«كوفيد ـ 19» يزيد التنافس على الحد من «المعلومات المضللة»

دور أكبر للمواقع الإلكترونية التابعة للصحف

غوغل نيوز
غوغل نيوز
TT

«كوفيد ـ 19» يزيد التنافس على الحد من «المعلومات المضللة»

غوغل نيوز
غوغل نيوز

وسط استمرار أزمة جائحة «كوفيد - 19»، بل تفاقمها مع ظهور المتحورات الجديدة، لا سيما «دلتا»، بات الجميع يبحث عن وسيلة موثوقة للبحث عن الأخبار.
ومع الظهور الأول للفيروس، كانت وسائل التواصل الاجتماعي المقصد الأول للتعرف على الأخبار، إلا أن رواج «المعلومات المضللة» على بعض هذه الوسائل هدد مكانتها بصفتها وسيلة لنقل الأخبار. وحسب مراقبين، كان لشركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «آبل» و«غوغل»، نظرة ثاقبة حول مستقبل علاقة القارئ بالخبر، إذ رأت أن وسائل التواصل لن تدوم بصفتها وسيلة لنقل الأخبار، ولذا حجزت مقعدها مبكراً من خلال منصات عالمية تقدم خدمة مطالعة أخبار من مصادر متنوعة.
كذلك الصحف العربية البارزة بات لها شأن في هذا التطور، فبادرت إلى المنافسة بمنصات تُقدم الخبر المهني من خلال ضغطة زر على الهواتف الذكية. كذلك حرصت الكيانات الصحافية البارزة على أن تصبح أقرب إلى القارئ من خلال حسابات رسمية على منصات التواصل. ومع أن منصات التواصل نجحت، بلا شك، في استقطاب القارئ، وتحقيق مكاسب من الصحافة المهنية -وأحياناً هددت الكيانات الصحافية الراسخة في مهمة نقل الأخبار- فإن شدة الجائحة غيرت شكل المنافسة بين منصات التواصل ومنصات مطالعة الأخبار، سواء المجمعة على شاكلة «آبل نيوز» و«غوغل نيوز» أو الفردية المستقلة من خلال تطبيقات ومواقع الصحف.
ومن ناحية ثانية، يرى خبراء أن الجائحة وتداعياتها رجحت كفة الصحافة، وأعادت القارئ إلى المنصات التابعة للصحف الموثوق فيها، وعدوا أن الصدقية والمهنية كانا الرهان الذي فازت بهما الصحف، وسقطت بسببهما بعض منصات التواصل الاجتماعي، لافتين إلى أن جميع الصحف العربية البارزة تخوض اليوم سباقاً محموماً لمواكبة التطورات بات ينعكس على المحتوى.

تصديق الأخبار الكاذبة
تقرير لمعهد «رويترز» لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة أشار في يونيو (حزيران) 2020 إلى وضع الأخبار الرقمية حول العالم، فذكر أن «مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة لتصديق الأخبار الكاذبة».
وهنا يقول مصطفى الريالات، رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الأردنية، لـ«الشرق الأوسط» موافقاً إن أزمة «كوفيد - 19» دفعت إلى حقيقة تؤكد أن «منصات التواصل إحدى أهم أذرع الأخبار الكاذبة»، ويضيف: «لم تنجح هذه المنصات في تقديم ما يتوق له القارئ وسط أزمة عالمية لا مجال فيها للتأويل أو التهويل». وحسب الريالات، فإن «الجائحة أعادت القارئ نحو المنصات التابعة لصحف موثوق فيها، ولها تاريخ من المواقف مع القارئ. وعام 2020، كان العام الذهبي لصُناع الأخبار، سواء المرئية أو المكتوبة، بعدما تضاعفت المشاهدات».
وأرجع الإعلامي الأردني هذا التحول إلى أن «الصدقية والمهنية كانا الرهان الذي فازت به الصحف، وسقطت بسببه بعض منصات التواصل الاجتماعي».
أيضاً يؤمن الريالات بأن «الجائحة خدمت وسائل الإعلام التقليدية بشكل عام، والصحف بصفة خاصة، وعكست ثقة القارئ في صُحفه التقليدية، وحاجته إلى خبر قائم على المعلومة الموثقة. وبالتالي، اتضح الفارق الضخم بين مستخدم حساب على منصات التواصل يروج لأخبار مجهولة المصدر وصحافي ينشر خبراً من خلال عملية مهنية دقيقة».
وحقاً، يرجح الخبراء والمراقبون أن يكون المستقبل لصالح منصات مطالعة الأخبار، حيث يتوق القارئ لمعلومة مهنية موثقة، حتى إن كانت منصات التواصل ما زالت منافساً في نقل الأخبار. ومن جهة أخرى، يتساءل بعضهم عن سبب مطالعة قارئ ما موقعاً إلكترونياً واحداً بعينه، طالما أتيحت أمامه فرصة تصفح منصة حافلة بأخبار من مصادر متنوعة تغطي كل مناحي الحياة. وعندها، ما على المستخدم إلا تحديد اهتماماته، ومن ثم الدخول بسهولة على المنصة ليجد ما يبحث عنه. وهذه، تحديداً، هي الآلية التي اعتمدت عليها منصات جمع الأخبار، مثل «غوغل نيوز» و«آبل نيوز» و«فليب بورد» (Flipboard) وغيرها من المنصات العالمية.
جدير بالذكر أن منصة «غوغل نيوز» للأخبار ظهرت في يناير (كانون الثاني) 2006، وتصاعدت شعبيتها تدريجياً بالتوازي مع الاعتماد التدريجي على الإنترنت بصفتها مصدراً للمعلومات. ثم ظهرت منصة «فليب بورد» في يوليو (تموز) 2010. وفي هذه الأثناء، كانت شركة «آبل» تراقب الوضع تأهباً لاقتحام سوق المحتوى الصحافي في الوقت المناسب. وبالفعل، في سبتمبر (أيلول) 2015، خرجت منصة «آبل نيوز» التي أصبحت الأبرز عالمياً، حسب تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «آبل»، الذي ذكر في أغسطس (آب) 2020 أن «المنصة تضم 85 مليون مستخدم نشط شهرياً، مع قراءة أكثر من 5 مليارات مقال شهرياً أيضاً».

