الاحتضان الدولي للحكومة يسهم في محاصرة الانفجار الشامل

الرهان على تموضع السنيورة خارج نادي رؤساء الوزراء ليس في محله

TT

الاحتضان الدولي للحكومة يسهم في محاصرة الانفجار الشامل

يخطئ من يراهن على أن العلاقة الوطيدة التي كانت قائمة بين رؤساء الحكومات السابقين وبين الرئيس نجيب ميقاتي قبل تشكيلة الحكومة لن تبقى على حالها من تبادل الود والتواصل، وستتعرض إلى اهتزازات من حين لآخر، متذرعاً بقول الرئيس فؤاد السنيورة استباقاً لولادتها بأن الدولة مخطوفة، وأن تشكيل الحكومة هو تمديد للأزمة، مع أنه كان أول من انبرى لرأب الصدع بين الرئيسين سعد الحريري وميقاتي عندما شكل حكومته الثانية عام 2011 بعد الإطاحة به وهو في واشنطن أثناء اجتماعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما.
فالرئيس السنيورة نجح في إصلاح ذات البين بين الرئيسين الحريري وميقاتي، وكان في عداد دعم ترشيحه للأخير لتولي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة بعد اعتذار الحريري عن عدم تشكيلها، وبالتالي من غير الجائز التعامل مع موقفه وكأنه يخطو الخطوة الأولى نحو الخروج من نادي رؤساء الحكومات للتموضع إلى جانب قوى المعارضة أو النظر إليه على أنه يعكس موقفاً عربياً يتناغم فيه مع الدول العربية التي ما زالت تحاذر تحديد موقفها من الحكومة العتيدة. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية موثوقة أن الحريري الموجود في دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل مطولاً مع السنيورة في أعقاب الموقف الذي صدر عنه، وتبين من خلال الاتصال بأن السنيورة لم يبدل موقفه من ميقاتي أسوة بزملائه في نادي رؤساء الحكومات، وأن المخاوف التي عبر عنها لا تستهدفه وإنما تشكل دعماً له في مواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون والفريق السياسي المحسوب عليه انطلاقاً من تجاربهم المريرة في التعامل مع هذا الفريق الذي كان في وارد تعطيل الحكومات السابقة وشل قدرتها على تحقيق ما تعهدت به في بياناتها الوزارية وصولاً إلى اختطاف مشروع بناء الدولة مستفيداً من مراعاة «حزب الله» له ودعم تدخله للضغط عليه.
ولفتت المصادر السياسية نفسها إلى أن الموقف الذي أصدره السنيورة يجب أن يوظف لمصلحة ميقاتي في مواجهته لاحتمال تعطيل مهمته الإنقاذية، وقالت إنه يتوجب على عون وفريقه السياسي أن يدرك منذ الآن أن هناك قوى داعمة لرئيس الحكومة وعدم الاستخفاف بدورها، وهذا ما ينطبق أيضاً على زملائه في نادي رؤساء الحكومات ومن بينهم الرئيس تمام سلام، إضافة إلى الحريري الذي لم يتردد في توفير كل أشكال الدعم والتأييد لميقاتي بخلاف ما كان يراهن عليه عون وفريقه السياسي بأن لا مصلحة لسلفه بعد اعتذاره عن تشكيل الحكومة بتعبيد الطريق أمامه لتصبح سالكة لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزم الذي يحاصرها وتحديداً من رئيس الظل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر بأن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كاد يبلغ بوساطته بين عون وميقاتي بر الأمان لكن باسيل دخل على خط تعطيلها ليكون هو البديل لإعادة تعويم نفسه سياسيا، وهذا ما حققه لتفادي تعريض الفريق السياسي المحسوب عليه لعقوبات أوروبية على خلفية إعاقته لتشكيل الحكومة. وأكدت