غينيا: الانقلابيون يمنعون الوزراء وكبار المسؤولين من السفر

تعهدوا تشكيل حكومة وحدة وطنية لإدارة المرحلة الانتقالية

ترحيب في شوارع كوناكري بقوات الانقلاب التي يرى فيها عدد من المواطنين مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد (أ.ف.ب)
ترحيب في شوارع كوناكري بقوات الانقلاب التي يرى فيها عدد من المواطنين مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد (أ.ف.ب)
TT

غينيا: الانقلابيون يمنعون الوزراء وكبار المسؤولين من السفر

ترحيب في شوارع كوناكري بقوات الانقلاب التي يرى فيها عدد من المواطنين مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد (أ.ف.ب)
ترحيب في شوارع كوناكري بقوات الانقلاب التي يرى فيها عدد من المواطنين مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد (أ.ف.ب)

قرر قادة الانقلاب العسكري في غينيا، أمس (الاثنين)، منع أعضاء حكومة الرئيس المخلوع ألفا كوندي، وكبار المسؤولين خلال حكمه، من مغادرة البلاد طيلة «الفترة الانتقالية» التي أعلنوا عنها دون أن يعطوا أي تفاصيل حول مدتها ولا طريقة تسييرها، مكتفين بالإشارة إلى أن «حكومة وحدة وطنية» ستشكل قريباً.
وفيما كان زعيم الانقلاب الكولونيل مامادي دومبيا، يصل إلى خيمة من البلاستيك نصبت في قصر الشعب في العاصمة كوناكري، استقبله أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين الذين لبوا دعوته لاجتماع، قال الانقلابيون إن من يتخلف عنه من المدعوين سيعدّ «متمرداً»، فيما أعلن الأمين العام للحكومة (المحلولة) في رسالة قبيل الاجتماع أن «رئيس الوزراء كاسوري فوفانا يأمر كل أعضاء الحكومة بتلبية دعوة سلطات البلاد الجديدة».
وصودرت جوازات سفر جميع الحاضرين من أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين، فيما قال زعيم الانقلاب مخاطباً الحاضرين: «اليوم لن نعطي دروساً في التاريخ، لأن الشعب الغيني عانى من التصرفات الدنيئة لمن يسمون نخبة»، قبل أن يوجه انتقادات لاذعة للطريقة التي كانت تدار بها البلاد خلال العقود الماضية، ثم أضاف: «أود أن أبلغكم أن أي سفر خارج حدود البلاد غير مسموح به طيلة الفترة الانتقالية، وجميع وثائق السفر والسيارات الحكومية يجب أن تسلموها». وقال زعيم الانقلاب إن «السياسيين فككوا النسيج الاجتماعي للبلد، ولتفادي انزلاقه نحو الهاوية، قررنا في اللجنة الوطنية للتجمع والديمقراطية تحمل مسؤوليتنا كأي جندي جمهوري»، مشيراً إلى أن «مشاورات عامة ستفتح لتحديد الخطوط العريضة للفترة الانتقالية. وستشكل حكومة وحدة وطنية لإدارتها». وتأتي هذه القرارات بعد يوم واحد من اعتقال «وحدة القوات الخاصة» في الجيش الغيني للرئيس ألفا كوندي (83 عاماً)، وإعلان تعطيل الدستور وحل الحكومة، وإغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية مع حظر تجول، ولكنهم عادوا أمس لفتح الحدود الجوية أمام الرحلات الإنسانية والتجارية، وفتح الحدود البحرية أمام الشركات التي تستخرج المعادن من البلد. وشكل الانقلابيون مجلساً عسكرياً يحمل اسم «اللجنة الوطنية للتجمع والديمقراطية»، يضم في عضويته قادة «القوات الخاصة» التي أنشئت سنة 2018 من أجل محاربة الإرهاب، ورغم نجاحهم في اعتقال الرئيس ومنع أعضاء الحكومة من السفر، فإن الوضع العسكري لا يبدو أنه استقر لهم، إذ طلبوا في بيان أمس، من عناصر الحرس الرئاسي «الالتحاق بتجمع قوات التدخل السريع في مقرها بمنطقة 36، وفي حال رفض الاستجابة لهذا الأمر، ستجري عمليات تمشيط في كل أنحاء البلاد»، وهو ما يثير مخاوف من انزلاق البلاد نحو العنف.
