الحكومة السودانية تتهم أنصار البشير بتدبير «محاولة انقلاب»

«الترويكا» تحذر من تقويض «الانتقال الديمقراطي»... وحمدوك يشدد على «تسريع إصلاح الأجهزة الأمنية»

عبد الله حمدوك خلال إعلانه على التلفزيون الرسمي فشل المحاولة الانقلابية صباح أمس (أ.ف.ب)
عبد الله حمدوك خلال إعلانه على التلفزيون الرسمي فشل المحاولة الانقلابية صباح أمس (أ.ف.ب)
TT

الحكومة السودانية تتهم أنصار البشير بتدبير «محاولة انقلاب»

عبد الله حمدوك خلال إعلانه على التلفزيون الرسمي فشل المحاولة الانقلابية صباح أمس (أ.ف.ب)
عبد الله حمدوك خلال إعلانه على التلفزيون الرسمي فشل المحاولة الانقلابية صباح أمس (أ.ف.ب)

اتهمت الحكومة السودانية أمس «فلول نظام الإسلاميين المعزول»، وجهات داخل وخارج القوات المسلحة بتدبير المحاولة الانقلابية، التي شهدتها البلاد، والتحضير المسبق لها بالاستفادة من حالة الانفلات الأمني، والأوضاع في شرق البلاد، وقطع الطرق وإغلاق الموانئ ومناطق إنتاج النفط. وفي غضون ذلك، أعلن الجيش السوداني إفشال التحرك الانقلابي، واعتقال 21 ضابطاً وعدد من الجنود، والسيطرة على الأوضاع. فيما أعلنت مجموعة دول «الترويكا» رفضها للمحاولة الانقلابية، وحذرت من أي محاولة لتقويض الانتقال.
وأعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام، حمزة بلول، في بيان رسمي عن إفشال المحاولة الانقلابية، والقبض على قادتها من عسكريين ومدنيين، موضحاً أن التحقيقات تجري معهم، فيما تجري ملاحقة فلول النظام البائد المشاركين في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
من جهته، قال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في بيان بثه التلفزيون الرسمي أمس، إن ما حدث «انقلاب مدبر من جهات داخل وخارج القوات المسلحة، وامتداد لعمل الفلول». في إشارة إلى أتباع نظام الإسلاميين بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، بهدف «إجهاض الانتقال المدني الديمقراطي».
وأضاف حمدوك موضحاً «لقد سبقت المحاولة تحضيرات واسعة، تمثلت في الانفلات الأمني في المدن، واستغلال الأوضاع في شرق البلاد، ومحاولات قطع الطرق القومية، وإغلاق الموانئ وتوقيف إنتاج النفط، والتحريض المستمر ضد الحكومة المدنية». مشيراً إلى أن المحاولة الانقلابية الفاشلة، «كانت تستهدف الثورة وكل ما حققه شعبنا العظيم من إنجازات، وتقويض الانتقال المدني الديمقراطي، وإغلاق الطريق أمام حركة التاريخ... لكن عزيمة الشعب كانت أقوى من محاولة الانقلاب على الانتقال، فقطعت الطريق عليه، وأفشلت المحاولة».
في سياق ذلك، تعهد حمدوك بعد اجتماع مطول مع قيادات تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، التي تمثل المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، بإجراء اتصالات موسعة مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لعرض الحقائق أمام الشعب. وقال إن محاولة الانقلاب الفاشلة «تؤشر بوضوح لضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتستدعي مراجعة كاملة لتجربة الانتقال بشفافية كاملة وبوضوح تام، من أجل الوصول لشراكة مبنية على شعارات ومبادئ الثورة، وطريق يؤدي للانتقال المدني الديمقراطي لا غيره».
وأوضح حمدوك أن إلقاء القبض على مدبري المحاولة الانقلابية جاء أثناء تنفيذهم للانقلاب، وأنه تم قطع الطريق على خطواتهم العملية لإجهاض الحكومة المدنية، ما يستدعي كشف الحقائق كاملة للشعب السوداني والعالم بأسره. كما تعهد بمحاسبة كل الضالعين، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، بشفافية ووفق القانون، وبأن تعمل الحكومة والأجهزة المختصة، بما فيها لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران)، على اتخاذ إجراءات فورية من أجل تحصين الانتقال، ومواصلة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، الذي لا يزال يشكل خطراً على الانتقال، حسب تعبيره.
في سياق ذلك، أوضح حمدوك أن المحاولة الانقلابية «جاءت لقطع الطريق على تحسين الأوضاع الاقتصادية، في وقت بدأت تشهد فيه انتعاشاً واضحاً، وبدأت السياسات الاقتصادية الإصلاحية تؤتي أكلها في كل مؤشرات الاقتصاد الكلي، ما يستدعي تعزيز ولاية الحكومة ووزارة المالية على كل الموارد القومية، وتوجيهها لتحسين الأوضاع المعيشية لشعبنا كقضية ذات أولوية»، وذلك في إشارة للتصريحات السابقة، بسيطرة الجيش على أكثر من 80 في المائة من موارد البلاد.
