أفلام «الهيبيز».. ولدت على دراجات وحلقت في أجواء ضبابية

فيلم جديد يفتح الباب على زمن الضياع

واكيم فينكس في «عيب موروث»  -  دنيس هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسون في «إيزي رايدر»
واكيم فينكس في «عيب موروث» - دنيس هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسون في «إيزي رايدر»
TT

أفلام «الهيبيز».. ولدت على دراجات وحلقت في أجواء ضبابية

واكيم فينكس في «عيب موروث»  -  دنيس هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسون في «إيزي رايدر»
واكيم فينكس في «عيب موروث» - دنيس هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسون في «إيزي رايدر»

لم يكن سهلا على أحد تحقيق فيلم عن أي من روايات توماس بينشون السابقة. كانت كتابته عصية على الترجمة إلى صور كونها لا تكتفي بخلق حبكة بل تغمرها بالحبكات الجانبية وبالأفكار الاجتماعية والسياسية بحيث يصبح من المتعذر، أو هكذا اعتقد كثيرون، تحقيق فيلم عنها، لأنه إذا ما تم الاكتفاء بالحبكة الرئيسية باتت المادة خفيفة وغير مغرية لعمل سينمائي، وإذا تم الحفاظ على الخيوط الشخصية والجانبية الكثيرة، أصبح العمل صعب التحقيق بسبب هذا الأسلوب تحديدا.
الرواية الوحيدة التي تحولت إلى فيلم تجرأ صاحبه على نقله إلى السينما هو «بروفستاند الخامس» الذي حققه الألماني روبرت برامكامب عن رواية بينشون الجديرة بالاهتمام «قوس قزح الجاذبية» Gravity‪›‬s Rainbow المنشورة عام 1973 وسط اهتمام أدبي ونقدي حافلين. الفيلم لم يجد أي احتفاء مواز لذلك.
هذا إلى أن قام بول توماس أندرسن بتحويل «عيب موروث» إلى فيلم ضمه إلى سيرته السينمائية المميزة بأفلام رائعة مثل «سيكون هناك دم» و«مانغوليا» و«السيد». أميركيا استقبل الفيلم جيدا مع وجود أصوات وصفته بأنه «أسوأ فيلم حققه أندرسن إلى اليوم». لكن معظم المرحبين بالفيلم اعتبروا المخرج جريئا في اختياره والفيلم ملهما من حيث عودته إلى الستينات حيث كمنت الحكاية: تحرٍ خاص (واكيم فينكس) يحقق في اختفاء شخصيات وجرائم قتل كما هي عادة كل تحر خاص آخر، لكن الجديد هنا هو تلك الركائز المهمة في عناصر الرواية والفيلم: التحري «هيبي» يواجه اليمين المتحفظ (ممثلا بشخصية تحر آخر إنما من الشرطة ذاتها يؤديه جوش برولين) والبيئة الاجتماعية الحاضنة هي بيئة نهاية الستينات (كما في الرواية) حيث كانت الموجة «الهيبية» في طريقها إلى زوال أبدي بعدما كانت احتلت رقعتها طوال ذلك العقد معبرة عن رفضها للحرب الفيتنامية (كما المؤلف نفسه في عريضة وقعها لجانب نحو 600 مثقف ونشرت في «ذا نيويورك تايمز») ودعوتها للحرية الشخصية إلى أكثر مدى. دعوة كان لا بد أن تثير معارضة غالبية الأميركيين وبينهم ليبراليين سابقين.

* جيل الوردة
لكن هذه المعارضة لم توقف سيلا من أفلام الهيبيز التي خرجت في ذلك الحين سواء قدمت شخصيات منمطة على هذه الصورة (رجال ونساء يرفعون أصابعهن في رمز للحرف V علامة النصر، ويرتدون الثياب المزينة بالورود ويتركون شعورهم تسترسل فوق أكتافهم راسمين ابتسامة نافذة بين ضبابيات الفترة ودخان لفائف الماريغوانا.
عدة أفلام انطلقت سنة 1968 لتقدم ملاحظاتها الأولى عن حياة «الهيبيز». المخرج الراحل باري شير قدم فيلما منسيا اليوم، لكن جريئا في ذلك الحين، عنوانه «فلتان في الشوارع» (الترجمة الأقرب لـWild in the Streets) حول ما يمكن أن يحدث لو وصل الشباب (دون الثلاثين) إلى البيت الأبيض وأصبح أحدهم رئيس جمهورية.
المخرج بلاك إدواردز صاغ السؤال على نحو أحداث كوميدية تقع في حفلة عادية تتحول، بوصول فوضوي يؤديه بيتر سلرز إلى كارثة بعنوان «الحفلة». والممثل جاك نيكولسون كان عمدة هذا النوع من الأفلام حتى قبل ذلك التاريخ إذ ظهر في عدة أفلام تعبر عن تلك الفترة خير تعبير مثل «ملائكة الجحيم على دراجات» (1967) و«سايك - أوت» (1958) وكلاهما من إخراج رتشارد رش. وفي عام 1969 ظهر في أهم هذه الأفلام وهو «إيزي رايدر» إلى جانب بيتر فوندا ودنيس هوبر الذي قام بتحقيق الفيلم عن كتابة له ولفوندا.
«إيزي رايدر» لم يكن كأفلام الدراجات السابقة. تلك كانت تقحم المشاهد في مقاربات إعجاب وبغض متبادلة للموجة الشبابية. لكن فيلم فوندا أراد تمجيدها عبر تقديمها كمفهوم اجتماعي لا يقصد أن يؤذي أحدا. نيكولسون هو المحامي الشاب الذي كان يمكن له أن يصعد درجات المهنة بعيدا عن هذه المتاهات. في يوم يلتقي بوايات وبيلي وهما يركبان دراجتيهما في رحلة عبر البلاد. يقلدهما نيكولسون ببراءة ويصبح ثالث الفريق الذي يتعرض على الطريق لهجوم المواطنين الشرسين. يسأل نيكولسون صديقيه الجديدين: «لماذا يكرهوننا؟»، يجيبه بيتر فوندا: «بسبب ما نمثله من حرية».
لكن المفهوم على صحته في هذا المجال ساذج لأن الموقف الأكثر شيوعا ليس مثاليا على النحو الذي تطوع به الفيلم. الهيبيون كانوا مع حرية الحب والعلاقات المفتوحة ومع التدخين الممنوع والمجتمع الخالي من القيود، يمينية أو يسارية. ربما موقفهم الأقوى الوحيد هو معارضة الحرب الفيتنامية، لكن تلك لم تنته بسببهم بل بسبب معارضة معظم الأميركيين لها وقد بدأوا باستقبال المزيد من القتلى والمعوقين عاما بعد عام من دون تحقيق نصر فعلي.

