تواجه الولايات المتحدة أسبوعا ساخنا حتى بداية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث تقترب من الحد القانوني لقدرتها على الاقتراض، وإذا لم يتم تعليق أو رفع سقف الديون خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، فسوف تواجه الولايات المتحدة صعوبات في دفع الديون والفواتير ورواتب الموظفين الفيدراليين، وعجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه حاملي السندات مما قد يضر بالاستقرار المالي للدولة.
وقد تجاوزت الديون الأميركية 28 تريليون دولار، وهو رقم أكبر من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة. وتكافح إدارة بايدن لجذب الجمهوريين لتحقيق توافق حزبي بشأن هذه القضية. وتشير تقديرات وكالة موديز أن التداعيات الاقتصادية من عدم التوافق التشريعي لرفع سقف الدين قد يؤدي إلى تراجع كبير في سوق الأسهم وقد يؤدي التخلف عن سداد مديونيات الحكومة إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وسيؤثر على سندات الخزانة الأميركية ورفع معدلات فائدة أعلى بسبب المخاطر.
ويكافح الديمقراطيون في مجلس الشيوخ لرفع سقف الدين الأميركي وتجنب إغلاق الحكومة الفيدرالية، ويحاولون الضغط على الجمهوريين لقبول زيادة سقف الدين التي يرفضها قادة الحزب الجمهوري بقوة، ويقترحون تعليق سقف الديون حتى ديسمبر (كانون الأول) 2022 لكن لا يبدو أن هناك اتفاقا وتعاونا من جانب الجمهوريين. وقد أعرب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل رفضه لرفع سقف الديون. وقال للصحافيين الأسبوع الماضي «دعوني أكون واضحا تماما، الجمهوريون متحدون في معارضة رفع سقف الديون»، فيما كررت وزير الخزانة جانبين يلين تحذيراتها من أن الفشل في رفع سقف الدين سيؤدي إلى كوارث اقتصادية واسعة النطاق.
ومن المقرر أن يصوت مجلس الشيوخ يوم الاثنين على مشروع قانون أقره مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، لتمويل الحكومة حتى أوائل ديسمبر وتعليق سقف الديون حتى عام 2022 لكن يمضي الجمهوريون نحو منع مشروع القانون من الحصول على التصويت. وإذا أصر الجمهوريون على الاعتراض على رفع سقف الدين فإن الحكومة الفيدرالية الأميركية ستكون على أبواب الإغلاق والتخلف عن سداد الديون بما يحمله من عواقب اقتصادية واسعة النطاق.
ويملك الحزب الديمقراطي 50 مقعدا في مجلس الشيوخ ويمكنهم تمرير القانون بأغلبية بسيطة فقط إذا وافق الجمهوريون على عدم تعطيل مشروع القانون. ويتفق الجمهوريون مع الديمقراطيين على أنه ينبغي تجنب التخلف عن سداد المديونيات الأميركية إلا أن الجمهوريين يلعبون لعبة مناورة سياسية حيث يريدون دفع الديمقراطيين إلى رفع سقف الدين كجزء من فاتورة الإنفاق البالغة 3.5 تريليون دولار. وسيضطر معه الديمقراطيون إلى الإعلان عن رقم معين يريدون فيه سقف الاقتراض، وهو رقم سيصبح عنصرا رئيسيا في الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري للهجوم على منافسيهم الديمقراطيين في انتخابات التجديد التشريعي.
ولطالما كان المشرعون يخشون التصويت لصالح رفع سقف الدين بسبب التكلفة السياسية والظهور بمظهر التحريض على الإسراف في الإنفاق الحكومي بطريقة يمكن أن تجلب لهم انتقادات وجمات من الخصوم السياسيين. وقد رفع المشرعون أو علقوا سقف الديون ما يقرب من 80 مرة منذ عام 1960، لكن المواجهة الحزبية شديدة وعميقة هذه المرة مما يشير إلى استخدام سقف الدين كسلاح سياسي يشهره الجمهوريون في وجه منافسيهم الديمقراطيين خصوصاً مع التحضير للانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
وينظر الديمقراطيون إلى قوانين الاعتمادات السنوية التي تسمح بإنفاق «تقديري» لتمويل الجيش والمراكز الصحية حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الجاري وبعدها قد تنتقل الحكومة الفيدرالية إلى الإغلاق. وتشتعل معركة في الكونغرس حيث يكافح الديمقراطيين لتمرير مشروع للبنية التحتية وآخر للإنفاق يعرف باسم قانون المصالحة، بينما يعترض الجمهوريون.
