«النهضة» تقبل بتعديل الدستور التونسي «من داخله»

TT

«النهضة» تقبل بتعديل الدستور التونسي «من داخله»

تحدثت قيادات من «حركة النهضة» عن إمكانية القبول بإدخال تعديلات على الدستور التونسي، معتبرة أنه «تضمن آليات تعديله من داخله»، لكنها اشترطت «أن تنسجم التعديلات مع الأحكام الكبرى للدستور، خصوصاً منها المتعلقة بطبيعة النظام السياسي»، وهي خطوة اعتبرها مراقبون محاولة منها لتجاوز حالة الانسداد وطريقة للعودة إلى المشهد السياسي من خلال الاقتراب من مقترحات الرئيس قيس سعيد. وأعلن المقرر السابق للدستور والقيادي في «النهضة» الحبيب خضر أن «تعديل الدستور يكون بآليات من داخله»، مشترطاً «توافق كل الأطراف السياسية وممثلي المجتمع المدني حول التعديلات الممكنة على دستور 2014». وأشار إلى أن «نص الدستور يبقى قابلاً للتطوير والتحسين وفق ما يقرره الدستور نفسه من ضوابط، وإرساء المحكمة الدستورية يفسح المجال لرئيس الجمهورية أن يقدم مبادرته لتعديل الدستور والتي يمكن أن تقدم على أنها مبادرة قانونية من قبل مؤسسة الرئاسة».
وكان المكتب التنفيذي للحركة أكد على «ضرورة التسريع بإنهاء الحالة الاستثنائية في أقرب الآجال ورفع التجميد عن البرلمان وتعيين الشخصية المكلفة بتشكيل حكومة شرعية قادرة على مجابهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة». وندد بـ«حملات التشويه ومس الأعراض التي يتعرض لها عدد من الشخصيات العامة خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ممن يدعون أنهم أنصار الرئيس».
وأكد أنه «لا حل للخروج من الأزمة المعقدة إلا بحوار وطني شامل، وتكريس مبدأ التشاركية في بناء مشهد جديد يحقق الاستقرار السياسي المنشود، والمناخ المساعد على إنجاز الإصلاحات الكبرى، بما يفتح أفقاً سياسياً للبلاد وإرجاع السلطة إلى الشعب صاحب السيادة».
في السياق ذاته، كشف النائب عن «الكتلة الوطنية» المنشقة عن حزب «قلب تونس» العياشي الزمال عن عدم وجود أي نائب من «النهضة» و«ائتلاف الكرامة» الذي يتزعمه سيف الدين مخلوف و«الحزب الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسي، ضمن قائمة السبعين نائباً الذين طالبوا بعودة البرلمان إلى نشاط مشروط برفع الحصانة البرلمانية عن كافة النواب (217 نائباً) في حال عودتهم للنشاط في مهام محددة مسبقاً.
وتوقع الزمال أن يرتفع عدد النواب الموقعين على تلك المبادرة إلى حدود 130 نائباً، وهو ما يجعل رئاسة «حركة النهضة» وسيطرتها على البرلمان «من أحداث الماضي، خصوصاً بعد الإعلان عن رفض شعبي لعودة البرلمان المجمد إلى النشاط». لكنه أشار إلى أن «تواصل المهام الدستورية والتشريعية للبرلمان وضرورة مصادقته على الحكومة الجديدة التي سيعلنها الرئيس هي التي ستؤجل حل البرلمان لوقت وجيز».
على صعيد متصل، أكد رئيس حزب «آفاق تونس» الليبرالي فاضل عبد الكافي أنه مستعد للاستجابة لأي دعوة يتلقاها من رئيس الجمهورية لتولي مسؤوليات حكومية، سواء كرئيس للحكومة المرتقبة أو كمسؤول عن الشأن الاقتصادي الذي اعتبره «الخطر الداهم الحقيقي على تونس في المرحلة الحالية».
وعبر عبد الكافي في تصريح إذاعي عن استعداده لتشكيل حكومة مصغرة لا يتجاوز عدد أعضائها 15 وزيراً يتم اختيارهم على أساس الكفاءة وليس الولاء لشخصه، ويكون برنامجها واضحاً للشروع مباشرة في الإصلاح الاقتصادي. وشغل عبد الكافي منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة يوسف الشاهد. في غضون ذلك، أكد مكتب منظمة «العفو الدولية» في تونس أن البرلماني ياسين العياري رئيس «حركة أمل وعمل» يواجه دعاوى عسكرية جديدة بسبب 4 منشورات على موقع «فيسبوك» في 25 و26 و27 و28 يوليو (تموز) انتقد فيها بشدة ما وصفه بـ«إساءة استخدام الرئيس قيس سعيد للسلطة»، مسمياً قرارات 25 يوليو بأنها «انقلاب». وناشدت المنظمة السلطات التونسية الإفراج عنه فوراً وإسقاط الدعوى العسكرية بحقه. وكان العياري اعتقل منذ 28 يوليو في سجن المرناقية (غرب العاصمة)، حيث يقضي عقوبة السجن لمدة شهرين بموجب حكم صادر عن محكمة عسكرية في 2018، بسبب منشورات انتقد فيها الجيش، وقد دخل في إضراب عن الطعام منذ يوم 7 سبتمبر (أيلول) الحالي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.