تفاهم بين إيران و«الطاقة الذرية» على «حل أكثر القضايا إلحاحاً»

توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران إلى «تفاهم» سيسمح بتغيير بطاقات الذاكرة في كاميرات المراقبة بمواقع نووية إيرانية، في خطوة من شأنها أن تبعد أي إدانة لإيران في الاجتماع الفصلي لمجلس المحافظين اليوم، وسط غموض بشأن موعد استئناف المباحثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
والتقى المدير العام للوكالة الدولية، رافائيل غروسي، في زيارة خاطفة إلى طهران، أمس، مع رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي، في أول مباحثات رسمية بين الجانبين، بعد تولي المتشدد المحافظ إبراهيم رئيسي الشهر الماضي. وقال إسلامي إن المباحثات «كانت بناءة». وأوضح، في مؤتمر صحافي مشترك مع غروسي، أنه «تقرر استبدال بطاقات ذاكرة كاميرات المراقبة الفنية، واتخاذ الإجراءات الفنية اللازمة للكاميرات».
وبعد عودته من طهران، أبلغ غروسي الصحافيين في مطار فيينا أن الوكالة حلت القضية الأكثر إلحاحاً مع إيران بالتوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بخدمة معدات المراقبة، مما يفتح الباب أمام جهود دبلوماسية أوسع نطاقاً. وبحسب رويترز، قال غروسي: الوكالة ستبدأ تشغيل خدمة المراقبة في إيران وسيكون في غضون أيام وقريباً جداً»، مشيراً إلى أنه حل مشكلة انهيار الاتصال مع إيران بعد زيارته إلى طهران، موضحاً أن «اتفاق اليوم مع إيران يمنحنا تصحيحا فوريا للوضع بشأن معدات المراقبة»، وقال: «لدينا كل الوسائل الفنية التي نحتاجها لمواصلة الحصول على المعلومات بشأن المراقبة في إيران».
ونوه غروسي بأنه تلقى دعوة ودية للعودة إلى إيران قريباً لمناقشة القضايا العالقة حول جزيئات اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع إيرانية. وقال إن الاتفاق يستهدف «إتاحة فرصة للدبلوماسية... حتى يتسنى التوصل إلى حلول أوسع نطاقاً».
وأعلن الجانبان، في بيان مشترك، بعد لحظات من انتهاء المباحثات، أنه «سيسمح لمفتشي الوكالة بالصيانة الفنية والتقنية لأجهزة المراقبة المحددة، واستبدال بطاقات الذاكرة لهذه الأجهزة التي ستُختم من قبل الجانبين، وتحفظ في إيران»، غير أن إيران لم تسمح للوكالة بالاطلاع على تسجيلات الكاميرات، التي ستبقى مخزنة تحت أختام مشتركة من طهران والوكالة الدولية، ونوّه البيان أن الطرفان اتفقا على الطريقة والتوقيت لتنفيذ الخطوة. وقام غروسي بزيارته قبل اجتماع يعقده مجلس حكام الوكالة، اعتباراً من اليوم. وقال إسلامي بهذا الصدد إن إيران «ستشارك في الاجتماع... وستجري محادثات على هامشه».
وانتقدت الوكالة الدولية، الثلاثاء، إيران بسبب رفضها التعاون في تحقيق تجريه حول أنشطة سابقة، لم تبلغ عنها، وتعريض أعمال المراقبة المهمة للخطر، بعدما علّقت طهران التسوية المؤقتة الهادفة إلى تعويض تخليها عن البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار. إضافة إلى ذلك، قالت الوكالة الدولية، في تقرير الفصلي، إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يتضمن نحو 10 كيلوغرامات مخصبة بنسبة 60 في المائة، وهي نسبة قريبة من تلك اللازمة لصنع أسلحة نووية.
وتسارعت الاتصالات بين أطراف الاتفاق النووي عقب تقارير غروسي. وسافر الوفد المفاوض الأميركي برئاسة المبعوث الخاص بإيران، روبرت مالي، إلى موسكو لبحث تطورات الملف الإيراني، وتوجه الوفد الأميركي الجمعة إلى باريس، والتقى دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين وألماناً، قبل أن يعلن السبت عن زيارة غروسي إلى طهران. وقبل ذلك بيومين، كانت وكالة «نادي المراسلين الشباب» التابعة للتلفزيون الإيراني، قد نقلت عن مصدر مسؤول أن طهران تجاهلت طلب تقدم به غروسي منذ الشهر الماضي لزيارة طهران.
وأجرى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخميس، اتصالاً بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد ساعات من انتهاء المشاورات الروسية - الأميركية.
