الأزمة الاقتصادية... أبرز تحدٍ أمام رئيسة الحكومة التونسية

رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة نجلاء بودن (أ.ب)
رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة نجلاء بودن (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية... أبرز تحدٍ أمام رئيسة الحكومة التونسية

رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة نجلاء بودن (أ.ب)
رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة نجلاء بودن (أ.ب)

يمثل الوضع الاقتصادي المتردي أول الملفات على طاولة رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة نجلاء بودن، وهو قطاع يعاني منذ عقد من الزمن بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي لا يزال يضعِف رغبة المستثمرين والمانحين الدوليين في دفع الأموال.
وكلّف الرئيس قيس سعيّد، أمس (الأربعاء)، المتخصصة في الجيولوجيا نجلاء بودن (63 عاماً) تشكيل حكومة، واضعاً حداً لانتظار استمر أكثر من شهرين منذ تاريخ 25 يوليو (تموز) الذي قرّر فيه تعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد.
وأثار هذا التعيين ردود فعل مشككة من بعض الخبراء؛ كون بودن لا تملك خبرة اقتصادية وستكون صلاحياتها محدودة بعد قرار سعيّد قبل أسبوع بتعزيز صلاحياته على حساب السلطة التنفيذية والتشريعية.
ويقول الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن، لوكالة الصحافة الفرنسية «على الحكومة التي سيتم تشكليها وبسرعة استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي... من أجل إيجاد تمويلات».
وكتبت بودن على صفحتها على موقع «فيسبوك»، الأربعاء، «سأعمل على تكوين حكومة متجانسة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد ومحاربة الفساد والاستجابة لمطالب التونسيين المتعلقة بحقوقهم الطبيعة في النقل والصحة والتعليم».
https://www.facebook.com/NajlaBoudenR/posts/107310358384025?__tn__=-R
وبلغ معدّل النمو الاقتصادي في البلاد سنوياً ما بين 2010 و2020 نحو 0.6 في المائة. وبسبب الجائحة، حصل في العام 2020 انكماش بنسبة 8.8 في المائة، فضلاً عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام والذي تضرّر بشكل كبير.
وفي مايو (أيار) الماضي، عادت تونس المثقلة بالديون للمرة الرابعة خلال عقد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي سعياً للتوصل إلى اتفاق على ثلاث سنوات والحصول للعام 2021 على 3.3 مليار يورو (3.8 مليارات دولار) مقابل وعد بإصلاحات يبدو الالتزام بها أصعب من السابق. لكن المفاوضات توقفت منذ إعلان سعيّد الإجراءات الاستثنائية.
ويقول حسن «للأسف الاقتصاد التونسي بصدد دفع فاتورة عدم الاستقرار السياسي وفاتورة الأزمة الصحية... ويدفع ثمن جهل طبقة سياسية بالجانب الاقتصادي».
وارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 18 في المائة بسبب تداعيات الجائحة؛ ما غذّى الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد خلال الأشهر الماضية مع تواصل ارتفاع نسبة التضخم إلى مستوى 6 في المائة وتدهور القدرة الشرائية.
كما ارتفعت نسبة المديونية في تونس وتجاوزت 80 في المائة، وأصبحت تونس تقترض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين.
ويعلّل خبراء الوصول إلى هذا المستوى من التراجع إلى عدم الاستقرار الحكومي. فقد تعاقبت تسع حكومات على السلطة بسبب التجاذبات السياسية منذ ثورة 2011، كما علقت آمال كبيرة على أن يتحرّر الاقتصاد من الفساد ومن أيدي المقربين من السلطة كما كان عليه الحال في نظام بن علي، لكن ظل مجال الأعمال حكراً على عائلات نافذة.
ويطالب حسن «بإقرار حال الطوارئ الاقتصادية»؛ لأن مشاكل البلاد في تقديره «ليست فقط دستورية، بل اقتصادية بالأساس»، منتقداً غياب «رؤية على المدى المتوسط» للقرارات التي اتخذها الرئيس.
وتونس مطالبة بسداد ديون بقيمة 4.5 مليار يورو (5.2 مليار دولار) هذا العام وتحتاج إلى تمويل بـ5.7 مليار يورو (6.6 مليار دولار) لإقفال عجز الميزانية في انتظار قانون المالية للعام 2021 الذي لم يشرع بعد في إعداده.
ويعتبر طارق شريف، رئيس مجمع «كونيكت»، وهي منظمة تضم أصحاب شركات ومؤسسات اقتصادية تونسية وأجنبية، أن إعلان 25 يوليو «أمر جيّد في المطلق وهذا لا شك فيه، لكن اليوم يجب التسريع ووضع حكومة واتخاذ الإجراءات التي تمكّن من تشجيع الفاعلين الاقتصاديين في البلاد». ويضيف «مشكلة تونس أنه يجب خلق الثروة والاستثمار، وكل يوم يحسب علينا». ويتابع «لا يجب أن يتواصل هذا الوضع»، مشدداً على وجوب «إعادة بناء الثقة مع المستثمرين الأجانب في الدولة والخروج من هذا الوضع».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.