ويعتقد الجمهوريون أن الديمقراطيين سيتنازلون في نهاية المطاف عن التمسك بحزمة 3.5 تريليون دولار في مشروع قانون البنية التحتية الذي يثير الكثير من الجدل والمعارك بين الوسطيين والليبراليين داخل الحزب. ويحاول الجمهوريون شراء المزيد من الوقت للضغط للتوصل إلى اتفاقية أوسع. وإذا لم يتحرك الكونغرس في الوقت المناسب لتجنب التخلف في سداد الديون الفيدرالية فإن العواقب المالية قد تدفع الولايات المتحدة للدخول في حالة ركود.
وقد توسع الدين الأميركي بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، بسبب مجموعة من التخفيضات الضريبية المدعومة من الحزب الجمهوري التي تم سنها في عام 2017، وسلسلة من فواتير الإنفاق المنتظمة التي تم تمريرها بدعم من الحزبين، إضافة إلى فواتير الإغاثة الكبيرة للتخفيف من تأثير فيروس كورونا، وما يتعلق بتفشي وباء كورونا والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنه من إغلاق وتسريح للعمالة.
وحوالي ثلثي ديون الولايات المتحدة محتفظ بها في الولايات المتحدة، إما مباشرة من قبل حاملي السندات الأفراد أو من قبل المؤسسات، مثل الصناديق المشتركة أو خطط التقاعد. أما الثلث المتبقي فيمتلكه الأجانب، سواء بشكل فردي أو مؤسسي. من الحصة التي يملكها الأجانب، حوالي 17 في المائة مملوكة لأفراد أو مؤسسات يابانية، و14 في المائة مملوكة لأشخاص أو مؤسسات في الصين. يحمل المستثمرون في عشرات البلدان الأخرى بعض الديون الأميركية أيضاً، ولكن لا يوجد بلد واحد بخلاف الصين واليابان يمتلك أكثر من 7.2 في المائة من الإجمالي الأجنبي.
ويقول الخبراء إن وجود عبء ديون كبير ليس بالضرورة علامة على الضائقة المالية، طالما أن الحكومة الأميركية قادرة على سداد حاملي السندات في الوقت المحدد مع الفائدة، خاصةً أن السندات الأميركية تعد أكثر الاستثمارات أمانا، نظراً لحجم الاقتصاد الأميركي وقوته واستقراره، وقدرته الهائلة على الاقتراض. لكن بمجرد الوصول إلى سقف الديون، لا يمكن للحكومة الفيدرالية اقتراض المزيد من الأموال. في هذه المرحلة، سيكون لدى الحكومة مساحة صغيرة لإرسال المدفوعات. يمكنها استخدام النقد المتاح لديها بالفعل، بالإضافة إلى أي إيرادات جديدة تتلقاها. لكن هذا العرض النقدي سينفد أيضاً في النهاية. وسيكون على الحكومة تحديد أولويات المدفوعات، حيث سيتم الدفع لحملة السندات أولاً، لأن السداد المتأخر لسندات الخزانة سينطوي على أخطر خطر على الحكومة، والقانون يلزم الحكومة بدفع فائدة على أي مدفوعات متأخرة.
وفي حالة التأخر عن السداد، فمن المحتمل ألا يكون لدى المستثمرين أي سبب للثقة في الولايات المتحدة كمقترض وقد يتخلون عن السندات الأميركية. وهذا من شأنه (على المدى المتوسط والطويل) أن يعرض الاستقرار الكامل للمالية العامة للحكومة الفيدرالية، والاقتصاد الأميركي، للخطر.
الحكومة الأميركية تواجه شبح الإغلاق وأزمة الديون بعد أسبوع
معركة ساخنة بالكونغرس ومخاوف في سوق السندات
الحكومة الأميركية تواجه شبح الإغلاق وأزمة الديون بعد أسبوع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة