حصيلة الحوار العسكري والسياسي الأميركي ـ الروسي حول سوريا

لقاء رئيسي الأركان الروسي فاليري غيراسيموف والأميركي مارك ميلي في هلسنكي الأربعاء الماضي (سبوتنيك)
لقاء رئيسي الأركان الروسي فاليري غيراسيموف والأميركي مارك ميلي في هلسنكي الأربعاء الماضي (سبوتنيك)
TT

حصيلة الحوار العسكري والسياسي الأميركي ـ الروسي حول سوريا

لقاء رئيسي الأركان الروسي فاليري غيراسيموف والأميركي مارك ميلي في هلسنكي الأربعاء الماضي (سبوتنيك)
لقاء رئيسي الأركان الروسي فاليري غيراسيموف والأميركي مارك ميلي في هلسنكي الأربعاء الماضي (سبوتنيك)

في الأسبوعين الماضيين، حصل لقاءان مهمان، سياسي وعسكري، بين الجانبين الأميركي والروسي، تناولا الملف السوري. اللقاء الأول، كان بين مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين بجنيف في 15 الشهر الجاري، والثاني، ضم رئيسي هيئة الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، والأميركي مارك ميلي قرب هلسنكي الأربعاء الماضي.
منذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض وبدء التحضير لقمته مع بوتين بجنيف في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، أبلغ الأميركيون الجانب الروسي أن أي حوار بينهما حول سوريا واستئناف «قناة فيينا السرية» بينهما لن يحصل قبل تمديد القرار الدولي الخاص بالمساعدات الدولية «عبر الحدود»، وأن هذا سيكون «الاختبار» لتقدم العلاقات. وفي بداية يوليو (تموز) الماضي، اجتمع مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافريينيف في جنيف، ومهدوا لاتفاق على مسودة القرار الدولي للمساعدات، الذي تضمن قبولاً أميركياً بشروط روسية خصوصاً تمويل «التعافي المبكر» وإيصال المساعدات «عبر الخطوط» وتخفيف العقوبات وإجراءات «قانون قيصر» ضد دمشق، مقابل تصويت موسكو لصالح القرار الدولي لـ6 - 12 شهراً، وهذا ما حصل.
اجتماع ماكغورك - فرشينين - لافريينيف بجنيف في 15 الشهر الجاري، كان أول اجتماع بعد «الاتفاق التاريخي» على قرار المساعدات، لكن ماذا حصل فيه؟
حسب تقرير دبلوماسي عن الاجتماع اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإن تقييم النتائج «يختلف حسب التوقعات منه»، إذ إنه، من جهة، تضمن اختراقاً باستئناف الحوار الروسي - الأميركي الذي كان تعرقل خلال زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب باستثناء لقاءين حصلا بين فرشينين والمبعوث الأميركي السابق جيمس جيفري ونائبه جويل روبرن في جنيف وفيينا في صيف العام الماضي. كما تضمن لقاء ماكغورك - فرشينين - لافرنييف الأخير، استمراراً للحوار حول ملف المساعدات الإنسانية.
وحسب التقويم الدبلوماسي، فإن الجانب الروسي «عاتب» الجانب الأميركي على أمور محددة، مثل: «عدم تقديم إعفاءات من عقوبات قانون قيصر وعدم تخفيف الضغوطات على الرئيس بشار الأسد وعدم استعجال منح موافقة للبنك الدولي لتمويل إصلاح خط الغاز العربي في الأراضي السورية»، علماً بأن مصر والأردن ولبنان طلبت من واشنطن رسالة خطية تتضمن القول إن خط «الغاز العربي» ليس مشمولاً بعقوبات «قيصر».
كما عبر الوفد الروسي لنظيره الأميركي في جنيف عن «الانزعاج من بطء إيصال المساعدات وقوافل برنامج الغذاء العالمي عبر خطوط التماس»، وأنه لمح إلى أنه في حال عدم حصول تقدم في ذلك، فإن موسكو لن تمدد القرار الدولي بعد انتهاء مهلة الستة أشهر في بداية العام المقبل. وقال دبلوماسي غربي: «هذا يعد تراجعاً عن التزام شفوي قدمه فرشينين لماكغورك في اجتماع بداية يوليو (تموز) الماضي».
في المقابل، جدد الجانب الأميركي في الاجتماع الأخير، حسب التقرير الدبلوماسي، المطالبة بتسهيل وصول المساعدات الدولية إلى جميع السوريين وتحريك العملية السياسية واللجنة الدستورية ووقف نار شامل للنار في البلاد وتجميد العمليات العسكرية. وكان لافتاً أن اجتماعاً تنسيقياً داخل المؤسسات الأميركية عقد مع ماكغورك قبل توجه الأخير لجنيف، بهدف «ضبط إيقاع الموقف الأميركي». وأوضح دبلوماسي: «شعر بعض الأميركيين بخيبة من نتائج الاجتماع، لأن البعض كان يعتقد أن الجانب الروسي سيجلب شيئاً إلى طاولة المفاوضات، لكن هذا لم يحصل». وتابع: «هناك شعور بأن الاجتماع فرصة ضائعة لتحريك الملف السوري. وهناك أيضاً شعور بأن الروس لو أرادوا التحرك لكانوا تحركوا منذ سنوات، لذلك يزداد تراجع اهتمام الأميركيين بالملف السوري».
وكان المبعوث الأممي غير بيدرسن وأطراف أخرى يراهنون على تفاهم روسي - أميركي يفسح المجال لتطبيق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» وتأسيس لجنة اتصال دولية - إقليمية لتفاهمات ومقايضات كبرى وصغيرة حول سوريا. ويرى بعض المسؤولين أن بوتين حث الرئيس بشار الأسد خلال لقائهما الأخير في موسكو على التحرك في عملية السلام واللجنة الدستورية بموجب القرار 2254 بعد خطوات الانفتاح العربية تجاه دمشق من بوابة الأمم المتحدة والحدود الأردنية. وقال مبعوث أوروبي أمس: «موافقة دمشق على بدء اللجنة الدستورية بصوغ الدستور بجنيف في 9 الشهر المقبل، كان بطلب روسي رداً على الخطوات العربية لتشجيع العرب على مزيد من خطوات التطبيع».
أما بالنسبة إلى الاجتماع الروسي - الأميركي الثاني، بين رئيسي الأركان، فتناول الحوار الاستراتيجي الأوسع بين الطرفين. لكن في الإطار، جرى التأكيد على التزام الطرفين باتفاق «منع الصدام» بين الجيشين بعد ارتفاع أولوية محاربة الإرهاب في سوريا وتوفير الاستقرار، حسب قول الدبلوماسي.
وأضاف: «أميركا جددت قرارها البقاء عسكرياً شمال شرقي سوريا وفي قاعدة التنف بعد الانسحاب من أفغانستان. أراد الطرفان التأكيد على التزام منع الاشتباك واستمرار تبادل المعلومات خلال عملياتهما ضد الإرهاب وتنظيم داعش، خصوصاً أن الطيران الروسي يضرب في البادية قرب القوات الأميركية، وتسير دوريات الجيشين بعضها قرب بعض شرق الفرات. كما أن أميركا شنت غارة ضد قيادي من تنظيم القاعدة في إدلب، وهي محسوبة أنها منطقة نفوذ روسية. كل هذا يتطلب استمرار تبادل الإحداثيات العسكرية». وتابع الدبلوماسي أن هناك اقتراحاً لعقد لقاء جديد روسي - أميركي - إسرائيلي يتضمن تبادل المعلومات، خصوصاً بعدما أسفرت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي مائير لابيد إلى موسكو عن تجديد عمل «آلية منع الصدام» بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا، الأمر الذي سيجري التأكيد عليه خلال لقاء رئيس الوزراء نفتالي بنيت وبوتين في موسكو بعد أيام.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.