باريس تحذر طهران من اللعب على عامل الوقت

وزير الخارجية جان إيف لو دريان يلقي خطاب بلاده بمناسبة أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (أ.ب)
وزير الخارجية جان إيف لو دريان يلقي خطاب بلاده بمناسبة أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (أ.ب)
TT

باريس تحذر طهران من اللعب على عامل الوقت

وزير الخارجية جان إيف لو دريان يلقي خطاب بلاده بمناسبة أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (أ.ب)
وزير الخارجية جان إيف لو دريان يلقي خطاب بلاده بمناسبة أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (أ.ب)

فيما يدور التراشق بين إيران من جهة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والغربيين من جهة أخرى حول العقبات التي تحول دون إتمام المفتشين الدوليين لمضمون الاتفاق الموقع في 12 سبتمبر (أيلول)، وفيما يكثر الحديث والتسريبات بخصوص سعي الولايات المتحدة الأميركية لوضع «خطة ب» بديلة في حال فشلت جهود العودة إلى مفاوضات فيينا، فإن باريس تدخل على الخط من خلال خطاب متشدد لوزير الخارجية جان إيف لو دريان ألقاه باسم بلاده بمناسبة أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
خطاب لو دريان المسجل جاء شاملاً وتضمن عرضاً للأزمات المستفحلة عبر العالم والتي تهدد الأمن والسلام والاستقرار. وفي الملف النووي الإيراني، استفاد لو دريان من المنبر الدولي لتوجيه رسالة تحذير واضحة لإيران مع التركيز على نقطتين أساسيتين: الأولى، تتناول عامل الوقت والثانية، التنبيه من العواقب المترتبة على انعدام التوصل إلى اتفاق جديد أو العودة إلى اتفاق 2015 مع عدد من التعديلات التي تعالج نواقص الاتفاق الأول والتي يشدد الغربيون على التوصل إليها.
يقول لو دريان ما حرفيته: «إن تواصل البرنامج النووي الإيراني يتطلب منا أقصى درجات التشدد وعلى إيران أن تعي أن عامل الوقت لا يعمل لصالحها». وفي الرسالة الأولى يسعى الوزير الفرنسي إلى دحض القناعة التي تبدو مترسخة لدى القيادة الإيرانية، وقوامها أن طهران هي المستفيدة من عامل الوقت الذي يمكنها من السير في برنامجها النووي، وتطويره واستغلال ذلك للحصول على تنازلات يرفض الأميركيون ومعهم الغربيون تقديمها للمفاوض الإيراني.
وثمة قناعة غربية أن الجانب الإيراني من خلال تسريع التخصيب والارتقاء بمستواه إنما يسعى حقيقة إلى بلوغ العتبة النووية. من هنا، الرسالة الثانية للو دريان حيث يقول إنه «مع ازدياد خطورة البرنامج النووي (الإيراني)، فإن احتمالات اندلاع أزمة كبرى تتزايد» ما يبدو أنه إشارة مباشرة لبحث الأميركيين والإسرائيليين لخطة احتواء المهارات النووي الإيرانية بطرق بعيدة عن الدبلوماسية.
وقال مسؤول بالرئاسة الفرنسية، أمس، إن على إيران العودة إلى المحادثات لتجنب أي تصعيد، مضيفاً: {لا ضرورة لوضع شروط جديدة لأن معايير الاتفاق واضحة}.
وحض المسؤول القوى العالمية التي تتفاوض مع إيران على بقائها موحدة، والصين بشكل خاص لـ{التعبير عن نفسها
والتصرف بطريقة أكثر حزماً}. ويحيل الموقف الفرنسي إلى المقولة الأميركية التي تؤكد أن «فرصة التفاوض ليست مفتوحة إلى الأبد» وإلى تسريبات تضج بها الصحافة الأميركية حول أوجه الخطة العتيدة. كذلك تجدر الإشارة إلى التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي من الأمم المتحدة والتي تعهد فيها بالتدخل المباشر لمنع إيران من التحول إلى قوة نووية تضع حداً لتفرد إسرائيل بهذا السلاح في الشرق الأوسط.
يلجأ لو دريان لحجة جديدة محاولاً إقناع إيران باعتماد بعض الليونة، وذلك بتذكيرها بأن «المواقف الأميركية السابقة» في إشارة إلى إدارة الرئيس ترمب وانسحابها من الاتفاق النووي في عام 2018، «لا تبرر استمرار إيران في انتهاك التزاماتها» المنصوص عليها في اتفاق 2015. ولأن باريس لا تكتفي بالدور الذي تقوم به في إطار مجموعة التفاوض في فيينا مع إيران «التي تضمها إلى جانب بريطانيا وألمانيا وروسيا والصين وممثل عن الاتحاد الأوروبي»، فإن لو دريان أشار إلى أن بلاده «ستقوم بإطلاق مبادرات مفيدة من أجل الحوار» ممتنعاً عن توضيح طبيعة المبادرات وفحواها وزمنيتها علماً بأن كافة الأطراف المعنية تحث طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا التي هجرتها منذ مائة يوم. وليس من المستبعد أن تسعى باريس التي سوف تترأس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر بدءاً من يناير (كانون الثاني) المقبل، إلى لعب دور «الوسيط» بين واشنطن وطهران، كالذي لعبته خريف عام 2019 عندما كانت ترأس مجموعة السبع.
وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بغداد، على هامش قمة الجوار، كما أنه اتصل مرتين بالرئيس الإيراني الجديد. وثمة اعتقاد أن تسهيل تشكيل حكومة لبنانية جديدة جاء بتفاهم فرنسي ــ إيراني ما يعني أن خط التواصل بين الطرفين مفتوح ويمكن أن تشهد الأسابيع القادمة زيارة عبد اللهيان إلى باريس بناءً على دعوة قال إن ماكرون وجهها إليه. هل سيكون بمقدور باريس تحقيق اختراق ما؟ السؤال مطروح لكن الواضح أن الجانب الإيراني، إذا أراد إظهار الليونة، فإنه سيطلب مقابلاً لها والجهة القادرة على توفيره هي واشنطن وبالتالي فإن دور باريس لن يتعدى نقل الرسائل بالاتجاهين.



