تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

إضاءة على المشهد العام على خلفية اعتداء متحف باردو

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
TT

تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)

فتح الاعتداء الدامي الذي استهدف متحف باردو في العاصمة التونسية تونس وقتل فيها أكثر من 20 شخصا جلهم من السياح الأجانب، خلال الأسبوع الماضي، باب النقاش حول خطر الجماعات المتشددة في البلاد على تجربتها الديمقراطية وتعافيها الاقتصادي. ويزيد من هذا الخطر حقيقة أن أكثر من 3 آلاف تونسي التحقوا حتى الآن بالتنظيمات المتطرفة التي تقاتل حاليا في العراق وسوريا، وتشكل نسبة المقاتلين التونسيين إحدى أعلى نسب المقاتلين في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة».

على عكس ما يذهب إلى الأذهان، فإن الجماعات المتشددة والمتطرفة ليست ظاهرة جديدة في بلدان المغرب العربي، ومن بينها تونس، بل هي أقدم من الناحية التاريخية من حركات الإسلام السياسي. وهي اليوم ازدادت قوة لتشكل أهم رافد للمقاتلين الأجانب المنتشرين في سوريا والعراق وليبيا.
لقد استشرت الظاهرة في تونس بعد ثورة 2011، إذ إن انخراط المئات ممن كانوا يقاتلون في الجبهات في العراق والجزائر وأفغانستان وموريتانيا وليبيا وبعض المناطق الساخنة في العالم، عزز من حضورهم وأقنعهم أن «الإسلام المعتدل» ممثلا بـ«حركة النهضة»، على وجه الخصوص، لا يمكن أن يؤدي إلى إقامة «الدولة الإسلامية» وتطبيق الشريعة.
ونحن إذا حاولنا الاقتراب من التيارات المتشددة في تونس وإمعان النظر في طبيعتها، نجد أنها ليست حزبا سياسيا ولا تيارا منظما ينشط في العلن وتحت أعين القانون، بل كان أفراد هذه التيارات منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، ينخرطون في تنظيمات على شاكلة تنظيم يطلق عليه «الجبهة الإسلامية».
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن منطقة المغرب العربي منذ القرن الماضي عرفت إقبالا على كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وناصر الدين الألباني. وأضيفت لها في فترة لاحقة أشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، زعيمي تنظيم القاعدة، وكذلك كتب عمر عبد الرحمن وعبد الله طلال القاسمي، وأبو عاصم المقدسي، وأبو قتادة، وأبو الوليد الأنصاري، وأبو مصعب السوري، وغيرهم.
راهنا، يتزعم كبرى المنظمات المتشددة في تونس، التي تعود في الأصل إلى «الجبهة الإسلامية» المتأثرة بأفكار وقناعات جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا، التونسي الخطيب الإدريسي، وهو مقيم في منطقة بني عون من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، وهو من أهم شيوخها.
وكان الإدريسي قد أمضى سنتين في السجن بتهمة التحريض على الجهاد في عهد الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، قبل أن يطلق سراحه أوائل سنة 2009. ولقد اتهم بإصدار فتوى حمل السلاح ضد الحاكم، مما أدى إلى أحداث مسلحة في منطقة سليمان القريبة من العاصمة التونسية.
وانقسم المتشددون في تونس، مثلهم مثل بقية أقرانهم في العالمين العربي والإسلامي، إلى قسمين أساسيين: نظري، وحركي متطرف. وحقق الشق المتطرف انتشارا سريا متزايدا في منطقة المغرب العربي منذ منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي. غير أن السلطات واجهته بالسجون.
وذكر المحامي سمير بن عمر، المتخصص في قضايا الإرهاب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد الشباب المتهم بالإرهاب في العهد السابق الذي كان داخل السجون، قُدر بنحو 3 آلاف شاب أعمارهم بين 18 و30 سنة. وارتفعت أعدادهم بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ثم الغزو الأميركي للعراق.
