سيدات لبنان يلجأن إلى الدراجات النارية لحل أزمة النقل

في إطار البحث عن وسائل بديلة في غياب المواصلات العامة

مشهد الطوابير الطويلة من السيارات يتكرر يومياً أمام محطات البنزين في لبنان (أ.ب)
مشهد الطوابير الطويلة من السيارات يتكرر يومياً أمام محطات البنزين في لبنان (أ.ب)
TT

سيدات لبنان يلجأن إلى الدراجات النارية لحل أزمة النقل

مشهد الطوابير الطويلة من السيارات يتكرر يومياً أمام محطات البنزين في لبنان (أ.ب)
مشهد الطوابير الطويلة من السيارات يتكرر يومياً أمام محطات البنزين في لبنان (أ.ب)

تنتقل اللبنانية لانا شحادة على دراجتها النارية الصغيرة كل صباح من منزلها الكائن في منطقة دوحة عرمون (جبل لبنان) متجهة إلى عملها في منطقة الحمرا في العاصمة بيروت. تحمل أغراضها في حقيبة تضعها على ظهرها، تعتمر خوذتها... وتنطلق.
وفي وقت يعيش فيه اللبنانيون أسوأ أزمة محروقات تشل البلاد، تمر لانا من أمام طوابير السيارات اللامتناهية من دون أن تكترث لزحمة السير الخانقة التي سببتها تلك الطوابير، ولا تخشى نفاد مادة البنزين من دراجتها، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنها حتى الآن لم تضطر إلى التغيب عن عملها كمصممة غرافيك في إحدى الشركات بسبب تلك الأزمة التي تشل الوطن والمواطنين، على عكس زملائها.
ومؤخراً مع اشتداد أزمة المحروقات واضطرار اللبنانيين إلى الوقوف في «طوابير» أمام محطات البنزين للتمكن من تعبئة سياراتهم، ومع فقدان قيمة الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها وارتفاع كلفة صيانة السيارات وكذلك تكلفة النقل العام، يبحث اللبنانيون عن وسائل بديلة تقلهم إلى أعمالهم وتقضي حاجاتهم اليومية من دون الاضطرار إلى دفع تكاليف باهظة تقضم رواتبهم التي أصبحت لا تكفي متطلباتهم الحياتية.
وكثرت في الآونة الأخيرة رؤية النساء يقدن دراجات نارية على اعتبار أنها وسيلة نقل سهلة وغير مكلفة.
وتروي لانا أنها بدأت بقيادة الدراجة النارية عقب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أي مع بداية أزمة الدولار في لبنان، وتقول: «طالما أحببت الدراجة النارية لكن لم يتقبل أهلي، خصوصاً أخي الفكرة في السابق، وكان لديهم بعض المخاوف من نظرة المجتمع لفتاة تقود دراجة نارية»، وتضيف: «لكن بعد الثورة تقبلوا الموضوع وكأن أخي ثار على أفكاره السابقة بعد أن شاهد العديد من الفتيات يقدن دراجات نارية وتأكد حينها أن المشكلة في الأشخاص الذين يعيبون ركوب الفتيات للدراجة النارية لا بالفتيات ذاتهن».
وتحكي لانا تجربتها أمام محطات الوقود وتضحك عندما تروي أن «الفتاة التي تقود دراجة نارية تستطيع تعبئة الوقود لدراجتها أكثر من الشباب»، وتشرح: «عندما أجد محطة بنزين تقوم بتعبئة المادة للدراجات النارية، ووسط ازدحام الدراجات التي يقودها الرجال، يعبئ العاملون في المحطة دراجتي قبل جميع المصطفين أمام الخراطيم عندما ينتبهون إلى أن فتاة تريد تعبئة دراجتها... ربما خجلاً من أن أنتظر بالصف كما يفعلون مع سائقي الدراجات الذكور». ووفقاً لها، يطلب منها بعض الزملاء أن تأخذ دراجاتهم النارية إلى المحطات لملئها بالمادة النادرة، بعدما فشلوا في تعبئتها بأنفسهم، «لكني لا أقبل» تؤكد لانا.
ومع ازدياد الطلب على مادة البنزين في السوق مع تقليل الاستيراد من الخارج بسبب شح الاعتمادات التي يخصصها مصرف لبنان لدعم استيراد المحروقات، برزت السوق السوداء بشكل لافت، وأصبح تجار السوق السوداء يقفون في الطوابير مرات عدة في اليوم لشراء المحروقات من المحطات بالسعر الرسمي الذي بلغ أكثر من 210 آلاف ليرة لبنانية (13 دولاراً) لصفيحة البنزين منذ يومين، ويبيعونها بالسوق السوداء لأشخاص لديهم قدرة شرائية بأسعار تصل إلى المليون ليرة لبنانية (65 دولاراً) للصفيحة.
