا يقظ»، غير الحكومية التونسية المدعومة مالياً من مؤسسات أميركية وأوروبية، إلى حد الكلام عن «وجود ملف تحقيق ضد نجلاء بودن» في تلميح عن «شبهة فساد» مزعومة. وكانت تقارير هذه المنظمة تسببت سابقاً في إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ عام 2020 بعدما اتهمته بالتورط في «شبهة تضارب مصالح». وادعى العيادي أن رئيسة الحكومة المعينة شخصية «لقيت دعماً من قِبل السيدة الأولى حرم رئيس الجمهورية القاضية إشراف شبيل سعيد رغم معارضة محيط الرئيس». وأعرب عن «تخوفه» من أن يكون مصيرها مثل مصير رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي عُزل بعد «الإجراءات الاستثنائية» التي قررها الرئيس التونسي يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، رغم الدعم القوي الذي لقيه أول الأمر من قبل قصر قرطاج عند تعيينه وزيراً للداخلية، ثم رئيساً للحكومة.
- وزيرة أم رئيسة حكومة؟
في المقابل، إلى جانب تنويه عدد من خصوم الرئيس سعيد وأنصاره بقراره تعيين نجلاء بودن على رأس الحكومة، فإنهم تساءلوا عما إذا كان سيسمح لها بأن تلعب دور «رئيس الحكومة» حسب الصلاحيات التي ينص عليها دستور البلاد الصادر في 2014، أم ستكون مجرد «وزيرة أولى» في «فريق حكومي» يرأسه رئيس الجمهورية شخصياً، حسب المرسوم 117 الذي أصدره يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي.
إذ قال وليد الجلاد، البرلماني والقيادي في حزب «تحيا تونس»، إن رئيسة الحكومة المعينة «شخصية جامعية محترمة سبق أن كرمها من قبل الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي»، لكنه استطرد قائلاً: «... ولكن لا بد من التراجع عن المرسوم 117 الذي جعل من رئيس الدولة رئيساً فعليا للحكومة، وألغى الفصل بين السلطات والسلطة الرقابية للسلطة التشريعية المنتخبة على الحكومة والسلطة التنفيذية». كذلك رحب غازي الشواشي، زعيم حزب «التيار الديمقراطي» المعارض، بتعيين امرأة رئيسة للحكومة، ولكن مع مطالبة الرئيس سعيد بالتراجع عن المرسوم 117 وعن كل القرارات التي ألغت دور البرلمان والمؤسسات المنتخبة والدستور.
وفي المقابل، مع ثناء الوزير السابق والقيادي المنشق عن «حركة النهضة» سمير ديلو على مبدأ تعيين امرأة على رأس الحكومة، فإنه أعرب عن «أسفه» لأن هذه الخطوة جاءت في مرحلة تواجه فيها كل مؤسسات الدولة أزمة شرعية قانونية ودستورية «داخلياً وخارجيا» منذ القرارات الرئاسية الصادرة يوم 22 سبتمبر الماضي.
هذا، بينما وقع عشرات من أعضاء البرلمان الذي علق الرئيس التونسي أشغاله، لوائح تطالب بـ«استئناف العمل البرلماني والمسار الديمقراطي» في رد على هذه القرارات، رحّب أعضاء في الكونغرس الأميركي وسياسيون أوروبيون بارزون بتعيين بودن. إلا أن هؤلاء اعتبروا في تصريحات جديدة أن نجاحها مشروط بمعالجة الملفات الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة وبأن تكون الحكومة «خاضعة لرقابة مؤسسة تشريعية منتخبة». فهل يؤدي تعيين حكومة نجلاء بودن إلى إخراج تونس من أزمتها... أم يعمق الأزمات المتراكمة منذ سنوات؟



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».