توقف عملية تحرير تكريت يثير الإحباط في الموصل والأنبار

سكان المحافظتين كانوا يتوقون لإتمامها ليأتي دورهما

توقف عملية تحرير تكريت  يثير الإحباط في الموصل والأنبار
TT

توقف عملية تحرير تكريت يثير الإحباط في الموصل والأنبار

توقف عملية تحرير تكريت  يثير الإحباط في الموصل والأنبار

رغم مرور أكثر من 10 أيام على محاصرة القوات العراقية مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين من جهاتها الأربع، فإنها لم تتمكن من دخول المدينة التي يسيطر عليها مسلحو تنظيم داعش منذ يونيو (حزيران) الماضي.
وقال مسؤولون ومختصون في الشؤون العسكرية إن تحرير المدينة يحتاج إلى مشاركة فاعلة من قبل طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
بدوره، قال النائب في البرلمان وعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية نايف الشمري، لـ«الشرق الأوسط» إن توقف العمليات العسكرية في محافظة صلاح الدين جاء حسب القيادات المسؤولة لإعطاء فرصة للمدنيين من سكان تكريت للخروج من المدينة قبل دخول القطعات العسكرية، وكذلك بسبب العدد الهائل للعبوات الناسفة التي زرعها مسلحو تنظيم داعش داخل المدينة وفي محيطها؛ حيث تم زرع أكثر من 6500 عبوة ناسفة مما يتطلب خطة محكمة وجهدا هندسيا».
وأضاف الشمري: «ما يهم العراقيين اليوم هو تحرير مدينة تكريت وكل مناطق صلاح الدين، لأنها البوابة التي ستنطلق منها عمليات تحرير مدن الأنبار والموصل، فالمواطنون في محافظتي نينوى والأنبار ينتظرون دخول القوات العراقية لمدنهم بفارغ الصبر، والتريث في دخول تكريت جعل الناس في حيرة من أمرهم، وبدأت علامات اليأس والإحباط تصيب بعضهم». وتابع: «نحن في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية استقبلنا كثيرا من القادة العسكريين الميدانيين وأوضحوا لنا أنهم وضعوا كل الحسابات، ومنها كيفية معالجة المواد والعبوات المتفجرة، لكن زرع العبوات الناسفة بهذا العدد الهائل أصبح عائقا في طريق الجهد الهندسي الذي لا يمتلك الأجهزة الكافية لإزالة تلك العبوات بالسرعة المطلوبة».
من جانبه، اعتبر الشيخ نعيم الكعود شيخ، عشيرة البو نمر في محافظة الأنبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن توقف العمليات العسكرية في تكريت «نكسة كبيرة للمحافظات الأخرى». وأضاف: «كنا نأمل أن يكون هناك تحرير سريع حسب ما أعلنه كثير من المسؤولين في تصريحاتهم النارية، لكني كنت على يقين تام بأن عملية تحرير صلاح الدين لن تمر بسرعة لكون محافظة صلاح الدين تحتاج إلى مشاركة أبنائها في عمليات التحرير ومن داخل مدينتهم، فالقتال من داخل المدينة أسهل بكثير من القتال من خارجها، وعلى الحكومة العراقية والقوات الأمنية الاعتماد على أهالي تكريت الموجودين داخلها».
ويرى الكعود أن توقف العمليات العسكرية في تكريت «جاء بقرار سياسي، وليس عسكريا، فالكم الهائل من القادة العسكريين الميدانيين وأصحاب الكفاءة والخبرة في العمليات العسكرية ودخول المدن، لا أعتقد تعوقهم العبوات الناسفة أو انتشار القناصة، فكل تلك العقبات موجودة في مخططات كل الحروب والصراعات العسكرية، وأعتقد أن الاتفاقات والخلافات بين السياسيين هي السبب الرئيسي في توقف عملية تحرير تكريت».
الخبير العسكري اللواء عبد الكريم خلف، أبدى، بدوره، استغرابه من توقف عملية تحرير تكريت «بسبب مربع صغير لا تجاوز 3 كيلومترات يسيطر عليه مسلحو تنظيم داعش»، مشيرا إلى أنه «يمكن معالجة هذا المربع بعملية عسكرية تقليدية أو يتم تخطيه ويكون الدخول إلى المدينة من مناطق أخرى خصوصا من الجهة الشمالية». وقال خلف لـ«الشرق الأوسط» إن «تقدير العمليات العسكرية في محافظة صلاح الدين هو أمر يخص قائد العمليات، ولكن لا يمكن مطلقا إيقاف عملية بحجم كهذا من أجل مربع صغير، وكان لا بد من إحاطة تلك المنطقة وتكثيف النيران عليها ثم اقتحامها».
من جهته، قال مصدر عسكري رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد جدول زمني لوصول التعزيزات واستئناف العملية العسكرية لتحرير مدينة تكريت، خاصة في ظل انتشار قناصي «داعش» والعبوات الناسفة والمنازل المفخخة والانتحاريين في كل أرجاء المدينة، مشيرا إلى أن هناك حاجة ملحة لأفراد وجنود مدربين ومحترفين. وأضاف المصدر أن معركة تكريت أضحت «تكتيكية وفنية، لا سيما أن مسلحي تنظيم داعش يحاولون استخدام المدنيين دروعا بشرية، بينما تحاول القوات العراقية التقدم في المدينة بأقل الخسائر لحماية أرواح المواطنين وكذلك البنى التحتية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.