وبعد ثورة 2011 في تونس، اختارت التنظيمات المتشددة النزول إلى الشارع بشكل استعراضي، وكان أفرادها يؤدون صلاة جماعية في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، كما خاضوا الاعتصامات والاحتجاجات لمواجهة قوات الشرطة والأمن – أو كما يحلو لهم أن يسموهم «جلادو الأمس» – ورمت خططهم إلى كسب تعاطف التونسيين كونهم من ضحايا نظام بن علي. غير أن هذا الأمر لم يحصل، فعادوا إلى العمل السري، وانتدبوا المئات من الأنصار في ظل ضعف الدولة وتراجع منسوب الأمن والعمل الاستخباراتي.
وفي هذا الشأن، يقول علية العلاني، الباحث التونسي في الجماعات الإسلامية والمتشددة، لـ«الشرق الأوسط»، إن ظاهرة التشدد هذه «تمثل في كل الأحوال (حقل ألغام) ولا تكفي المقاربة الأمنية في علاجها». ويرى أن هذا التيار شهد تطورات مهمة بسبب الحرب على أفغانستان والعراق، وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد «اتفاقيات أوسلو». وهو يقسم العالم برمته إلى قسمين: «دار الإسلام» و«دار الكفر». وتعشش في أذهان المنتمين إلى المجموعات المتطرفة المقاتلة منه عقيدة «الجهاد في سبيل الله» في أي مكان، وطموحمهم الوحيد هو التطوع للقتال من أجل «نصرة الإسلام»، و«محاربة أعداء الله»، وهم أساسا القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها. ولا يخفي العلاني مخاطر هذه الظاهرة «وبخاصة، أنها تتجاوز الأبعاد الأمنية وتهدد مشاريع مكاسب تحديث المجتمع والدولة، وقد يمتد تأثيرها إلى أوروبا المجاورة من خلال تغذية ظاهرة الخوف من الإسلام».
غير أن التنظيمات والجماعات المتشددة في المغرب العربي لا يجمعها تيار واحد، بل هم مجموعة من الاتجاهات، منها ما يتصل بـ«حزب التحرير» أو بـ«جماعة التبليغ» أو بـ«التنظيمات المسلحة»، وعلاقاتهم بنظرائهم في أوروبا متفاوتة. ولكن بعض المصادر ترجح وجود امتدادات تنظيمية في صفوف المهاجرين، في أوروبا خاصة، وهم ينشطون داخل خلايا مغلقة وانتقائية ومحدودة العدد، وعلاقاتهم بالخلايا المتطرفة في أوروبا تسودها السرية المطلقة نظرا لارتباطها بتنظيم القاعدة.
ووفق عدة دراسات ميدانية، فإن ملامح المنخرط بالتيارات المتشددة يكون على النحو التالي: شاب دون 30 سنة من العمر، وهو غالبا ما يكون محدود الثقافة والمستوى الدراسي، وهو إلى جانب ذلك وفي الغالب من المهمشين اقتصاديا واجتماعيا. وقد وجدت هذه التيارات في الأحياء الشعبية التونسية مثل دوار هيشر وحي التضامن وبقية الأحياء الفقيرة القريبة من المدن الكبرى، مادة دسمة تمكنت من خلالها النفاذ إلى عقول البسطاء من الشباب.
ووفق حوار أجراه الباحث العلاني مع أحد العناصر المتشددة، فإن انتداب العناصر في تياره يمر حتما عبر مراحل متعددة، من بينها انتقاء الأفراد الذين لهم توجه متشدد من خلال ترددهم على المساجد والدروس الدينية، على وجه الخصوص. ويحظى الأفراد الذين يظهرون استعدادا فكريا لتقبل الطروحات المتشددة بالأولوية، فيصار إلى توجيههم إلى دراسة بعض الكتب والمراجع. وفي الحلقة الأولى من التنظيم يتم تمكينهم من كتب سيد قطب وأقطاب آخرين غيره، ويتم كذلك مدهم بخطب وأشرطة بن لادن و«المقدسي» و«أبو قتادة». ويطلب من المنخرط في الخلايا المقاتلة المتطرفة حفظ سورة «الأنفال» لما تتضمنه من آيات تحث على القتال ضد الكفار. وعندما تتأكد القيادات من وجود استعدادات جدية في التفاعل مع هذه الخطب والأشرطة يوجهون العناصر المنتدبة إلى خلايا تنظيمية سرية ويطلب منهم أداء البيعة. ويتضمن نص البيعة، على حد قوله، «قسما على السمع والطاعة للأمير في المنشط والمكره وقتال أعداء الله مثلما تم ضبطه في الكتاب والسنة».
وتؤكد عدة دراسات أن الجزائر تمثل «الدينامو» المحرك للتيارات المتشددة في منطقة المغرب العربي، وذلك من ناحية ثقلها العددي واللوجيستي. وتشكل الجماعات الجزائرية النواة الصلبة لهذه التيارات في منطقة المغرب العربي، بما يقارب 90 في المائة من العناصر، وتاريخيا، كانت السباقة إلى العمل المسلح من خلال جماعة مصطفى بويعلي عام 1982.
