وزير الثقافة العراقي لـ «الشرق الأوسط»: نخطط لشراكات حقيقية مع السعودية

أكد أن الثقافة هي المظلة الكبرى التي تجمع البلدان العربية

وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي
وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي
TT

وزير الثقافة العراقي لـ «الشرق الأوسط»: نخطط لشراكات حقيقية مع السعودية

وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي
وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي

قال وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي الدكتور حسن ناظم، إن مشاركة بلاده ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، تأتي في أجواء متنامية بين العراق والسعودية، وعمل دبلوماسي دؤوب لبناء شراكات حقيقية على مختلف المستويات. وقال ناظم، إن مشاركة العراق في معرض الرياض الدولي للكتاب «تأتي في ظرف استثنائي يعزز الشراكات بين البلدين ويعزز الصلات بين الثقافتين». وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن العلاقات الدبلوماسية بين العراق ومحيطه العربي تمثل مرحلة جديدة من التواصل، مضيفاً أن «الثقافة العراقية مقبلة على ظروف نوعية تعيد صلاتها، خاصة بالثقافة العربية، حيث هي المظلة الكبرى التي تجمع البلدان العربية، والعراق باعتباره فاعلاً في هذه الثقافة عبر قرن من الزمان يعود الآن بوضع جديد في صلاته مع العالم العربي، ولا سيما مع السعودية».
كما أوضح وزير الثقافة العراقية، أن زيارة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، للعاصمة العراقية بغداد في أبريل (نيسان) 2019 كانت لها أصداء إيجابية رائعة لدى الأوساط العراقية، واصفاً الزيارة بأنها «غير تقليدية»، وكانت بداية لتعاون ثقافي حقيقي بين البلدين.
تحدث الوزير العراقي لـ«الشرق الأوسط» من واشنطن، حيث كان يحضر تسلم «لوح جلجامش» إحدى النفائس الاثرية التي تمّ تهريبها من العراق... وذلك قبيل افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث يشارك في فعالياته:

