ميقاتي ينتظر من عون «الضوء الأخضر» لولادة الحكومة

كي لا تكون الجولة الحاسمة كسابقاتها «طبخة بحص»

عون خلال استقباله وفداً في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
عون خلال استقباله وفداً في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
TT

ميقاتي ينتظر من عون «الضوء الأخضر» لولادة الحكومة

عون خلال استقباله وفداً في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
عون خلال استقباله وفداً في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)

قال مصدر سياسي مواكب من كثب للجمود المسيطر على مشاورات تأليف الحكومة، بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، إنه لا مشكلة لدى الأخير في التوجه في أي لحظة إلى بعبدا للقاء عون، في حال تلقى منه «الضوء الأخضر» لتسهيل تأليفها اليوم قبل الغد.
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، هو من سينقل إلى ميقاتي أنه لم تعد هناك عقبات تعيق ولادة الحكومة، نافياً أن يكون هناك وسطاء آخرين غير «وسيط الجمهورية» يتولون نقل الرسائل المتبادلة بين الرئيسين، مع أنه ليس لهؤلاء ممن كانوا يتحركون في السابق قبل حصر الوساطة باللواء إبراهيم أي صفة رسمية.
وعد المصدر السياسي أنه «لم يعد من مبرر لتكرار اللقاءات المخصصة للتشاور بين عون وميقاتي، واللقاء الوحيد الذي لا يزال عالقاً يُفترض أن يؤشر إلى تصاعد الدخان الأبيض الذي يدفع باتجاه الخروج من المراوحة، تمهيداً لإصدار المراسيم الخاصة بتشكيل الحكومة».
ولفت إلى أن ميقاتي كان قد سلم عون التشكيلة الوزارية «التي يُعتقد أنها قادرة على إنقاذ البلد ووقف انهياره، وينتظر من عون أن يُفرج عنها». غير أنه أوضح أن التشكيلة «ليست التي يتطلع إليها الرئيس المكلف، بل تعكس واقع حال البلد، لأن هناك صعوبة في التفاهم على التشكيلة المرتجى منها إحداث نقلة نوعية».
وأكد المصدر أن ميقاتي «يتبع سياسة النفس الطويل» في المشاورات التي يجريها مع عون لتشكيل الحكومة، ويصر على «تدوير الزوايا وهو يخوض معه مفاوضات صعبة، آخذاً بعين الاعتبار عدم موافقته على إعطاء الثلث الضامن لأي فريق، سواء أكان هذا الثلث مقنعاً أم بطريقة مباشرة، لأن حكومة كهذه غير قابلة للحياة، ولن تكون قادرة على العطاء، وستكون نسخة طبق الأصل عن الحكومات السابقة».
ورأى أن ميقاتي لن يخضع للضغوط من أي جهة أتت، وهو يصر على التمسك بالثوابت التي رسمها لنفسه، وبالتالي الصمود عند الخطوط الحمر التي لن يتجاوزها أو يتخلى عنها لتشكيل حكومة بأي ثمن. وقال إن «الرئيس المكلف لن يسلم لرئيس الجمهورية بتسمية الوزراء لتولي حقائب الاقتصاد والطاقة والشؤون الاجتماعية، وهو يصر على أن تكون له كلمة الفصل في تسمية الوزير الذي سيتولى وزارة الاقتصاد».
وعد أن ميقاتي وإن كان يترقب من عون التراجع عن شروطه، بإعطائه الضوء الأخضر للتوجه إلى بعبدا للقائه في اجتماع حاسم أخير يتوج بصدور المراسيم لتشكيل الحكومة، فإنه «يتمسك بتسمية الوزير الذي سيتولى حقيبة الاقتصاد، وإلا فلا جدوى من أي لقاء، ما دام أنه سينتهي بلا نتائج، ولن يحقق التقدم المطلوب للخروج من دوامة المراوحة».