* نهاية مفتوحة
إذ حمل «إيزي رايدر» لواء الدفاع عن فكر هذه الجماعة جاء فيلم «وودستوك» التسجيلي (لمايكل وادلي، 1970) احتفاء كبيرا آخر، ولو أنه اكتفى بنقل وقائع الحفل الغنائي الكبير الذي أقيم حينها وشمل مئات ألوف الشبان الذين افترشوا أرضا قدمت إليهم لاحتوائهم، واعدين بعدم الفوضى وتنظيف المكان بعد مغادرتهم لـ3 أيام وليالٍ من العزف والغناء.
في الوقت ذاته، كان «بيلي جاك» يدافع عن الهنود الحمر الحاليين، وقد اشترك في فيلم دراجات نارية من قبل عندما لعب «ولدوا ليخسروا» Born Losers من إخراجه سنة 1976.
ما أسهم في كسر نجاح هذه الموجة فيلم خرج من لا مكان، حققه مخرج لم يحقق سواه ثم غاب هو جيمس ويليام غويريكو. الفيلم هو «إلكترا غلايد إن بلو» مع روبرت بلاك الذي يتقدم الفيلم مصنفا وضعه إذ نراه يرتدي بزته الرسمية كشرطي سير على دراجة في تلك الطرق الريفية والجبلية البعيدة. إنه يقوم بدوره كمواطن عادي، بل ربما كمواطن بسيط. في النهاية يطلق عليه أحد الهيبيين رصاصة بندقيته فيرديه على الفور.
هذه الرسالة التي تنتمي إلى اليمين بلا شك أنهت الجنوح في تصوير الهيبيين كحركة سلام وحب، ولو أن السينما لم تكف عن تصوير الفترة وما حملته من مواجهة بين تيارات الحياة السياسية في الولايات المتحدة المفتوحة منذ مطلع الستينات على كل آيديولوجيا وفكر بصرف النظر عن حجم شعبيته.
في السبعينات لاحظنا أن بطلة «قصة حب»، إلى ماكغرو، تنتمي إلى المفهوم ذاته عندما تلتقي بالمليونير رايان أونيل. آرثر بن قدم «مطعم أليس»، وهال أشبي «هارولد ومود»، وميلوش فورمان «هير» و«الإقلاع»، ودنيس هوبر عاد في دراما أخرى توعز بإثارة الموضوع ذاته في «الفيلم الأخير»، بينما حاول الرسام رالف باكشي الإحاطة بالأجواء ذاتها في «فريتز القط».
في الثمانينات، خفت الظاهرة كثيرا ثم خفت أكثر في التسعينات إلا إذا اعتبرنا «ذا دورز» لأوليفر ستون و«خوف وازدراء في لاس فيغاس» لتيري جيليام من تلك البارزة في مجال استعادة تلك الحقبة. لكن الأفلام التي تعود إلى تلك الحقبة المهمة، بما لها وبما عليها، لم تتوقف. قد يلخص عنوان فيلم حققه بروس بيرسفورد قبل 3 أعوام، وهو «سلام وحب وسوء فهم»، الكثير مما يمكن قوله في هذا التيار.

* عندما ندمت هوليوود
* في عام 1969 تشجعت شركة مترو - غولدوين - ماير وطلبت من المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني تحقيق فيلم «نقطة زابريسكي» وهو وافق، وكان فيلمه الأميركي الأول والوحيد. ما كان في بال هوليوود لم يخطر على بال أنطونيوني إذ ذهب إلى حد تأييد نسف المؤسسات الكبرى على أيدي الشبان المتمردين.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.