> كيف تصفون مشاركة العراق هذا العام في معرض الرياض الدول للكتاب؟
- مشاركة العراق هذا العام في معرض الرياض الدولي للكتاب، هي مشاركة حيوية وتأتي في ظروف استثنائية؛ فالعلاقات مع المملكة العربية السعودية تتصاعد وتتزايد على صُعد كثيرة في جانبها الثقافي وفي جانبها الاقتصادي. هذه المشاركة هي أيضاً تتويج لكل الجهود التي بذلتها المملكة والعراق من أجل استعادة هذه الصلات المحورية والأساسية بين البلدين. نحن نعلم أن الصلات الثقافية هي صلات أساسية لصياغة علاقات بين المجتمعات. وأنا أحسب أن الصلات الثقافية لم تنقطع أساساً لأن المثقفين والفنانين والأساتذة الجامعيين في كلا البلدين ظلوا يعملون في حقول الثقافة والفن، وبينهم صلات متواصلة. أنا عن نفسي لي علاقات مميزة في الوسط الأكاديمي السعودي والوسط الثقافي السعودي، وكانت لنا زيارات قبل هذه المشاركة في المعرض. إذن، تأتي مشاركة العراق في معرض الرياض الدولي للكتاب في ظرف استثنائي يعزز الشراكات بين البلدين ويعزز الصلات بين الثقافتين، ويعزز أيضاً الأنشطة الفنية، ويتيح مزيداً من الأعمال المشتركة في ضوء مذكرة التفاهم التي وُقّعت بين البلدين قبل فترة قريبة.
> ماذا يعني لكم هذا التواصل الثقافي بين البلدين... وبين التراث الثقافي والأدبي في كلا البلدين؟
- التواصل الثقافي بين البلدين هو أمرٌ حتمي؛ لأن البلدين ينطويان على ثقافة مشتركة، لسنا في حاجة إلى أدلة لإثبات هذه الصلات التراثية والتاريخية والثقافية. المملكة العربية السعودية والعراق بلدان متجاوران؛ هناك امتدادات ثقافية، وامتدادات أسريّة وعشائرية، وهناك تشارك في كثير من ظواهر الثقافة بين البلدين، وبالتالي ليس هناك غرابة في أن تجد سماتٍ مشتركة بين البلدين. الثقافة في المملكة العربية السعودية لها جذور في العراق على مستوى الشعر وعلى مستوى الأدب إجمالاً وحتى الفكر، وبالتالي العراق بوصفه بلداً أساسياً من أعمدة الثقافة العربية، يجد أيضاً له وجهاً في المملكة العربية السعودية، لنا تاريخ من أولئك الأساتذة الكبار الذين عملوا في المملكة منذ السبعينات، وما زالت إلى الآن تجاربهم في المملكة لها صدى مشهود، وأيضاً التأثير الثقافي للمثقفين السعوديين الذين أثروا الثقافة العربية، وتركوا تأثيراً في الثقافة العراقية. هذا التبادل والاشتراك هو أساس كبير لتطوير العلاقات بين البلدين.
> يحتفي معرض الرياض هذا العام برموز الأدب والفكر والفن العراقي، حيث يلتقي على ضفافه محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب مع علي جواد الطاهر، على إيقاع موسيقى نصير شمة، وأغاني سعدون جابر، وأطلال مدن «أور، بابل، النمرود»... كيف تقيّمون هذا الحضور العراقي الباذخ؟
- البرنامج الذي هيأه معرض الرياض الدولي للكتاب لجمهورية العراق بوصفها ضيف شرف على هذا المعرض، برنامج واسع وكريم ومنظّم، يشمل أماسي شعرية، وندوات فكرية، ومحاضرات؛ ولذلك فالوفد الكبير الذي نصطحبه معنا يضم مثقفين وفنانين وشعراء عراقيين لهم إسهامات. المعرض أيضاً احتفى بالراحلين من كبار الأدباء والنقاد العراقيين، مثل شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، وشاعر الحداثة الشعرية العربية بدر شاكر السياب، وأيضاً الناقد الكبير علي جواد الطاهر، الذي له خصوصية في المملكة العربية السعودية؛ لأنه قضى سنوات يدرس في الجامعات السعودية.هذا برنامج غني ويشمل الفنّ أيضاً بحضور الموسيقار نصير شمة وسعدون جابر، وهناك محاضرات عن الآثار في العراق... إذن، هناك شمولية في تنظيم الأنشطة العراقية، وهذه مناسبة لأن نشكر فريق العمل السعودي الذي بذل جهوداً كبيرة في متابعة وتنظيم المشاركة العراقية.