واستهدفت محادثات غروسي تهدئة حدة خلاف بين طهران والغرب، في ظل مخاوف من تصاعده وتأثيره على مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، بحسب «رويترز». ومن جانبها، رأت وكالة الصحافة الفرنسية، أن غروسي تمكن خلال زيارته الثانية إلى إيران هذه السنة، من ضمان الاستمرار بمراقبة البرنامج النووي الإيراني، وفق الترتيبات السارية، إذ كانت الوكالة تخشى فقدان البيانات في حال استنفاد سعة تسجيل الكاميرات. كما منح مهلة جديدة للدول الكبرى التي تسعى لإحياء الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.
ووصف إنريكي مورا، مبعوث الاتحاد الأوروبي، الذي ينسق المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي، إعلان أمس بأنه {خطوة إيجابية نحو ضمان استمرار المعرفة بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني}. وأضاف على {تويتر}: {امنحوا الدبلوماسية فرصة. أشيد بالجهود المبذولة}.
ورحب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة في فيينا ميخائيل أوليانوف بنتائج زيارة طهران ودعا إلى استئناف المفاوضات مع إيران.
وقال عبر تويتر {نرحب بنتائج زيارة السيد غروسي لطهران... ندعو إلى استئناف محادثات فيينا بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة بأسرع وقت}.
وبموجب قانون أقرّه البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون، بدأت طهران في فبراير (شباط) تقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتخلي عن البروتوكول الإضافي، بعد انقضاء المهلة التي حددها البرلمان لرفع العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، بهدف تعديل سلوك إيران الإقليمي وتحجيم انتشار برنامجها الصاروخي.
لكن الوكالة الدولية وإيران أبرما اتفاقاً «تقنياً» مؤقتاً، يتيح استمراراً محدوداً لخطوات كانت لتتوقف بالكامل بموجب قانون البرلمان، الذي فُسر في الداخل الإيراني بأنه محاولة لعرقلة إحياء الاتفاق النووي، بينما كانت البلاد تقترب من الانتخابات الرئاسية، نظراً لأن الكلمة الأخيرة في البرنامج النووي، تعود في الأساس إلى صاحب كلمة الفصل في المؤسسة الحاكمة، «المرشد» علي خامنئي.
واستمرت التسوية المؤقتة 3 أشهر، ومُدّد لشهر إضافي، انتهى في 24 يونيو (حزيران). وبناء عليه، أبقت طهران عمل كاميرات مراقبة تابعة للوكالة في بعض المنشآت، لكن مع الاحتفاظ بتسجيلاتها. وأعلنت في فبراير أنها ستسلّم التسجيلات للوكالة في حال التوصل إلى تفاهم لإعادة إحياء الاتفاق النووي ورفع واشنطن العقوبات المفروضة عليها. وقال رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، إن بلاده لن تسلم الوكالة الدولية أي تسجيلات.
وفي مارس (آذار) الماضي، ساهمت التسوية في تجميد خطة فرنسية - ألمانية - بريطانية، لتوبيخ إيران، بعدما اشتكى غروسي من عدم تعاون إيران في قضايا عالقة، مثل العثور على جزئيات اليورانيوم في مواقع إيرانية.
وتكرر السيناريو ذاته في يونيو، إذ أعدّ الثلاثي الأوروبي، بدعم من الولايات المتحدة، مشروع قرار ينتقد طهران بهدف إجبارها على الوفاء بوعودها لتقديم تفسيرات إلى الوكالة الدولية بشأن جزيئات اليورانيوم التي عثر عليها في 3 مواقع إيرانية، لكن الدول الغربية لم تحرك القرار في الاجتماع السابق لمجلس المحافظين خشية تأثر المفاوضات مع إيران الساعية لإحياء الاتفاق النووي.
وتندرج مسألة كاميرات المراقبة ضمن إطار المفاوضات الجارية لإنقاذ الاتفاق الذي بات مهدداً بالانهيار منذ الانسحاب عام 2018 وإعادة فرض عقوبات مشددة انعكست سلباً على الاقتصاد الإيراني وقيمة العملة المحلية. وبعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، تراجعت إيران تدريجياً عن تنفيذ معظم التزاماتها الأساسية المنصوص عليها في الاتفاق.
وبدأت في أبريل (نيسان) محادثات في فيينا بين إيران وأطراف الاتفاق، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، سعياً لإحياء الاتفاق من خلال إبرام تفاهم يتيح رفع العقوبات، في مقابل عودة إيران لاحترام كامل التزاماتها.
غير أن المحادثات معلقة منذ 20 يونيو بعد يومين من فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
من جهته، أكد رئيسي، الأربعاء، غداة صدور التقرير، أن بلاده تبدي «شفافية» بشأن أنشطتها النووية، لكنه أضاف: «بالطبع، في حال وجود نهج غير بناء من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من غير المنطقي توقع استجابة بناءة من إيران». في المقابل، حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد نشر التقرير أن بلاده باتت «قريبة» من التخلي عن جهودها لإحياء الاتفاق.