تنافس المنصات الإخبارية
ومن جانبها، لم توضح «غوغل» العدد الفعلي للمستخدمين، إلا أن خدمتها الإخبارية -وفق الخبراء- تعد المنافس الأول لخدمة «آبل» الإخبارية. وحسب هؤلاء، قدمت منصات الأخبار في البداية مجاناً، معتمدة على الإعلانات التي تستفيد منها المنصة والموقع أو الصحيفة. ولكن تدريجياً، أعلنت شركة «آبل» أن جزءاً من خدماتها الإخبارية سيُحجب في حال الامتناع عن الاشتراك مقابل نحو 10 دولارات شهرياً، بينما لا يزال تطبيقا «غوغل نيوز» و«فليب بورد» يقدمان خدماتهما مجاناً معتمدين على الإعلانات فقط.
وحول أسباب شعبية هذه المنصات، أوضح محمد جلال الريسي، مدير عام وكالة أنباء الإمارات (وام)، لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً أن «منصات مطالعة الأخبار، على شاكلة (غوغل نيوز) و(آبل نيوز) لا تقدم خدمة إخبارية فحسب، بل تقدم خدمة تكنولوجية متكاملة، وهي بالفعل قدمت الأخبار بصفتها جزءاً من الرفاهية للمستخدم».
ويضيف أن «ثمة ملايين يستخدمون أجهزة آبل، وكذلك آندرويد المدعم بـ(غوغل)، ويحظون بخدمة تكنولوجية متكاملة. وجاءت الأخبار لمزيد من الاستقطاب، وربما الرفاهية»، مستدركاً أن «هذه المنصات لا تصنع الخبر، بل تعتمد على نقل الأخبار من مصادرها، كأنها مجرد لوحة عرض».
الريسي يؤكد أيضاً أن «هذه الشركات العملاقة لم -ولن- تدخل شريكاً في صناعة الأخبار، بل فقط تكتفي بالعرض والمطالعة، وتجمع الأخبار من خلال كلمات مفتاحية محددة، وربما لاحقاً تتزود ببعض المراسلين، لكن حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا نعدها شريكاً».
غير أن الريالات كان له رأي مغاير، إذ قال: «صحيح منصات مطالعة الأخبار العالمية صعدت إلى الواجهة بسبب أزمة الجائحة، لكن ما زال أمامها الكثير حتى تتغلغل في الروتين اليومي للقارئ، بشرط خرق تعود القارئ على هذه المنصات التي تتيح له التفاعل والتعليق على الأحداث. ومن ثم، فإن منصات الأخبار، سواء المستقلة أو المجمعة، بحاجة إلى تطوير أدواتها من أجل خلق مساحة شخصية مع القارئ، وجعله جزءاً فعالاً في الأحدث، لا سيما أن عقلية المجتمعات العربية تميل إلى التفاعل».
وأردف أن «منصات مطالعة الأخبار، سواء من (آبل) أو من (غوغل) لها أهمية بارزة، لكن لا يمكن القول إن تلك المنصات باتت جزءاً من ثقافة القارئ العربي، في حين هي عنوان للمستقبل، وستصل إلى مرحلة أفضل فيما يتعلق بثقة القارئ».
ومن جهتها، ترى شيماء البرديني، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «الوطن» اليومية في مصر، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «صعود المنصات، لا سيما بعد الجائحة، يعود إلى بعض العوامل، منها أن هذه المنصات راسخة إلكترونياً، كونها بالأساس إصدار تقني. ثم إنها تقدم خدمات ومميزات تحقق الرفاهية والتنوع أكثر، مقارنة بالمواقع الإلكترونية القائمة بذاتها، كذلك تنوع المحتوى جزء من تميزها». وتابعت البرديني أن «منصات مطالعة الأخبار ليست واجهة لآيديولوجيات واضحة، ما يمنحها نوعاً من الاستقلالية، ومن ثم تفوز بثقة القارئ».
وعن احتمال عزوف القارئ العربي عن صحفه لصالح منصات الأخبار العالمية، يرى الريسي أن «الإعلام مر بأزمات أرست تحولات جذرية، ودفعت نحو التطور، ومن ثم التحول نحو الرقمنة». ويضيف: «طبيعي أن كل متغير يُعد تحدياً لصناع الإعلام، وعلينا التكيف حتى نتطور ذاتياً. ووجود منصات عالمية تسمح بجمع ومطالعة الأخبار لا يشكل ضغطاً على الصحافة العربية، بينما الأزمة الحقيقية هي حاجة الصحافي العربي إلى التطور وتحديث أدواته».
ثم يتابع الريسي، فيقول إن «الشكل النمطي للخبر ما عاد يناسب جيل الألفية وتطلعاته، ولذا فإن السباق ما عاد في اللحاق بمنصات الأخبار المجمعة، بل في تطوير المحتوى أولاً، من خلال مزيد من الاعتماد على الأدوات المرئية، على شاكلة الصور والفيديو، ثم تأتي خطوة الوجود والمنافسة».
أما البرديني، فتؤكد أن «منصات مطالعة الأخبار تسارع في إتاحة حلول للأزمة المالية التي تواجهها الصحافة منذ بدء التحول نحو الرقمنة، واختلاف سياسة الإعلان بين المطبوع والرقمي. ولذلك شاهدنا بعض المنصات تتجه نحو الخدمات المدفوعة، ولو بشكل جزئي، ربما تمهيداً للتحول الكامل؛ لكن الحضور على منصات الأخبار لن يكون الحل السحري لأزمة الصحافة، حتى إن أصبح سبيلاً لجني أموال أتصور أنها محدودة، لأن التكلفة التي تتحملها الصحف لإنتاج مطبوعات ورقية أو حتى مواقع إلكترونية تتخطى هذا العائد المحدود. ومن ثم، لا أتصور أنها منقذ واقعي».