وعزا ذلك إلى أن ميقاتي، وإن كان يحرص على أن تشكل الحكومة فريق عمل متجانساً، ويتولى هو شخصياً الإشراف على إدارة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للانتقال بالبلد من مرحلة التأزُّم غير المسبوق إلى مرحلة التعافي المالي بدعم المجتمع الدولي. وقال إنه من غير الجائز تغييبه عن المفاوضات، وبالتالي تحميله مسؤولية ما ستؤول إليه، من دون أن يشارك فيها من خلال تسميته لوزير الاقتصاد.
وأكد المصدر نفسه أن المجلس النيابي هو من يتولى محاسبة الحكومة، وسأل: «كيف يمكن محاسبتها ما دام أن عون يريد الإمساك بالملف الاقتصادي وهو لا يتحمل مسؤولية أمام البرلمان؟». وقال إن إصرار الفريق السياسي المحسوب على عون على إطلاق جرعات من التفاؤل من جهة، والحديث عن التعاون الإيجابي بين الرئيسين «لا يُصرف في مكان ما دام أن عون باقٍ على عناده ومكابرته».
ولاحظ أن ما يضخه الفريق السياسي التابع لعون من أجواء إيجابية تدحضه الأجواء الأخرى المسيطرة على مشاورات التأليف التي عُلقت، ولم تعد خافية على المجتمع الدولي، وتحديداً على باريس وواشنطن اللتين تحملان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مسؤولية مباشرة حيال تعطيل الجهود الرامية إلى إخراج تشكيل الحكومة من التأزُّم.
وحذر المصدر نفسه الفريق السياسي المحسوب على عون الذي يخضع مباشرة للتعليمات التي يتلقاها من باسيل من استمراره في التحريض بتحميله رؤساء الحكومات السابقين، وتحديداً سعد الحريري، مسؤولية مباشرة حيال تأخير الحكومة، متذرعاً كعادته بأنه هو من يعيق تشكيلها، بخلاف ما توافر من قناعات لدى الرئيس المكلف يحمّل فيها هذا الفريق مسؤولية التعطيل، خصوصاً أنه لا غبار على دعم الحريري للرئيس المكلف الذي يتواصل معه يومياً.
لذلك، وباختصار، يمكن القول -بحسب المصدر- إن توجيه الفريق السياسي لعون أصابع الاتهام إلى الحريري ما هو إلا محاولة مكشوفة للهروب إلى الأمام لصرف الأنظار عن دوره التعطيلي. وعليه، فميقاتي، وإن كان ينصرف إلى البحث في الخيارات التي سيتخذها في حال أوصد عون الأبواب في وجه جهوده الرامية للانتقال بتشكيل الحكومة إلى بر الأمان، فإنه لا يزال يعطي الأولوية أو بالأحرى الفرصة الأخيرة لعون ليلاقيه في منتصف الطريق الذي لن يكون سالكاً للإعلان عن ولادتها ما لم يقتنع عون بأن هناك استحالة أمام حصوله على الثلث الضامن، بخلاف ما ينفيه في العلن، ويتولى فريقه السياسي الرد على الحملات الإعلامية التي تستهدفه على خلفية تمسكه بهذا الثلث، وإلا لماذا يصر على تسمية 9 وزراء مسيحيين في حكومة من 24 وزيراً زائداً الوزير الآخر المحسوب على حليفه النائب طلال أرسلان.
ويبقى السؤال: هل اقتنع عون بإطفاء الضوء الأحمر بلا رجعة الذي يؤخر تشكيل الحكومة لمصلحة إطلاقه للضوء الأخضر الذي من خلاله يصبح الطريق سالكاً نحو ولادتها، شرط أن يتخلى عن حقيبة الاقتصاد، وإلا ليس في وارد ميقاتي العودة إلى مشاورات التأليف، كسابقاتها من المشاورات التي أنتجت مزيداً من «طبخات البحص».
لذلك فإن كرة التعطيل هي الآن في مرمى عون، فهل يلتقط الفرصة الأخيرة، ويتعاون كما يوحي فريقه مع ميقاتي لتسريع تشكيل الحكومة، أم يفوتها ويُقحم البلد في أزمة سياسية تتجاوز العقدة الحكومية إلى أزمة حكم غير محسوبة النتائج سترتد حكماً على «العهد القوي» قبل الآخرين.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.