نتنياهو يستطيع تمرير«اتفاق غزة» ولو عارضه بن غفير وسموتريتش

إسرائيلي يشارك باحتجاج قرب مكتب نتنياهو بالقدس للمطالبة بالعمل على تحرير الأسرى الثلاثاء (رويترز)
إسرائيلي يشارك باحتجاج قرب مكتب نتنياهو بالقدس للمطالبة بالعمل على تحرير الأسرى الثلاثاء (رويترز)
TT

نتنياهو يستطيع تمرير«اتفاق غزة» ولو عارضه بن غفير وسموتريتش

إسرائيلي يشارك باحتجاج قرب مكتب نتنياهو بالقدس للمطالبة بالعمل على تحرير الأسرى الثلاثاء (رويترز)
إسرائيلي يشارك باحتجاج قرب مكتب نتنياهو بالقدس للمطالبة بالعمل على تحرير الأسرى الثلاثاء (رويترز)

بحسب القانون الإسرائيلي، توجد عوائق غير قليلة أمام تمرير الصفقة مع «حماس» لوقف إطلاق النار الدائم وتبادل الأسرى، لكن، إذا أراد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الصفقة فإن هذه العوائق فضفاضة جداً، وقابلة للنقض من الحكومة، ولا مجال للاعتقاد بأنها ستؤدي إلى منع الصفقة.

فأولاً، الحكومة هي الجسم المخوَّل لإقرار الصفقة. وفقط إذا أراد رئيسها الحصول على توسيع قاعدة التأييد لها فسيطرحها على الكنيست. وكما هو معروف فإن غالبية الوزراء الساحقة، 23 من 30 وزيراً، يؤيدون الصفقة بشكل مؤكد. والمعارضون هم وزراء «الصهيونية الدينية» بقيادة بتسلئيل سموتريتش، الذين يؤكدون انهم سيصوِّتون ضدها، ولكنهم لا يريدون الانسحاب من الحكومة والتسبب بإسقاطها، ووزراء حزب «عظمة يهودية» بقيادة إيتمار بن غفير، الذي يتردد في موضوع البقاء في الحكومة أو الانسحاب. وحاول تجنيد سموتريتش للضغط لأجل إفشال الصفقة. ولكن، لنفترض أنه انسحب، فلديه 6 نواب من مجموع 68، وانسحابه يبقي الحكومة بأكثرية. والتقدير هو أنه لن ينحسب، خوفاً من رد فعل الجمهور؛ فإسقاط الحكومة يعني التوجه لانتخابات. والاستطلاعات واضحة للغاية، وتشير إلى أن الائتلاف الحالي سيخسر الحكم بشكل مؤكد إذا توجه لانتخابات. ولن يكون سهلاً عليه تحمُّل تبعات خسارة اليمين الحكم. وقسم من رفاقه يقولون له: «لدى اليمين الإسرائيلي قضايا أهم بكثير من قضية الصفقة».

إسرائيلية تحمل لافتة عليها صور أسرى لدى «حماس» خلال احتجاج خارج مكتب نتنياهو بالقدس الثلاثاء (أ.ف.ب)

وبالفعل، لدى اليمين الإسرائيلي أجندة عامرة بالمخططات التي تستهدف إحداث انقلاب جوهري في السياسة الإسرائيلية، مثل: تصفية القضية الفلسطينية؛ وتعزيز وتوسيع الاستيطان؛ وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية؛ وتنفيذ خطة تغيير منظومة الحكم؛ وإضعاف جهاز القضاء؛ وتغيير تفكير القيادة العسكرية؛ وغيرها.

