مكب نفايات قرب بئر للنفط شرق الفرات يتحول مصدراً لرزق للفقراء

أطفال وفتيات ونساء ينتظرون بقايا الطعام من مخيم للنازحين

فقراء يبحثون عن طعام في مكب للنفايات قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
فقراء يبحثون عن طعام في مكب للنفايات قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

مكب نفايات قرب بئر للنفط شرق الفرات يتحول مصدراً لرزق للفقراء

فقراء يبحثون عن طعام في مكب للنفايات قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
فقراء يبحثون عن طعام في مكب للنفايات قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

ما إن تلامس عقارب الساعة السادسة صباحاً، حتى يبدأ ضجيج المكان بالتفاعل مع وصول مجموعة من النساء والأطفال إلى مكب للنفايات بريف بلدة المالكية شمال شرقي سوريا. تصل أول سيارة محملة بالنفايات قادمة من «مخيم روج» المجاور للمكب حتى يتهافت نسوة وفتيات وأطفال للبحث عن زجاجات البلاستيك وبقايا الطعام والخبز لجمعها ثم بيعها إلى التجار.
تتردد جوزة البالغة من العمر أربعين سنة، على المكب بحثاً عن قوت يومها وبعض الطعام لتسد جوعها. تقول هذه السيدة المتحدرة من بلدة الصور بريف دير الزور الشرقي «إذا رفضنا النعمة سنموت من الجوع». حدقت عيناها إلى أكياس النفايات السوداء وبين يديها كيس فارغ وضعت فيه قطع البلاستيك، لتضيف «ظروف الحياة قاسية والأسعار ارتفعت بشكل جنوني. عملي هذا لسد حاجات عائلتي لأن زوجي لا يستطيع العمل كونه مصاباً جراء شظايا قذيفة هاون».
وما أنْ تنهي كلامها حتى ذهبت مسرعة نحو بوابة المكب الترابية لتنتظر السيارة القادمة من مطعم مجاور، وما أنْ يرمي سائق السيارة وعمال النظافة الأكياس السوداء حتى تبدأ المناوشات الصغيرة بينها وبين مجموعات ثانية لتقاسم الحصص؛ بعد لحظات يتفقون على تقسيمها بالتساوي، ويتنازل أحدهم مقابل تركه المكان مقابل الحصول على حصته من سيارة ثانية قد تصل في أي وقت.
ووسط انبعاث روائح كريهة وتصاعد الدخان الناتج من حرق كميات من النفايات في إحدى زوايا هذا المكب الضخم، يتابع الموجودون إلى استكشاف المحتويات لجمع ثياب نظيفة لارتدائها أو أحذية صالحة للاستعمال، كما يجمعون بقايا طعام لسد جوعهم، حيث أمسكت طفلة صغيرة سندويتشاً كان مغلفاً بكيس نايلون لتأكله، أما طفل ثانٍ وجد بين القمامة رمانة وبعد كسرها وجدها صالحة للأكل.
على ملابسهم، طبقة سميكة من الأوساخ بسبب بحثهم بين أكوام القمامة والتنقيب عن النفايات، يستخدمون قضباناً معدنية مقوسة لإخراج قوارير البلاستيك. وتقول أحلام (28 سنة) بقوة وشجاعة، إنها تفضّل العمل في هذا المكان على المكوث بمخيم تنتظر سلة غذائية أو مساعدات من منظمة إنسانية. فالعمل لديها «رسالة وقيمة إنسانية قبل أن يكون مصدر رزق وأحلاماً». كانت تلبس غطاء رأس أزرق اللون مربوطاً بوشاح أبيض، وثوباً أسود طويل وأعربت عن مشاعرها. تقول «نجني مالاً قليلاً من هذا العمل الشاق والمرهق، لكن أرحم مليون مرة من العيش لحظة واحدة بمخيم».
في الجهة الثانية، من المكب يختلف المشهد تماماً، حيث يخرق هدير استخراج النفط من آلات تقليدية أصوات المكان، وعلى بعد مئات الأمتار يقع أحد حقول النفط الغنية بالنفط والطاقة التي تشتهر بها محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
ويطل المكب على طريق فرعية تؤدي إلى المنفذ الحدودي «سيمالكا» الذي يربط مناطق الإدارة الذاتية بإقليم كردستان العراق المجاور، لكن معظمه متضرر بشكل كبير، وعلى هذه الطريق شاهد عمال المكب مرات عدة الصراع المحموم بين الجيش الأميركي والقوات الروسية والمناوشات العسكرية التي درات بينهم.
ويوضّب سامان، وهو تاجر على إيصال العمال يومياً من أماكن سكنهم القريبة للمكب وتأمين حاجياتهم وأبرم الاتفاق مع البلدية، للسماح بجمع القمامة وعلب البلاستيك والزجاجات الصالحة للاستخدام، يدفع لشراء الكيلو الواحد 300 ليرة سورية، وهو أقل من (10 سنتات أميركية)، ثم يذهب لبيعها في أسواق القامشلي والحسكة المركزية، ويقول في حديثه «أقوم بتوصيلهم يومياً على نفقتي وأشتري البلاستيك منهم والأشياء القابلة للبيع».
وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى وجود أكثر من 5 ملايين نازح فروا من منازلهم داخل سوريا، من بينهم الشاب لؤي (15 سنة) المتحدر من مدينة دير الزور والذي بحث عن العمل مراراً ومارس مهناً يدوية، مثل عامل سيراميك وحدادة وأعمال البناء؛ لكنه لم يفلح بمتابعة أي عمل وانتهى به المطاف للعمل برفقة والدته وشقيقته بهذا المكب.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.