الثقافة عابرة للحدود

> كيف يمكن للثقافة والتراث أن يعيدا إحياء ما يجمع بين المملكة العربية والسعودية والعراق من أواصر؟
- الحقيقة، حتى في تلك السنوات التي وضعت فيها ظروف سياسية معينة حقبة من الانقطاع - للأسف – لم تتمكن أن تقطع الأواصر الثقافية... خاصة أن تلك الحقبة من الانقطاع لم تمثل انقطاعاً كاملاً على المستوى الثقافي والتراثي؛ المثقفون العراقيون والأساتذة الجامعيون في كلا البلدين كانوا على تواصل. لأن الحقول الفكرية والحقول النقدية وحقول الفلسفة والترجمة وعلم اللغة هي مستمرة لا تنقطع... الباحث في المملكة العربية السعودية يتطلع لإنتاج العرب جميعاً وليس العراق فقط، والباحث في العراق يتطلع إلى الإنتاج الثقافي والتراثي في المملكة وفي غيرها من البلدان العربية. فالحقيقة أن الثقافة عابرة للحدود، وليس شرطاً أن تتأثر بالظروف السياسية ومما تحتمه – أحياناً - من انقطاعات بين البلدان.
> هذا يضع مسؤولية إضافية على الثقافة والمثقفين؟
- نعم، أمام الثقافة مهمة أكبر الآن، في ضوء ملاءمة الظروف لاستعادة صلات أساسية بين الثقافة السعودية والثقافة العراقية. بالتأكيد، حقبة الانقطاع تؤثر بنحوٍ ما، لكن نحن الآن أمام حقبة فيها إقبال رائع، وفيها قرار سياسي شجاع، يؤسس إلى ترك الماضي وراءنا، والانطلاق في علاقات جديدة وعلى مستويات عديدة، ومن خلال المجلس التنسيقي السعودي – العراقي، الذي يمثل إطاراً للتعاون في مجالات متعددة، بينها الثقافة، والمذكرات التي وُقّعت بين البلدين؛ سنشهد في الحقبة المقبلة تلاحماً وتوطيداً للصلات الثقافية أكبر، وفيها بشائر خير لكلا الشعبين ولكل البلدين.
> كانت هناك زيارات متبادلة، بينكم وبين وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان... كيف تقيّمون التعاون الثقافي بين البلدين... وإلى أين يتجه؟
- وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، زار العراق قبل مدة، ورأى بعينيه أثر الثقافة العراقية، وزار شارع المتنبي - وكثيراً ما أشار إلى ذلك - وهو شارع «الأيقونة» للثقافة العراقية، وفي لقائي معه عبر برنامج «زووم» كان هناك تبادل للأفكار بأريحية عالية وبجوٍ إيجابي ورائع، خططنا فيه (الحوار) لمشاركتنا في هذا المعرض، وخططنا فيه للقيام بتنظيم أسابيع ثقافية وفنية في بغداد والرياض، وهناك انفتاح لدى وزير الثقافة على كل ما يمكن أن نفعله في هذه المدة وفي هذه الظروف، بمعنى آخر؛ إن الأساسات أقيمت، وإن العجلة تقدمت إلى الأمام، ولن يكون هناك حاجة إلى الالتفات إلى الوراء.
في العراق، نحن أيضاً في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، لدينا رغبة وانفتاح شديدان على العمل مع الحاضنة العربية، ومع إخواننا العرب والبلدان العربية جميعاً، ناهيك عن العمل مع المملكة العربية السعودية؛ التي لها معنى كبير لحضورها في بلدنا، وصلاتها التاريخية بنا.
> ماذا بشأن معرض الكتاب؟
- في معرض الرياض للكتاب كان هناك عناية فائقة، وخاصة من الأمير بدر، بالجناح العراقي والأنشطة العراقية، للتخطيط لحضور ثقافي عراقي في معرض الرياض، واستثمار وجودنا كضيف شرف للمعرض، هناك أنشطة عديدة أخرى وعروض موسيقية ومحاضرات خاصة، وبرنامج واسع ولمسنا حسن التنظيم ودقته والتشجيع على طرح المزيد من الفعاليات... وقد أبدت وزارة الثقافة السعودية استعدادها لإقامتها خلال معرض الرياض الدولي للكتاب، وهذا أمر يدعو للبهجة والتفاؤل لمستقبل هذه العلاقات وتنميتها.
> هل هناك مشاريع ثقافية وأدبية وفنية عراقية - سعودية يجري تنفيذها الآن؟ وما هي المشاريع التي تدرسونها مع الجانب السعودي للسنوات المقبلة؟
- هناك عمل مشترك ضمن أعمال المجلس التنسيقي العراقي - السعودي، ففي الآثار هناك جهد مشترك لتسجيل «درب زبيدة» طريق الحج القديمة على لائحة التراث العالمي، أيضاً هناك مشتركات آثارية لهذا الامتداد الجغرافي والثقافي بين البلدين، كذلك هناك تفكير في وضع خطط لإنجاز مشروعات فنية، وعلى المستوى الثقافي كان هناك اتفاق مبدئي في إقامة أسابيع ثقافية وفنية في بغداد والرياض.
> كم عدد دور النشر العراقية والعناوين المشاركة في معرض الرياض للكتاب؟
- أعداد دور النشر العراقية في معرض الرياض الدولي للكتاب قد تبلغ 20 داراً، ضمنها الدور الحكومية لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، وهي دار الشؤون الثقافية العامة المسؤولة عن طباعة الكتب، ودار المأمون للترجمة، ودار ثقافة الأطفال، ودار النشر الكردية، المسؤولة عن جسر وربط الثقافتين الكردية والعربية، إضافة إلى الهيئة العامة للآثار والتراث التي تشارك بإنتاجها من الكتب والمجلات، مثل مجلة «سومر» ذات الصيت الذائع وغيرها، وستبلغ العناوين التي تقدمها الدور العراقية في معرض الرياض ما يقرب من 500 عنوان.

آثار العراق

> أنتم حالياً في واشنطن بعد تسلم «لوح جلجامش» إحدى النفائس الاثرية التي تمّ تهريبها من العراق... هل لديكم إحصاء بهذه الآثار وأماكن وجودها؟
- فيما يتعلق بالآثار المنهوبة من العراق، فأعدادها كبيرة جداً. لا نتحدث هنا عن تلك الآثار التي سُرقت من المتحف العراقي، فهذه مسجلة، وهناك فيها إحصاء ووثائق، ونحن نلاحقها. استرددنا بعضاً منها، ونعمل على استرداد الباقي والهيئة العامة للآثار والتراث تساعدنا في ذلك، كما تساعدنا وزارة الخارجية العراقية، عبر صلاتها وسفاراتها في العالم. وأيضاً تساعدنا قوانين الدول الصديقة التي تمنع تهريب الآثار العراقية وتجرّم التعامل بها.
بقية الآثار المسروقة هي مسروقة نتيجة للنبش العشوائي في الأراضي العراقية. تعلم أن العراق يضم مساحة جغرافية كبيرة وفيه حضارات متنوعة عبر التاريخ، وأينما ذهبت وحفرت تجد آثاراً لحضارات آشور وحضارات بابل وسومر وأكد وكيش، وغيرها من الحضارات التي تعاقبت على العراق. فالعراق كله آثار وبالتالي تصعب السيطرة على أراضيه لا بالشرطة الآثارية ولا حتى بالتكنولوجيا، ونحن نتعرض إلى هجمات كثيرة في هذا الصدد، وهي خفّت الآن، وليست كما كانت مستعرة في الأيام الأولى بعد العام 2003، لكن الآن هناك سيطرة نوعاً ما على أراضينا.
> ما هي الجهود الإقليمية المبذولة لحماية الآثار في هذه المنطقة عموماً؟
- دعاني أوضح، أولاً على الصعيد العراقي المحلي، هناك وعي يتنامى الآن أكثر من السابق في مسألة معنى هذه الآثار ومعنى استردادها، حيث بدأ كثير من الذين حصلوا على بعض الآثار يعيدونها طوعاً إلى وزارة الثقافة والآثار. هذا الوعي ضروري أن ينتشر أيضاً في البلدان المجاورة. حيث شكلت البلدان المجاورة للعراق محطات لتهريب الآثار العراقية. تلك الآثار التي وصلت إلى الولايات المتحدة وإلى أوروبا لم تخرج من العراق مباشرة، بل ذهبت عبر بلدان الجوار؛ ولذلك نحن نهيب بهذه الدول التي هي دول صديقة وغيورة على تراث المنطقة أن تمنع تهريب الآثار، وأن تصدر قوانين تجرّم الاتجار بهذه الآثار؛ حفظاً لتراث المنطقة التي تضم تراثاً عظيماً، لا يقتصر على العراق فحسب، فكل هذه الدول كالسعودية وسوريا وتركيا وإيران غنية بالآثار، ومن الصالح للجميع أن يحافظوا عليها، وأن يصدروا قوانين تحول دون تسهيل عمليات تهريب وسرقة الآثار.
> برأيكم، متى ستكون مناطق الآثار العراقية جاهزة لاستقبال الزوار من مختلف العالم؟
- السياحة الأثرية في العراق لم تكن منتعشة في أي يوم من الأيام، ويجب أن نعترف بهذه الحقيقة! إذا أخذنا بالحسبان سياسات الديكتاتوريات قبل عام 2003 نجد الأنظمة المستبدة عموماً لا تشجع على السياحة؛ لأن نظرتها إلى السياح وإلى كل زائر هي نظرة مريبة، فالسياحة الآثارية لم تكن منتعشة في العراق قبل 2003، فقد كانت مقتصرة على الآثاريين الدارسين والمنقبين وعلى البعثات التنقيبية الأجنبية التي تأتي باتفاق مع الحكومة.
بعد التغيير وانفتاح البلد مرّ العراق بظروف أمنية، وبموجة عاتية من الإرهاب، هذه الأحداث خلقت بيئة غير آمنة للسياحة عموماً وليس فقط للسياحة الآثارية. لكن هناك تصميماً الآن بعد كل الإنجازات التي تحققت في القضاء على الإرهاب، وبعد توفير بيئة آمنة نسبياً، هناك عمل حثيث وهناك خطط لإنعاش السياحة الآثارية وعدم الاقتصار على البعثات التنقيبية وعلى الدارسين الآثاريين الأجانب... هناك تشجيع، خاصة بعد زيارة البابا لمحافظة «ذي قار» في الناصرية وزيارة «بيت إبراهيم» الذي يقع في المنطقة الأثرية المهمة (أور)، لدينا خطة لإنعاش السياحة الآثارية في العراق، وخاصة تلك الأماكن التي تمثل قدسية لبعض الديانات، وأيضاً الآثار في بابل وآشور التي دخلت لائحة التراث العالمي (اليونيسكو)... على الصعيد الاقتصادي، يلزمنا شيء من التعافي؛ لأن إنعاش المواقع السياحية يقتضي القيام بصيانات للمواقع الاثرية ويقتضي إقامة بنى تحتية في هذه المواقع لكي تكون في خدمة الزائرين والسائحين؛ ولذلك نحن نضع خطة لذلك - وإن شاء الله - يتعافى الاقتصاد فتتعافى معه السياحة الآثارية.