وأغلبية تجار السوق السوداء هم من أصحاب الدراجات النارية ويقومون بملء دراجاتهم عشرات المرات في اليوم ثم يفرغونها في غالونات لبيعها، ما دفع أصحاب المحطات إلى الامتناع عن التعبئة لكل سائقي الدراجات، نظراً للزحمة التي يسببونها من جهة ولتجارتهم بالمادة من جهة أخرى.
وتملك لانا سيارة لكنها نادراً ما تستخدمها مؤخراً «إلا في الحالات الطارئة أو في مشاوير الليل»، بحسب قولها.
طريقة أخرى يلجأ إليها إيلي ضاهر وغيره من اللبنانيين للوصول إلى مكان عمله بأقل خسائر ممكنة، فهو يسكن في منطقة الدامور (جنوب بيروت) اتفق مع أربعة من جيرانه على «برنامج توصيلات»، ويفسر لـ«الشرق الأوسط» «نحن الخمسة نعمل من الاثنين إلى الجمعة في بيروت، فاتفقنا على أن نذهب كل يوم إلى أشغالنا بسيارة واحدة يقوم صاحبها بإيصال البقية إلى أقرب نقطة إلى عملهم ثم يقلهم من نفس النقطة».
ويشرح إيلي، وهو مهندس، أن أزمة المحروقات، إن كان لناحية ارتفاع أسعارها أو انقطاعها، دفعت بالكثيرين إلى إيجاد وسائل بديلة في ظل عدم وجود خطط نقل مشترك في لبنان وغياب الحلول، ويقول: «أجرة التاكسي من بيتي في الدامور إلى مقر عملي في وسط بيروت تتخطى الـ400 ألف ليرة لبنانية ذهاباً وإياباً ومصروف الوقود في سيارتي خرافي... فكان لا بد من إيجاد بديل».
وعن التجربة، يحكي إيلي أنها مريحة أكثر من ناحية المصروف لكنها مربكة أحياناً، ويضيف «علينا في بعض الأحيان انتظار أحدهم فيتأخر الأربعة الآخرون عن عملهم بسبب شخص واحد، أو يتحتم علي التحدث مع الشباب منذ الصباح الباكر من باب الأخلاقيات حتى لو كان مزاجي عكراً أو لا أريد الكلام... لها سلبياتها وإيجابياتها».
وبحسب إيلي الـ«pullover» أو «أوتوكار الجيران» على حد وصفه، هو الحل الأنسب حالياً وبهذه الطريقة نكون قد استخدمنا سياراتنا مرة في الأسبوع وخففنا مصروف بنزين وحرقة أعصاب على المحطات وأيضاً أسهمنا في تخفيف زحمة السير».
ومعظم المواطنين الذين يعملون في العاصمة يسكنون خارجها، ويعتمد أكثر من نصف اللبنانيين على سياراتهم الخاصة في التنقل ويحوي البيت الواحد على سيارة لكل فرد خصوصاً العائلات التي تسكن خارج العاصمة، ومع اشتداد أزمة المحروقات اتسعت المسافات بين هؤلاء الأفراد وأماكن عملهم كما ارتفعت الكلفة إلى حد كبير، فكان لا بد من حل يقربهم من مكان عملهم ويخفف أعباء المصروف، ومن بين هؤلاء لارا الديك التي لملمت أغراضها وأغراض زوجها وجهزت الحقائب وأفرغت البراد وأغلقت نوافذ منزلهما في المتن وأقفلت الباب واتجهت مع زوجها إلى بيت أهلها في المصيطبة (بيروت)، كما تقول لـ«الشرق الأوسط».
«لا نعلم متى نعود إلى بيتنا حالياً نحن في حالة تهجير لكننا اكتفينا من التوتر والقلق» على حد تعبيرها، وتضيف «كلفة البنزين أصبحت تفوق قدرتنا هذا أصلاً إن توفرت، وهناك مخاطرة كبيرة بعدم الذهاب إلى العمل بسبب الأزمة، فرؤساء العمل يريدون حجة لفصل الموظفين ولا نريد إعطاءهم الحجة في هذه الظروف».
وتغضب لارا عندما تتحدث عن بنزين السوق السوداء الذي اضطرت لشرائه مرات عدة بعدما باءت كل محاولاتها أمام المحطات بالفشل «600 ألف ليرة لبنانية لصفيحة بنزين واحدة! دفعت المبلغ من اللحم الحي لكني لم أجد وسيلة أخرى. تغيبت عن العمل يومين بسبب البنزين على أمل أن أتمكن من التعبئة وآخر المطاف فرغ خزان سيارتي وأنا أنتظر دوري في الطابور». ولا تتصرف لارا وزوجها بأريحية في منزل العائلة خصوصاً أنهما لا يتمتعان بالخصوصية الكافية في بيت يسكنه والدها ووالدتها وإخوتها الأربعة، لكنها تؤكد أنها تفضل هذه الفوضى على القلق اليومي وزحمة السير والخوف على باب رزقها.