في غضون ذلك، بدت شوارع الأحياء القريبة من القصر الرئاسي خالية من المارة، صباح أمس (الاثنين)، بينما أغلقت المحلات التجارية أبوابها، خشية انزلاق الوضع، فيما سبق أن خرجت مظاهرات مؤيدة للانقلاب مساء الأحد، تخللتها أعمال نهب وشغب.
وقوبل الانقلاب بارتياح شعبي واسع، إذ يرى فيه عدد من الغينيين مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدني الأجور وانتشار الفقر، وإحساس واسع بالإحباط، خصوصاً في أوساط الشباب. أما المعارضة فلم يصدر عنها أي موقف من الانقلاب العسكري، خلال الـ24 ساعة الأولى، وإن كانت مصادر داخلها عبرت عن ارتياحها للإطاحة بالرئيس كوندي، ورغم توجسها من الانقلاب ونوايا قادته، فإنها تعتقد أنه قد يكون مخرجاً للأزمة السياسية الخانقة التي تركها ألفا كوندي، حين أصر على تعديل الدستور حتى يتمكن من الترشح لولاية رئاسية ثالثة العام الماضي (2020)، وهو ما رفضته المعارضة، ليعتقل عدداً من الناشطين فيها، معلناً فوزه بالانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي، وهو ما اعتبرته المعارضة عملية تزوير.
في غضون ذلك، أعلنت «الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور»، وهي تشكيل سياسي معارض للرئيس المخلوع، أن ناشطيها الموجودين في السجون سيفرج عنهم، ودعت أنصارها في العاصمة إلى الخروج لاستقبالهم، دون أن تشير في البيان الصحافي إلى أي موقف من الانقلاب العسكري. وقال مصدر دبلوماسي في غينيا لـ«الشرق الأوسط»، فضل حجب هويته، إن «جميع الظروف كانت تشير إلى إمكانية وقوع تحرك لتغيير الأوضاع، ولكن ربما ما فاجأ الغينيين هو سرعة هذا التحرك، أي قبل أن يكمل الرئيس سنته الأولى من مأموريته الثالثة»، ويشير الدبلوماسي إلى أن «كوندي منذ فوزه بالانتخابات الأخيرة اعتمد سياسة مالية صارمة، واستحوذ على كل قرارات الصرف، في إطار سياسة لمحاربة الفساد والتخفيف من تداعيات الجائحة، ولكنه بذلك أغضب أطرافاً في السلطة»، مشيراً إلى أن هذه الأطراف تحتفي بالانقلاب العسكري رغم كونها محسوبة على كوندي من الناحية السياسية.
ويواجه الانقلاب رفض كل من فرنسا والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن لا يبدو أن موقف المجموعة الدولية سيكون مؤثراً في ظل عجزه عن منع الانقلاب في مالي وتشاد. ما تشهده غينيا هو ثالث انقلاب عسكري تعرفه منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، ولكن ما توقف عنده الغينيون هو الرجل الذي قاده، والذي لم يكن معروفاً لديهم قبل 2018 حين عينه كوندي قائداً لوحدة من «القوات الخاصة»، أسند إليها مهمة الحرب على الإرهاب، بعد تصاعد خطر «القاعدة» و«داعش» في منطقة الساحل.
الكولونيل مامادي دومبيا، يحمل الجنسية الفرنسية وكذلك زوجته، كما أنه حاصل على شهادة الماجستير في الدفاع والديناميكيات الصناعية من باريس، وخدم في «الفيلق الأجنبي» بالجيش الفرنسي، وتدرب في الأكاديمية الدولية للأمن في إسرائيل، وقاتل في أفغانستان وجيبوتي وكوت ديفوار وجمهورية أفريقيا الوسطى، قبل أن يعود إلى بلده الأصلي. ولكن الكولونيل مامادي دومبيا قاد قبل عامين وحدة من القوات الخاصة الغينية شاركت في مناورات «فلينتلوك» الأميركية بدولة بوركينا فاسو، وهناك التقى بالكولونيل آسيمي غويتا، الذي كان بدوره يقود وحدة من القوات الخاصة المالية، وفي نهاية المطاف قاد الرجلان انقلابين عسكريين في بلديهما.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.