السودان: إصابة نائب البشير بـ«كورونا» تؤجل محاكمة «الانقلابيين»

الدفاع شكك في مصداقية الشهادات الطبية المقدمة للمحكمة

الرئيس المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته في إحدى محاكم الخرطوم (أ.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته في إحدى محاكم الخرطوم (أ.ب)
TT

السودان: إصابة نائب البشير بـ«كورونا» تؤجل محاكمة «الانقلابيين»

الرئيس المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته في إحدى محاكم الخرطوم (أ.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته في إحدى محاكم الخرطوم (أ.ب)

أدت إصابة بكري حسن صالح، النائب الأول للرئيس السوداني المعزول عمر البشير، بـ«كورونا» إلى تأجيل جلسة المحاكمة التي كانت مقررة أمس للبشير و28 من أتباعه وكبار قادة نظامه، بتهمة تدبير انقلاب 30 من يونيو (حزيران) 1989، وتهمة تقويض النظام الدستوري التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. وفي غضون ذلك شكك الادعاء في «حياد» التقارير الطبية، الصادرة عن مستشفيات خاصة، وقال إنها تهدف للمماطلة وتعطيل سير التقاضي، وطالب باعتماد شهادات صادرة عن جهات طبية رسمية.
وقالت مصادر صحافية إن إدارة السجن المركزي بـ«كوبر» أبلغت قاضي المحكمة الخاصة، حسين الجاك، بثبوت إصابة النائب الأول للرئيس الأسبق بفيروس كورونا داخل محبسه بالسجن، بعد الفحوصات التي أجريت عليه، وطلبت تأجيل الجلسات المقررة دورياً «الثلاثاء» من كل أسبوع، وهو ما دفع رئيس المحكمة إلى رفع الجلسات إلى 28 من الشهر الجاري، حفاظاً على سلامة المتهمين وبقية أطراف القضية.
وطالب المتحدث باسم هيئة الادعاء، المحامي المعز حضرة، باعتماد الشهادات الصحية الصادرة عن «الهيأة الطبية»، وقال: إن شهادات «تصدر من مستشفيات خاصة، ولا يمكننا تحديد مدى مصداقيتها، ولذلك يفترض أن تصدر هذه الشهادات من الهيأة الطبية أو من معامل رسمية... والواضح أن هناك مماطلات وعدم رغبة في سير إجراءات هذه المحاكمة».
وخلال الجلسة السابقة، عرض ممثل الادعاء على المحكمة «بيان الانقلاب الأول»، الذي أذاعه العميد «وقتها»، عمر البشير في 30 يونيو 1989، وأعلن بموجبه تسلم الجيش السلطة، وإطاحة الحكومة المنتخبة، برئاسة الراحل الصادق المهدي، وحل الأحزاب السياسية وتعطيل البرلمان. ومثل البشير مع 26 من معاونيه وكبار قادة نظامه في 12 من يوليو (تموز) 2020 أمام المحكمة الخاصة، التي شكلتها رئيسة القضاة وقتها، نعمات عبد الله من ثلاثة قضاة، لمحاكمتهم على تدبير الانقلاب، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة، ولمواجهة عقوبة الإعدام حالة إدانتهم.
وأبرز من يخضعون للمحاكمة مع البشير هما نائباه السابقان علي عثمان محمد طه، وبكري حسن صالح، ووزير داخليته وقتها عبد الرحيم محمد حسين، ونائبه في رئاسة الحزب، أحمد محمد هارون، وعدد آخر من العسكريين والمدنيين، المتهمين بالمشاركة في تدبير وتنفيذ الانقلاب.
وإلى جانب محاكمة البشير بالانقلاب، كانت محكمة سابقة قد حكمت عليه بالسجن عامين، بعد أن أدانته بالثراء الحرام، والاتجار بالعملات، كما أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، مع رفيقيه عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد محمد هارون، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها نظامه في دارفور 2003، وأدت لمقتل أكثر من 300 ألف شخص ولجوء ونزوح الملايين.
ودأب فريق الدفاع عن البشير ورفاقه على الدفع بأن المحاكمة الجارية «سياسية ألبست ثوب القانون»، وتجري في مناخ معادٍ للمتهمين من جانب أجهزة إنفاذ القانون، مشيرين إلى أن الجرائم سقطت بالتقادم، بحسب إفادة المحامي هاشم الجعلي لـوكالة الصحافة الفرنسية خلال بداية المحاكمة.
ومنذ بدايتها شهدت محاكمة البشير العديد من العثرات، ومخالفات إجرائية، بحسب الادعاء، وهو ما دفع قاضي المحكمة الأول للتنحي متذرعاً بالمرض، فيما طلب القاضي الثاني تنحيته لاعتراض أطراف القضية عليه.
وفي الجلسة الماضية، دخل محامو الدفاع في ملاسنات حادة مع رئيس المحكمة، وأثاروا حالة من الهرج داخل قاعة المحكمة، وعمدوا على مقاطعة القاضي، رافضين الالتزام بالإجراءات المتعارف عليها في سير الجلسات، وقدموا طلبات للقاضي بالتنحي، بعد أن اتهموه بعدم الحياد، وأنه كان من ضحايا نظام البشير الذي سارع بفصله من الهيئة القضائية بعد الانقلاب مباشرة.
لكن القاضي حسين الجاك رفض طلبات هيئة الدفاع بالتنحي، وقال إنه لا يجد ما يجعله يتحامل على المتهمين، وأن رئاسة للمحكمة تأتي وفقاً للقانون ولا علاقة لها بالسياسة.
- - ** - -



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.