العمادي بين إسرائيل وغزة لتسوية الخلاف حول المنحة

ضغوط مصرية وقطرية على «حماس» من أجل عدم التصعيد

تحضير بالونات حارقة لإرسالها إلى إسرائيل شمال غزة (أ.ف.ب)
تحضير بالونات حارقة لإرسالها إلى إسرائيل شمال غزة (أ.ف.ب)
TT

العمادي بين إسرائيل وغزة لتسوية الخلاف حول المنحة

تحضير بالونات حارقة لإرسالها إلى إسرائيل شمال غزة (أ.ف.ب)
تحضير بالونات حارقة لإرسالها إلى إسرائيل شمال غزة (أ.ف.ب)

يعمل رئيس اللجنة القطرية محمد العمادي على حل الخلاف بين إسرائيل و«حماس» حول الأسماء المستفيدة من المنحة القطرية. وتنقل العمادي مرتين بين غزة وإسرائيل في اليومين الماضيين والتقى مسؤولين في القطاع وآخرين في تل أبيب، من أجل وضع اتفاق نهائي حول المنحة.
وكان العمادي قد وصل إلى قطاع غزة في وقت متأخر، الخميس، والتقى الجمعة مسؤولين في قيادة «حماس»؛ على رأسهم يحيى السنوار رئيس الحركة في قطاع غزة، لبحث الآلية الجديدة المتعلقة بالمنحة القطرية، لكن الحركة رفضت التدخل الإسرائيلي المباشر في أسماء المستفيدين من المنحة والذي أدى إلى شطب نحو 2000 منهم.
والسبت، غادر العمادي القطاع إلى إسرائيل، ثم عاد في وقت متأخر، والتقى أمس قيادة «حماس» مرة أخرى. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن العمادي يريد الوصول إلى اتفاق نهائي حول المنحة القطرية من أجل التفرغ إلى دفع مباحثات التهدئة قدماً. وكانت إسرائيل قد منعت إدخال المنحة القطرية إلى القطاع منذ المواجهة الأخيرة في مايو (أيار) الماضي، لكن بعد مفاوضات ووساطات وتصعيد متقطع، أقرت آلية جديدة تسمح بصرف المنحة لـ100 ألف أسرة فقيرة في القطاع.
وتم الاتفاق بين السلطة الفلسطينة وقطر والأمم المتحدة على توزيع جزء من المنحة للأسر الفقيرة في غزة وفق قائمة محددة تم إجراء مسح اجتماعي عليها. لكن ذلك لم يشمل موظفي حكومة حركة «حماس».
وسمح باستنئاف دخول الأموال القطرية لغزة ضمن تسهيلات أخرى، شملت زيادة منطقة الصيد في قطاع غزة إلى 15 ميلاً بحرياً وزيادة في إدخال البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، وزيادة إمدادات المياه بمقدار 5 ملايين متر مكعب إضافية. والسماح بشكل إضافي لخمسة آلاف تاجر آخر من غزة بالمرور عبر معبر إيريز إلى الضفة وإسرائيل، ليصبح عدد التجار الإجمالي 7000.
لكن الفصائل رأت في ذلك تسهيلات شكلية. وفي هذا الوقت، تمارس مصر وقطر ضغوطاً على «حماس»، من أجل عدم التصعيد حتى لا تعرّض تسهيلات غزة للخطر. وقد تم نقل هذه الرسائل في الأيام الأخيرة إلى قيادة «حماس».
في هذه الأثناء، رفع الجيش الإسرائيلي تأهبه على الحدود مع قطاع غزة، ونشر تعزيزات إضافية استعداداً لتصعيد محتمل خلال فترة الأعياد اليهودية التي تبدأ اليوم (الاثنين). ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر أمنية أن إسرائيل ستعمل كل ما بوسعها لمنع التصعيد، ولكنها في الوقت نفسه مستعدة له.
وجاءت الاستعدادات الإسرائيلية مباشرة بعد عودة وفد أمني إسرائيلي السبت، من مصر، تكوّن من شخصيات أمنية رفيعة المستوى بينها عضو بارز في مجلس الأمن القومي. وأجرى الوفد محادثات معمقة حول الأوضاع في قطاع غزة. وقال اللواء غسان عليان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية والقطاع، إن الزيارة «تضمنت مواضيع كثيرة». وأضاف أن «معظم الحديث تمحور حول التهدئة والحيلولة دون التصعيد في المنطقة الحدودية مع غزة».
وتخشى إسرائيل من أن تلجأ «حماس» للتصعيد بعد خلافات حول المنحة القطرية ومطالبات متصاعدة بإجراءات أكثر وضوحاً تجاه غزة.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، أمس، أنهم سيواصلون كل أشكال المقاومة الشعبية، حتى يستجيب الاحتلال لمطالب الفلسطينيين، وفي مقدمتها إنهاء الحصار.
وقال: «سيواصل شبابنا الثائر في قطاع غزة فعالياته بكل أشكال المقاومة الشعبية مستنداً إلى مقاومة تملك السلاح والقرار، ستواصل دورها وفعلها حتى يستجيب الاحتلال لمطالب شعبنا في إنهاء الحصار والإغلاق بالكامل وليس العودة فقط إلى ما قبل 11 مايو».
وجات تصريحات البطش بعد أخرى لـ«حماس»، قالت فيها إن الفعاليات الشعبية على حدود قطاع غزة ستستمر، بما في ذلك إطلاق البالونات الحارقة من القطاع، حتى يتم الرفع الكامل للحصار عن القطاع.
وتضغط «حماس» من أجل رفع الحصار بالكامل عن غزة، وإدخال المنحة القطرية إلى غزة بالكامل، لكن إسرائيل تشترط استعادة جنودها من غزة من أجل تهدئة طويلة ومستدامة، وهي نقطة تثير كثيراً من الخلاف.



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».