المشهد الثقافي

> بصفتكم أستاذاً وباحثاً وناقداً ومؤلفاً كيف تقيمون المشهد الثقافي في العراق؟
- أنا أرى أن الثقافة في العراق ما زالت منتجة وفاعلة، واعتقادي، أن الظواهر الثقافية في البلدان لا تنهار بانهيار الأنظمة السياسية. نعم، كانت هناك لدينا مشاكل ومعضلات وظروف عصيبة. بعد العام 2003 تعرّض البلد للغزو والاحتلال، فضلاً عن الصعوبات والتحديات التي خلفها النظام الديكتاتوري... وكل هذا بالتأكيد خلّف آثاراً على الثقافة العراقية وعلى إنتاجها... لكن أنا أقول إن الدول تنهار، والحضارات تنهار، والثقافة تستمر!
ما زال العراق ولّاداً للمثقفين والأساتذة الجامعيين، وما زالت المبادرات الفردية لدى مثقفينا موجودة هنا وهناك؛ مبادرات في الفكر والفن... كل ما هنالك نحن نحتاج إلى مزيد من البنى التحتية التي تؤهل المثقفين والفنانين للاستمرار في عملهم، ولدعم عملهم.
> تتحدثون عن توجه الحكومة نحو التواصل مع المحيط، كيف تعملون لتحقيق هذه الغاية؟
- نعم، المرحلة الراهنة ترسم مرحلة جديدة من التواصل مع المحيط والعالم، هي هذه الظروف التي نراها هذه الأيام، وخاصة عبر السنتين الأخيرتين، وهناك جهود تبذلها الحكومة العراقية التي أسمت العام الحالي بعام الدبلوماسية، هذا الانفتاح الذي تقوده الحكومة يمثل وجهة نظر جديدة في العلاقات مع دول الجوار الإقليمي، فعودة العراق إلى دوره الفاعل في المنطقة؛ كونه نقطة لقاء حتى للمتصارعين في الشرق الأوسط، والرحلات المكوكية التي تبذلها الحكومة بشخص رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، سواء رحلاته باتجاه المملكة العربية السعودية أو زياراته إلى الإمارات العربية المتحدة أو القمة الثلاثية مع الأردن ومصر، خلقت بيئة ملائمة جداً، ليس فقط لإنعاش الثقافة العراقية وإعادة صلتها بالعالم، بل بإنعاش بلادنا عموماً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي..
الثقافة العراقية مقبلة على ظروف نوعية تعيد صلاتها، خاصة بالثقافة العربية، حيث هي المظلة الكبرى التي تجمع البلدان العربية، والعراق باعتباره فاعلاً في هذه الثقافة عبر قرن من الزمان يعود الآن بوضع جديد في صلاته مع العالم العربي ولا سيما في البلدان العربية المجاورة وخاصة المملكة العربية السعودية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».