واعتبر حمدوك أن وحدة «قوى الحرية والثورة والتغيير» هي «ضمانة حقيقية لتحصين الانتقال الديمقراطي، وتحقيق أهداف الثورة». داعياً الشعب إلى ممارسة حقه بكافة الأشكال السلمية لدعم الحكومة الانتقالية، وإكمال مؤسسات الانتقال، بما في ذلك المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية، ومجلس القضاء العالي والنائب العام، والمفوضيات، وقال بهذا الخصوص إن ما حدث «درس مستفاد، ومدعاة لوقفة حقيقية وجادة لوضع الأمور في نصابها الصحيح».
بدوره، قال الجيش السوداني في بيان مقتضب، أمس، إن عدة ضباط وعسكريين من رتب مختلفة حاولوا في الساعات الأولى من فجر أمس القيام بمحاولة للاستيلاء على السلطة في البلاد.
وكشف البيان الموقع باسم المستشار الإعلامي للقائد العام، العميد الطاهر أبوهاجا، أن الجيش «سيطر على الأوضاع واعتقل المشاركين في المحاولة الفاشلة، البالغ عددهم 21 ضابطاً، إلى جانب عدد من ضباط الصف والجنود، واستعاد كل المواقع التي سيطر عليها الانقلابيون»، دون تحديد تلك المواقع، موضحاً أن الأبحاث والتحقيقات لا تزال جارية للقبض على بقية المتورطين.
من جهته، قال حمزة بلول الأمير في بيان بثه التلفزيون والإذاعة، إن الحكومة الانتقالية والأجهزة النظامية المختصة «عملت بتنسيق تام للسيطرة على الأوضاع، وإحباط المحاولة الانقلابية». مؤكداً أن مؤسسات الحكم المدني «لن تفرط في مكتسبات الشعب وثورته، وستكون على خط الدفاع الأول لحماية الانتقال من قوى الظلام المتربصة بالثورة».
ودعا بلول قوى الثورة ولجان المقاومة، والأحزاب السياسية وأطراف السلام، والأجسام المهنية والنقابية، وكل قطاعات الشعب السوداني، إلى «توخي اليقظة والانتباه إلى المحاولات المتكررة، التي تسعى لإجهاض ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة».
وحاولت المجموعة الانقلابية، التي قادها ضباط كبار في الجيش محسوبون على النظام المعزول، السيطرة على سلاحي المدرعات والمظلات بالعاصمة الخرطوم، تمهيداً لتسلم السلطة. وبعد اعتقال المتورطين في المحاولة حذر عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي سليمان، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك الانقلابيين، ودعا الجماهير للدفاع عن بلادهم وحماية الانتقال.
من جانبها، أكدت أحزاب «تحالف قوى الحرية والتغيير» الحاكم الوقوف بقوة في وجه أي محاولة لتقويض الفترة الانتقالية، والتحول الديمقراطي عبر الانقلابات العسكرية أو غيرها، وشددت على أهمية الإسراع في إصلاح الأجهزة النظامية والجيش والشرطة، وبقية الأجهزة الأمنية، وعلى أهمية وحدة الصف الوطني للدفاع عن أهداف الثورة. فيما حذر «تجمع المهنيين السودانيين» من جهات «تعمل على صناعة الفوضى للانقضاض على الفترة الانتقالية»، وعزز دعوة «الحرية والتغيير» لتسريع هيكلة القوات المسلحة وتنظيفها من الانقلابين، وحسم المتواطئين لقطع الطريق أمام العسكر وفلول النظام المعزول.
وعلى صعيد متصل، زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، أمس سلاح المدرعات، بعد أنباء عن تورط عدد من قادته في المحاولة الانقلابية التي شهدتها البلاد اليوم.
وذكر مجلس السيادة، عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك، أن البرهان زار سلاح المدرعات بمعسكر الشجرة، وقام بتحية الضباط والجنود، وشكرهم على حكمتهم في التعامل مع الأحداث.
وفي أول رد فعل دولي على الانقلاب، حذرت مجموعة دول «الترويكا» الغربية (أميركا، المملكة المتحدة والنرويج»، من الساعين لتقويض عملية الانتقال التي يقودها المدنيون، وتوعدت بوقوف شركاء السودان الدوليين بحزم خلف شعب السودان وحكومته الانتقالية. معلنة بوضوح عن رفضها أي محاولات لعرقلة أو تعطيل جهود الشعب السوداني، لإنشاء مستقبل ديمقراطي وسلمي، ودعمها للانتقال الديمقراطي بقيادة المدنيين.
ودعت «الترويكا» في بيان لأن يعمل المكونان المدني والعسكري، وجميع الفاعلين السياسيين، على منع التهديدات التي تواجه الانتقال الديمقراطي، وإنشاء مؤسسات انتقالية، ومعالجة التوترات في الشرق والمناطق الأخرى.



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».