والسؤال هو: هل سيفرط نتنياهو ببن غفير؟ والجواب: سيعمل كل ما بوسعه لكي يبقى بن غفير في الحكومة. ولكن، إذا كان الخيار إرضاء بن غفير أو إرضاء الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، فإن نتنياهو سيحسم باتجاه ترمب.

وثانياً، إذا أراد نتنياهو منح الكنيست مكانة في هذه القضية، فإن التأييد هنا سيكبر أكثر؛ إذ إن أربعة أحزاب معارضة أعلنت انها مستعدة لمنح نتنياهو ضمانة تأييد مطلق، وهي: «يوجد مستقبل» بقيادة لبيد (24 نائباً)، و«المعسكر الرسمي» بقيادة غانتس (8 نواب)، و«القائمة العربية الموحدة» بقيادة منصور عباس (5 مقاعد)، و«الديمقراطيون» بقيادة يائير غورن (4 نواب). عملياً، يمكن لنتنياهو أن يجرف تأييد نحو 100 نائب لهذه الصفقة. ولكن، كما أشرنا، فإن نتنياهو لا يحتاج إلى هذا التأييد من الناحية القانونية. ولا يحتاج إليه من الناحيتين السياسية والمعنوية أيضاً.

صحافيون خارج مكتب نتنياهو بالقدس الثلاثاء (أ.ف.ب)

ثالثاً، عندما يطرح الاتفاق حول الصفقة على الحكومة، يلزم القانون بنشرها في غضون 48 ساعة، حتى يتاح للمواطنين المتضررين أن يعترضوا عليها إلى المحكمة العليا. ومع أن القانون الجديد، الذي سن عام 2014، يضع عراقيل أمام الصفقات، فإن المحكمة العليا عدَّت الصفقات من هذا النوع شأناً سياسياً أمنياً يقع تحت صلاحيات الحكومة وحدها ورفضت التدخل. ولذلك ردت الدعاوى. ويتوقع أن تردها هذه المرة أيضاً في حال طرحها أمامها.

رابعاً، هناك حاجة للإشارة إلى أنه حتى عام 2008، كانت الحكومة صاحبة القرار الوحيدة في الصفقات، وكان رئيس الدولة صاحب الصلاحية في منح عفو عن الأسرى الفلسطينيين، في حال الحكم عليهم بالسجن في محكمة مدنية، ولقيادة الجيش في حال جاء الحكم عليهم من محكمة عسكرية. وفي حينه، استخدم نتنياهو، وهو في المعارضة، «قضية شاليط» لتغيير القانون حتى يمنع سلفه، إيهود أولمرت من تمرير صفقة. وفي ذلك الوقت رفض أولمرت تمرير الصفقة مع «حماس» حول إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، لكن نتنياهو نفسه مرر صفقة شاليط، عندما تسلم الحكم، وتخلى عن معارضته. وقد أثارت تلك الصفقة اعتراضاً وموجة غضب في صفوف اليمين، وطالبوا بِسَنِّ قانون يقيد الحكومات، ويمنعها من تنفيذ صفقات تبادل أسرى. وخلال الفترة منذ تنفيذها (2011)، وحتى ما بعد حرب 2014، ظل نتنياهو يتهرب من سَنّ قانون جديد، وأقام لجنة عُرفت باسم شمغار، على اسم رئيسها القاضي مئير شمغار، لوضع أسس جديدة لصفقات التبادل. وجاءت توصياتها حازمة ضد الصفقات التي يتم فيها إطلاق سراح جماعي للأسرى الفلسطينيين. لكن هذه التوصيات أهملت، ولم تطرح للتصويت حتى اليوم.

الوزيران اليمينيان المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش خلال جلسة للكنيست (أرشيفية - رويترز)

في السنة نفسها، 2014، تم تعديل القانون بغرض تصعيب عملية إبرام صفقات كهذه، فتم سحب الصلاحيات من رئيس الدولة، وأصبحت الحكومة صاحبة الصلاحيات الوحيدة في التوصية على صفقة، وبعدها يقرر الرئيس أن يمنح عفواً أم لا. وتمت إضافة شروط لإطلاق سراح الأسرى، مثل: أن يكون ذلك ضمن اتفاق سياسي مع دولة، أو أن يكون بمثابة حاجة سياسية مُلحة. وبعد هذا التعديل تم إطلاق سراح سوريين معتقلين في إسرائيل في سنة 2019 مقابل تسلُّم رفات الأسير الإسرائيلي زخاريا باومل، وتم فيها تجاوز القانون، لكن المستشار القضائي للحكومة، آنذاك، صادق عليها.

من هنا، فإن تمرير الصفقة سيكون سهلاً، في اللحظة التي يتمكن فيها نتنياهو من تمريرها في حكومته. ولا توجد أخطار تهددها، بل سيكون لها تأييد شعبي واسع، رغم اعتراض اليمين المتطرف.