أن الرهان على اهتزاز العلاقة بين ميقاتي والسنيورة ما هو إلا مضيعة للوقت، وقالت إن لا مشكلة بين رؤساء الحكومات وهذا ما سيبرز جلياً في تكريس تحالف انتخابي وسياسي بين ميقاتي والحريري بدعم من السنيورة وسلام، ورأت أنه ليس مطلوباً منذ الآن منح بعض الوزراء شهادات حسن سلوك على أقوالهم قبل أن نرى أفعالهم، خصوصاً أولئك الوزراء الذين ليسوا من أهل الاختصاص وأُسندت إليهم حقائب وزارية تستدعي مراقبتهم لئلا تتحول هذه الحقائب إلى حقل تجارب.
واعتبرت المصادر نفسها أن تأخير تشكيل الحكومة يعود إلى أن «حزب الله» لم يضغط على حليفه باسيل لإسقاط شروطه التي تؤخر تشكيل الحكومة باعتبار أن عون فوض صهره في ملف تشكيلها، وقالت إن الحكومة وُلدت بعد أن جاء الترياق بعد الاتصال الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي بغطاء سياسي من واشنطن أو بقرار منها بغض النظر عن التواصل بين طهران وباريس.
وأكدت أن التشكيلة الوزارية جاءت بأقل من المطلوب شعبياً وسياسياً وهذا باعتراف ميقاتي، وقالت إن التواصل بين ماكرون ورئيسي لم يكن ليحصل بغطاء أميركي بعد أن توصل جميع هؤلاء إلى قناعة بأن الوضع في لبنان أخذ يقترب من الارتطام الكبير وبات على مشارف الانفجار الشامل، وهناك ضرورة لإنقاذه فوراً وعدم ربط حل أزمته بالوضع في المنطقة، خصوصاً أن هناك صعوبة في إعادة تركيبه بعد إجراء الانتخابات النيابية في ربيع عام 2022 لتكوين السلطة السياسية.
وقالت إن التواصل بين باريس وطهران بغطاء أميركي فتح الباب أمام محاولة لتنفيس الاحتقان في لبنان بتسريع تشكيل الحكومة للانصراف ليس لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بلبنان فحسب، وإنما لتوفير العلاج الناجع للجسم اللبناني الذي يعاني من اشتراكات مرضية في حاجة إلى أدوية شتى من نقدية ومالية واقتصادية ومعيشية وإصلاحية وكهربائية ومحروقات، إضافة إلى أدوية من نوع آخر وأولها إعادة ترميم علاقات لبنان بالدول العربية وإنما ليس بالأقوال بل بالأفعال.
وتوقفت المصادر أمام الموقف الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الذي جاء على غير عادته تحت السقف في نظرته إلى الموقف الأميركي من لبنان سواء بقوله إن الوفد الوزاري اللبناني ذهب إلى سوريا بغطاء أميركي للبحث في استجرار الغاز المصري إلى لبنان الذي يلقى تأييداً من واشنطن أو بعدم اتهامه الأخيرة بأنها تعطل تشكيل الحكومة.
فـ «حزب الله» أعفى «الشيطان الأكبر»، أي الولايات المتحدة الأميركية، من تعطيل تأليف الحكومة، ما يعني أنه قرر التسليم بما اتفق عليه بين ماكرون ورئيسي بغض النظر الأميركي اعتقاداً منه بأن جميع الأطراف المحلية باتت مأزومة.
وأن «حاضنة المقاومة» وإن كانت آخر من يتأذى من تراكم الأزمات فإن ساحتها لن تكون في منأى عن تداعياتها السلبية التي تأخذ البلد إلى مكان آخر يصعب السيطرة عليه.
لذلك يتهيب الرئيس ميقاتي لدقة الموقف ويلتفت إلى هموم اللبنانيين لأن المجتمع الدولي الداعم له سيلاحقه لتنفيذ ما سيتعهد به في بيانه الوزاري ولن يلتفت إلى الوزراء، مع أن باسيل رمى من خلال الأطروحة التي أطل بها تكتله النيابي إلى تنظيم منحه الثقة للحكومة بذريعة أنها تبنت العناوين الرئيسية التي أوردها في أطروحته.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.