الجزائر: تذمر من الغلاء واتساع دائرة الفقر

نقابة الإدارة الحكومية تلوح بالإضراب... والوزير الأول يتعهد إنعاش الاقتصاد

رئيس الوزراء الجزائري مخاطباً البرلمان الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الجزائري مخاطباً البرلمان الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
TT

الجزائر: تذمر من الغلاء واتساع دائرة الفقر

رئيس الوزراء الجزائري مخاطباً البرلمان الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الجزائري مخاطباً البرلمان الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

تواجه السلطات الجزائرية تذمراً شعبياً بسبب تدني القدرة الشرائية على إثر الارتفاع الباهظ في أسعار المواد الغذائية والمنتجات الزراعية. وأعلنت نقابة الإدارة الحكومية التي ينتسب إليها آلاف العمال والموظفين عن إضراب عام مطلع الشهر المقبل.
ويتفق خبراء الاقتصاد على أن قرار الرئيس عبد المجيد تبون إعفاء أصحاب المداخيل الضعيفة من الضريبة الذي اتخذه قبل عام، ذهب في مهب الريح منذ فترة قصيرة على إثر الارتفاع الجنوني للأسعار. وتقف الحكومة التي يقودها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، وهو في الوقت نفسه وزير المالية، عاجزة أمام تفاقم أزمة اجتماعية خانقة تنذر باحتجاجات، خصوصاً مع اقتراب بدء العام الدراسي وما يرافقه من مصاريف تنهك آلاف العائلات. وقال رئيس «النقابة الوطنية لموظفي الإدارة العمومية» بلقاسم فلفول لـ«الشرق الأوسط» إن الإضراب الذي دعا إليه «كان استجابة لمعاناة فئات واسعة من الموظفين الذين لم تعد أجورهم تتحمل مزيداً من الضغط... لقد رفعنا للحكومة لائحة مطالب منذ عام، تتضمن رفع الأجور لتحسين القدرة الشرائية، ولكن لم يتحقق أي شيء من المطالب، وجاءت الزيادات الأخيرة في الأسعار لتشجعنا على التوقف عن العمل كتنبيه منا لخطورة الأوضاع». وأكد أن «أمام الحكومة أسبوعين لفتح حوار معنا للبحث عن حل لهذه الأزمة، وإلا فسننفذ قرار الإضراب».
وحذرت النقابة في بيان من «تدهور المعيشة بسبب تفشي ظاهرة الاحتكار والمضاربة لا سيما بالنسبة للمواد المدعمة». وأكدت ضرورة توجيه الدعم الحكومي المقدر بـ17 مليار دولار سنوياً لمستحقيه، خصوصاً الفئات الهشة، بصفة مباشرة ومستقرة.
وأبرز البيان أن «الطبقة الوسطى في الجزائر أصبحت تعيش على حافة الفقر، وفقاً لمقياس البنك الدولي». كما دعا إلى «إعادة النظر في النقطة الاستدلالية ورفعها من 45 ديناراً إلى 90 ديناراً، واتخاذ إجراءات فعلية وملموسة للتحكم في الأسعار ومحاربة الاحتكار والحفاظ على استقرار العملة الوطنية».
ويعود ارتفاع الأسعار، حسب خبراء الاقتصاد، إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير منذ عام، وإلى اللجوء لطباعة الأوراق النقدية من دون مقابل إنتاج. كما يشيرون إلى غياب إصلاحات اقتصادية، وعدم تحكم الحكومة في وتيرة انحدار قيمة الدينار مقابل الدولار واليورو. وبلغ احتياطي العملة الصعبة 30 مليار دولار، بعدما كان 200 مليار دولار قبل بداية تهاوي سعر النفط في 2015، أما نسبة البطالة فتفوق 15 في المائة.
وحصل برنامج الحكومة على تأييد البرلمان، أول من أمس، خلال جلسة التصويت عليه. ووقف ضده نواب حزب «حركة مجتمع السلم» فقط، ما يعني أن كل مشاريع الحكومة ستمر بسهولة في المستقبل. وقال النواب الإسلاميون في بيان إنهم يتحفظون بحدة على «غياب أصول التخطيط في الوثيقة التي عرضت علينا، كالآجال الزمنية والميزانية المرصودة وكذا الأرقام المعبرة عن المستهدفات، وهذا ما يزيد من حالة الغموض التي تكتنف مستقبل التنمية في البلاد بوعود غير قابلة للقياس». كما لاحظوا «غياب الآليات الواضحة لمعالجة أولويات الشعب الجزائري، في مخطط عمل الحكومة، خصوصاً ما تعلق بتهاوي القدرة الشرائية وضعف البنية الاقتصادية والارتفاع الكبير لمعدلات البطالة والتضخم وأزمة السكن، وعدم وجود أي مقاربة ورؤية واضحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
وتعهد الوزير الأول أمام النواب «بتعزيز دعائم الإنعاش الاقتصادي وتحديث النظام المصرفي والمالي وإصلاح القطاع العمومي التجاري وحوكمة المؤسسات العمومية. وسنعمل على جذب المستثمرين وترقية المقاولات مع تعزيز اندماج القطاع الموازي ضمن القنوات المشروعة».
وأكد أن برنامج عمل الحكومة، الذي يمتد إلى سنة 2024 «مستمد من تعهدات رئيس الجمهورية (أطلقها عندما ترشح للرئاسة نهاية 2019)، التي تقوم أساساً على تعزيز دولة القانون واحترام الحريات والحوار والتشاور». وقال مشيراً ضمناً إلى فترة تفشي الفساد خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة: «رغم الفساد وعمليات النهب، بقيت الجزائر واقفة بفضل أبنائها الخيرين».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.