«اجتماع مدريد»... مساعٍ جديدة لدعم جهود الوسطاء نحو «هدنة غزة»

فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين بعد تعرّضها لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين بعد تعرّضها لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«اجتماع مدريد»... مساعٍ جديدة لدعم جهود الوسطاء نحو «هدنة غزة»

فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين بعد تعرّضها لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين بعد تعرّضها لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

بعد محادثات في الدوحة مع «حماس»، عدّها الوسطاء «بادرة أمل»، تعالت مطالب مشاركين في اجتماع وزاري عربي - إسلامي - أوروبي في مدريد، بأهمية «وقف إطلاق النار بغزة»، قبيل اجتماعات أممية تخشى إسرائيل من أنها ستدعم الحقوق الفلسطينية.

«اجتماع مدريد» الذي عدّته القاهرة «فرصة مهمة»، ضمن جهود أممية لوقف الحرب في غزة، يراه خبراء -تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»- «مساعي جديدة ومهمة خصوصاً أنه يأتي في توقيت تقف فيه المفاوضات في ظرف حرج وتحتاج إلى دفعة، وقد يشكّل الاجتماع ضغطاً دولياً على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو».

«اجتماع مدريد» يهدف إلى «التنسيق حول الأوضاع في غزة وخطوات تنفيذ حل الدولتين، والتحضير للحدث رفيع المستوى في هذا الشأن على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79»، وفق إفادة وزارة الخارجية السعودية، الجمعة. ويشارك في الاجتماع «أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة (التي أُقيمت في الرياض خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023)».

وعدّت وزارة الخارجية المصرية، الجمعة، «اجتماع مدريد» الذي يشارك فيه وزيرها بدر عبد العاطي بأنه «سيمثّل فرصة مهمة للتشاور حول سبل دفع جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، وتنفيذ حل الدولتين».

وبحضور وزاري عربي - أوروبي، بينهم وزراء خارجية المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وفلسطين، قال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، في مؤتمر صحافي: «نأمل أن يُسهم الاجتماع في دفع سبل إنهاء الحرب على غزة (...) نحن نفتح جهوداً جديدة لدعم مستقبل للفلسطينيين وسلام دائم وحل الدولتين، ونجتمع لإيصال صوت موحد عربي وإسلامي وأوروبي في هذا الصدد، وللتنسيق للاجتماعات المقبلة».

وشدد الوزير الإسباني على «دعم جهود قطر ومصر والولايات المتحدة، لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن»، مؤكداً أنه «يجب أن تقف الحرب الآن، ولا داعي لذرائع لتمديد معاناة الملايين».

تلك المطالب سينضم إليها تصويت أممي محتمل، الأربعاء المقبل، في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، على مشروع قرار فلسطيني يطالب إسرائيل بإنهاء «وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 6 أشهر»، في حين دعا السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الجمعية العامة إلى «رفض هذا القرار الشائن بشكل قاطع».