وتتجه المواجهة الميدانية بين سلطات دول المنطقة والجماعات المتشددة هذه الأيام إلى منطقة الصحراء الكبرى لاعتبارات متعددة أمنية واقتصادية. وتكتسي منطقة «مثلث» الصحراء أهمية خاصة بالنسبة للمتشددين المقاتلين في المغرب العربي، تنبع من كونها منطقة شاسعة المساحة تصعب مراقبتها بدقة. ولهذا السبب يتحالف عناصر «القاعدة» مع زعامات قبلية في هذه المنطقة، وكذلك مع محترفي التهريب خدمة لمصالحهم المشتركة.
ثم هناك عوامل أخرى ساهمت في انتعاشة التيارات المتشددة في تونس نفسها يمكن تصنيفها على أنها عوامل اقتصادية واجتماعية، وكذلك إعلامية من خلال دور الفضائيات في نشر فكرها ومواقفها. ولقد طالب باحثون متخصصون بفتح حوارات وطنية حول مسألة تدعى لها كل الأطراف من دون استثناء، لأن تفكيك الألغام أفضل من تجاهلها، على حد تعبيرهم.
يعد تنظيم «أنصار الشريعة» الذي يقوده التونسي سيف الله بن حسين، المعروف باسم «أبو عياض»، أهم الجماعات المتطرفة المقاتلة في تونس، و«أبو عياض» مقاتل قديم شارك في الحرب الأفغانية. وهذا التنظيم كان أول الجماعات التي ظهرت في تونس بعد ثورة 2011 وهو متهم باغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير (شباط) 2013 ومحمد البراهمي عضو البرلمان في 25 يوليو (تموز) من العام نفسه. وقد حظرت حكومة علي العريض، القيادي في حركة النهضة، نشاطات «أنصار الشريعة» منذ شهر أغسطس (آب) 2013. وبعد حظر هذا التنظيم لجأت معظم قياداته إلى ليبيا المجاورة، وهو على علاقة مباشرة بتنظيم «أنصار الشريعة» في ليبيا. وتعد «كتيبة عقبة بن نافع» في تونس من بين الجماعات المسلحة التي واصلت نشاطاتها في البلاد وقد تحصن أعضاؤها في الجبال الغربية لتونس، ويقودها الجزائري خالد الشايب الملقب بـ«لقمان أبو صخر»
وهي جماعة صغيرة تنشط في جبل الشعانبي، قرب الحدود الجزائرية. ولقد نجحت «الكتيبة» في ضم عدد من المقاتلين الأجانب الذين ما لبثوا أن غادروها لقتال القوات الفرنسية في مالي. وترجح مصادر أمنية أن يكون من بين أعضائها جزائريون وموريتانيون ونيجيريون وهم أمراء وقياديون.
أما قيادات «حزب التحرير»، فتصر على أنها غير معنية بالتصنيفات السياسية المتصلة بالتشدد، وتنفي أي روابط فكرية أو تنظيمية، وتصر على أن «حزب التحرير» لا يحث على القتال ولا يحرض على ممارسة العنف مع أنه يؤمن إيمانا جازما بـ«دولة الخلافة» وتطبيق الشريعة الإسلامية.
وللعلم، كان «حزب التحرير» – الذي تعود نشأته في أواخر السبعينات من القرن الماضي – يعمل بشكل سري، وكانت له خصومات طويلة مع نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وتاريخيا، تعرض كثيرون من عناصره للمحاكمات. وبالفعل يشهد تاريخ الحركات السياسية في تونس أن عناصر الحزب تعرضوا للمحاكمات والملاحقات وأبرزهم محاكمة نحو 300 عنصر بينهم عسكريون بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي غير مرخص له ومخالفة القانون الأساسي للعسكريين. كذلك تعرض أفراد من هذا الحزب عام 1985 للمحاكمة، لكن مع كل هذه المحاكمات كان الحزب ينشط داخل الفضاءات الشعبية والجامعية وعقد عدة مؤتمرات حول موضوع الخلافة خلال أعوام 1988 و1989 و1990، ثم تلت ذلك مرحلة صعبة كان الأمن يلاحق فيها شباب الحزب في الجامعات وخارجها، غير أن الملاحقات والمحاكمات لم تثنِ هذا الحزب عن التحرك والكتابة في الصحف الوطنية وإصدار مجلة ناطقة باسم الحزب «الخلافة».
ويرى باحثون عرب متخصصون أن الحركات المتشددة على وجه العموم، سواء في مصر أو تونس، «كانت تستند إلى جدار قد انهار، وبهذا أصبحت طريحة الأرض. وقد ترغب هذه الحركات في النهوض من خلال صناعة عدو خارجي أو داخلي يجمع الناس حولها، لكن الثورات لم تكشف عورات الأنظمة فقط، بل كشفت عورات المعارضة وهذه الحركات أيضا».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.