الجزائر تشيّع «رئيسها المؤقت» عبد القادر بن صالح

هاجمه الحراك بشدة... وعرف بقربه الشديد من بوتفليقة

صورة لعبد القادر بن صالح تعود لأواخر سنة 2017 (رويترز)
صورة لعبد القادر بن صالح تعود لأواخر سنة 2017 (رويترز)
TT

الجزائر تشيّع «رئيسها المؤقت» عبد القادر بن صالح

صورة لعبد القادر بن صالح تعود لأواخر سنة 2017 (رويترز)
صورة لعبد القادر بن صالح تعود لأواخر سنة 2017 (رويترز)

تشيع الجزائر اليوم رئيسها المؤقت لعام 2019. عبد القادر بن صالح، الذي توفي صباح أمس عن عمر 79 سنة.
وعرف الراحل بقربه الشديد من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي توفي منذ أسبوع، وكان الرجل الثاني في الدولة من موقعه كرئيس «مجلس الأمة»، خلال جل فترة حكمه التي دامت 20 سنة، والتي انتهت بانفجار الشعب ضده.
وأعلنت الرئاسة عن تنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام، لكن من دون حداد وطني. وستتم جنازة بن صالح بالمساحة المخصصة لقبور الرؤساء في مقبرة «العالية» بالضاحية الشرقية للعاصمة، بحضور رئيس البلاد عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، وأعضاء الطاقم الحكومي.
وعانى بن صالح من مرض السرطان لعدة سنوات، وأجريت له عملية لاستئصال الورم بفرنسا عام 2015. لكنه ظل يصارع المرض حتى وهو يمارس مهام رئيس دولة مؤقت، على إثر استقالة بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي 2019. وهي وضعية يفرضها الدستور على رئيس «مجلس الأمة» في حال وفاة، أو استقالة الرئيس المنتخب.
وبعد ثمانية أشهر من تسيير الشأن العام، وتحديداً في 12 ديسمبر (كانون الأول)، نظم بن صالح انتخابات رئاسية مبكرة، ترشحت لها خمس شخصيات سياسية، وفاز بها عبد المجيد تبون، الذي كان لسنوات طويلة وزيراً في عهد بوتفليقة. وجرت الانتخابات في سياق استمرار المظاهرات التي أطاحت ببوتفليقة، وقد عبر المتظاهرون عن رفضها. كما هاجموا بن صالح بشدة على أساس أنه «وجه بارز» من النظام، الذي حملوه مسؤولية الفساد.
وفي الرابع من يناير (كانون الثاني) 2020. أبلغ بن صالح الرئيس الجديد رغبته التنحي من رئاسة «مجلس الأمة» لأسباب صحية وكان له ذلك. وبعدها توارى عن الأنظار منذ اسقالته.
وترأس الفقيد «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) عام 1997. وفي نفس السنة كان من مؤسسي حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي ترأسه لفترة قصيرة، وكان أحد دعامات رئيس الجمهورية آنذاك، الجنرال اليمين زروال.
اشتغل بن صالح في بداية مساره السياسي والمهني صحافيا، وعين في 1974 مديرا للصحيفة الحكومية «الشعب». كما أدار «المركز الجزائري للإعلام» ببيروت عام 1970. وعرف بـ«البعد العروبي» في شخصيته، لكنه غاب عن المعارك الثقافية والسياسية، التي احتدمت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بين النخب المعربة والمفرنسة. ولم يعرف له أي نفوذ سياسي في الدولة، رغم المناصب الكبيرة التي تولاها، بعكس مسؤولين أقل شأناً منه.
ويحتفظ الجزائريون بموقف لبن صالح عرَضه لانتقادات شديدة، وكان ذلك في آخر إطلالة له في وسائل الإعلام قبل انسحابه. ففي 24 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019. التقى بن صالح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي، بمناسبة القمة السنوية الروسية الأفريقية، وقال له محاولاً طمأنته بأن النظام في الجزائر متماسك، برغم غليان الشارع الذي لم يكتف بعزل بوتفليقة: «فخامة الرئيس... إذا كنتُ طلبت منكم مقابلة، فالغاية التي أسعى إليها هي أن أطمئنكم بأن الوضع في الجزائر متحكم فيه، وأننا قادرون على تجاوز هذه المرحلة الدقيقة». في إشارة إلى المظاهرات وتعامل السلطات معها. كما قال أيضاً: «صحيح أن وسائل الإعلام تُضخّم ما يجري في الجزائر (الحراك)، وتروّج لمعلومات تنقصها الدقة، لكننا نقول لكم إننا رسمنا تصوراً وخطة نسير في إطارها، وهي في مراحلها الأخيرة.
وقد اعتمدنا حواراً مع الشركاء ومع المجتمع المدني، وأسّسنا لجنة مستقلة، وقلنا إن الحكومة والرئاسة والمؤسسة العسكرية ستنسحب. كما شكلنا لجنة مستقلة لتحضير الانتخابات التي ستكون في 12 ديسمبر».
وأكد بن صالح مقللاً من شأن الحراك الذي كان يرفضه رئيساً مؤقتاً: «هنالك فقط بعض العناصر يخرجون أسبوعياً ودورياً رافعين شعارات».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.