آثار القصف الإسرائيلي على مباني شمال قطاع غزة (رويترز)

ومع ذلك الحراك الجديد، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، أننا أمام «مشهد جديد» تحاول فيه الأسرة الدولية حتى في غياب الولايات المتحدة، تأكيد أن أسس عملية مدريد (التي قادت لعملية سلام في 1991) باقية، وأن أسس الحل واحدة، لافتاً إلى أن «اجتماع مدريد» «سيكون مخصصاً لدعم الأمور العاجلة، وعلى رأسها وقف إطلاق النار بغزة وتعزيز جهود الوسطاء»، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإسباني.

ويعتقد حجازي أن الاجتماع بكل تأكيد «هو بلورة للموقف الدولي نحو الهدنة»، ونوع من الضغوط على الإدارة الأميركية، ويقدّم إليها الآلية التي يمكن من خلالها النفاذ إلى جهود الحل «إذا ما رغبت في ذلك».

نتائج «اجتماع مدريد»، بالإضافة إلى التصويت الأممي، يراها المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، «مساعي جديدة من باب الضغط الدبلوماسي وترتيب الأوراق مع الأصدقاء الأوروبيين، وقد تُسهم في تحريك ملف الهدنة»، مضيفاً: «لكن رغم أهمية الحراك، مَن يمتلك الضغط الحقيقي على نتنياهو، الولايات المتحدة غير المشاركة في الاجتماع، وعليها دور كبير في وقف ما يحدث بغزة لو تحركت بجدية».

في المقابل، ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية، الخميس، أن هناك «استعدادات في إسرائيل ونيويورك لإدارة معركة لمواجهة الخطوات الدراماتيكية التي تعمل عليها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة»، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي «هزيمة لواء رفح» التابع لـ«حماس»، وعدم العثور على أي أنفاق «نشطة» في الحدود مع مصر، وفق ما نقلته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤولين عسكريين، الخميس.

صورة اُلتقطت في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تُظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ويسيطر الجيش الإسرائيلي حالياً على رفح الفلسطينية، والمنطقة الحدودية مع مصر، التي تشمل «محور فيلادلفيا» منذ مايو (أيار) الماضي، ولا يزال رفض نتنياهو مغادرتها عقبة رئيسية في المفاوضات؛ إذ يتذرع بأن الأنفاق تشهد تهريباً للسلاح إلى «حماس»، وهو ما نفته مصر، وطالبته بالانسحاب الفوري منه مراراً.

ووسط تأزم بالمفاوضات بسبب تلك العقبات، قال مصدر مصري رفيع المستوى، الأربعاء، في تصريحات لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، إن اجتماعاً حضرته «حماس» بالدوحة مع الوسطاء «يشكّل بادرة أمل» نحو عقد اتفاق.

ولا يرى حجازي أن «هناك بادرة لأن يغيّر نتنياهو مسار العنف الذي يتبناه ما لم تغيّر الولايات المتحدة أسلوبها تجاهه بشكل صارم وجاد»، ويستدرك: «أشك في ذلك، لذا سيبقى الوضع على ما هو عليه لما بعد الانتخابات الأميركية». وعوّل على «استمرار الجهود الدولية لدعم التوصل لاتفاق بوصفه أملاً وحيداً متبقياً لإنهاء التصعيد في المنطقة».

ووفق الرقب فإن العقبات التي لا تزال موجودة أمام إبرام اتفاق لا تتوقف على «محور فيلادلفيا» فقط، فهناك خلافات بشأن عدد الأسرى والمطالبات الإسرائيلية بـ«فيتو» على بعض الأسماء الفلسطينية، والوجود في الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وعودة النازحين بحرية دون تفتيش. ولفت إلى أن الحديث الإسرائيلي عن عدم وجود أنشطة بالأنفاق تأكيد على أحاديث القاهرة المتكررة، لكن على أرض الواقع هناك أبراج مراقبة وتوسعات تنشئها إسرائيل تؤكد أن نتنياهو لا يريد أي حل لهذه العقبة في هذا المحور.