ماكرون يطلب «الصفح» من «الحركيين» الجزائريين... ويعدهم بـ«تعويض»

الرئيس الفرنسي قال إن «شرفهم يجب أن يُحفر في الذاكرة الوطنية»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقائه خطاباً في «قصر الإليزيه» بحضور نحو 300 مدعو من «الحركيين» (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقائه خطاباً في «قصر الإليزيه» بحضور نحو 300 مدعو من «الحركيين» (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يطلب «الصفح» من «الحركيين» الجزائريين... ويعدهم بـ«تعويض»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقائه خطاباً في «قصر الإليزيه» بحضور نحو 300 مدعو من «الحركيين» (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقائه خطاباً في «قصر الإليزيه» بحضور نحو 300 مدعو من «الحركيين» (أ.ف.ب)

مأساة «الحركيين»؛ أي الجزائريين الذين انضموا بالآلاف إلى الجيش الفرنسي لمساعدته في قمع الثورة الجزائرية بين عامي 1954 و1962، أنهم عُدّوا من جهة «خونة» لوطنهم؛ ومن جهة ثانية «عملاء تابعين». كما لاحقتهم «جبهة التحرير الجزائرية» واضطهدتهم، وارتكبت بحقهم أعمالاً انتقامية، وحاكمتهم بعد انسحاب القوات الفرنسية. أما الذين أجلتهم القوات الفرنسية من مقاتلين وعائلاتهم، أو الذين نجحوا في الفرار إلى فرنسا، فقد جرى تجميعهم في 6 مخيمات رئيسية، غالبيتها في جنوب البلاد، ولا تختلف كثيراً عن المخيمات الحالية لتجميع اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان، في ظروف حياتية وإنسانية مزرية.
ومنذ 60 عاماً، يطالب «الحركيون» بالعدالة، وإعادة النظر في أوضاعهم ومعاملتهم إنسانياً، وبتعويضات عما قاموا به وعانوا منه. وحتى زمن قريب، كانوا يعاملون بازدراء، وينظر إليهم بنوع من الفوقية والعنصرية. ومع كل عهد جديد، كانت تنشط الجمعيات التي تضمهم، والتي استفادت من نجاح بعض أفراد هذه الجالية لإسماع صوتها. وفيما يقدر عدد الحركيين والمتحدرين منهم حالياً بنحو 800 ألف شخص، فإن الاهتمام بهم يزداد مع اقتراب كل موسم انتخابي ثم يتلاشى بعد مروره. وبحسب تقارير متوافرة، فإن اليمين المتطرف هو الأكثر تغلغلاً بين أوساطهم.
في مأساة «الحركيين» المزمنة؛ الممزقين بين انتمائهم الجزائري المرذول، ورغبتهم في الانتماء الفرنسي الصعب، ثمة معلمان رئيسيان: الأول يعود لعام 2016؛ أي لعهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، الذي خطا باتجاههم خطوة مهمة باعترافه بـ«مسؤولية الحكومات الفرنسية المتعاقبة في التخلي» عنهم. إلا إن هولاند لم يذهب أبعد من ذلك. ومن هنا، فإن ما أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون، أمس، في «قصر الإليزيه» بحضور نحو 300 مدعو من «الحركيين»، ومن غيرهم من الشخصيات والجمعيات، التي وقفت إلى جانبهم، يعدّ فعلاً «حداً فاصلاً» بين عهدين، ذلك أن ماكرون لم يتردد في طلب «الصفح» منهم، بسبب ما ارتكبته بلاده في حقهم، بقوله: «أقول للمقاتلين: لكم امتناننا... فنحن لن ننسى، وأطلب الصفح».
ووعد الرئيس الفرنسي بأنه سيقوم قبل نهاية العام «بطرح مشروع يهدف إلى أن نُضمن قوانيننا اعترافاً بـ(الحركيين) والتعويض لهم». وفي جملة يراد لها أن تعيد الاعتبار من أرفع مستوى إلى ما لا يقل عن 200 ألف «حركي» قاتلوا إلى جانب فرنسا، وإلى عشرات الآلاف الذين عانوا من الذل والاحتقار والفقر، أضاف ماكرون موضحاً أن شرف الحركيين «يجب أن يحفر في الذاكرة الوطنية»، داعياً إلى «تضميد الجروح التي يجب أن تندمل من خلال كلام يشدد على الحقيقة، وبادرات تعزز الذاكرة، وتدابير ترسخ العدالة».
وبهذه الخطوة، يسعى ماكرون، كما يبدو، إلى إغلاق ملف كان السياسيون الفرنسيون أقرب إلى الابتعاد عنه قدر الإمكان. فمن جهة؛ كان يشكل ما يشبه «لطخة» في تاريخ فرنسا، وما تشيعه من تمسكها بأرفع القيم الإنسانية في سرديتها التاريخية... ومن جهة أخرى؛ يتسم هذا الملف ببعد سياسي داخلي، وآخر يتناول علاقة باريس مع الجزائر، التي تتحاشى إيذاءها بإثارة ملف أشخاص تعدّهم الجزائر خونة للوطن.
يذكر أنها المرة الأولى التي يطلب فيها ماكرون باسم فرنسا؛ أي رسمياً، الصفح من جهة معينة. فهو لم يطلب الصفح عمّا ارتكبته بلاده في الجزائر ولا في رواندا، أو في قضية التجارب الذرية وارتداداتها، ونتائجها على السكان والبيئة؛ سواء في الجزائر أو في المحيط الهادي. لكن في حالة «الحركيين»، فإن ماكرون يعترف رسمياً وعلناً بـ«مسؤولية الحكومات الفرنسية بالتخلي عن (الحركيين)»؛ ليس فقط الذين لم تخرجهم من الجزائر وتركتهم حيث هم، بل إزاء الذين أتت بهم إلى أراضيها وعاملتهم بطريقة غير إنسانية. ومن الواضح أن الرئيس الفرنسي؛ المقبل على انتخابات رئاسية في شهر أبريل (نيسان) المقبل، يريد إغلاق ما تمسى «ملفات الذاكرة» قبل هذا الاستحقاق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا انتظر حتى الأشهر الأخيرة من ولايته ليتصدى لهذا الملف؟
بعض الأوساط السياسية ترى أن كلمة السر هي اقتراب الاستحقاق الانتخابي. فبعد أن كانت قراءة المشهد السياسي تشي بسهولة فوزه بولاية جديدة من 5 أعوام، فإن التحولات الجارية ميدانياً تبين أن الأمور قد تكون أصعب مما كان يتوقع. ومن هنا؛ لا يمكن استبعاد الجانب الانتخابي الداخلي عن بادرة ماكرون، الذي عمد أمس إلى تقليد بعض ممثلي «الحركيين» أوسمة؛ منهم صلاح عبد الكريم، والناشطة «من أجل مساواة الفرص والتنوع» بورنيا تارال، وهي ابنة أحد «الحركيين»، وأيضاً الجنرال فرنسوا ميير، الذي نظم عمليات الإجلاء مخالفاً أوامر قيادته.
ومنذ عام 2003؛ يُحتفل سنوياً بـ«يوم الحركيين» في 25 سبتمبر (أيلول)، مما يفسر اختيار «الإليزيه» يوم أمس موعداً للإعلان «التاريخي» من ماكرون.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.