الحضور والمحتوى الخبري
وفي المقابل، بحسب الريسي، فإن «ثمة ضرورة لخروج منصات متخصصة في مطالعة الأخبار العربية على قدر من التطور يضعها في صفوف المنافسين، بصفتها نافذة للمحتوى العربي وشرطاً لاستمراره». قبل أن يضيف: «نحن بصدد خروج كيانات كهذه، لكن علينا الاعتراف أولاً أن ثمة كيانات تكنولوجية عملاقة سبقت بالفعل، وهذا ما يعد تحدياً، ومنافسته تحتاج إلى جهد مضاعف. وعليه، أتوقع أن نرى المؤسسات العربية البارزة ضمن هذه المنصات الفترة المقبلة».
والريالات يوافق الريسي رأيه، فيقول إن «الحضور على جميع المنصات المحلية والعالمية بات ضرورة، ولا يمكن غض الطرف عنه، في سبيل نشر اهتمامات وقضايا العالم العربي». ثم يشدد على أنه «حتى إن وفرت منصات مطالعة الأخبار مصدر دخل مالي للصحف، فهذا لا يعني الكثير، عندما يكون الحضور المهني والوظيفي هو الهدف الأصيل. والحاصل الآن أن الصحف العربية حققت حضوراً بارزاً في مجال الرقمنة، وغدا لها شأنها في الفضاء الإلكتروني، بل اتجهت بعض الصحف نحو الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى»، قبل أن ينهي تعليقه بالقول إن «جميع الصحف العربية البارزة تخوض سباقاً في مواكبة التطورات، ما ينعكس على المحتوى الذي بالفعل يتطور يوم بعد الآخر، وتحقق نجاحات ضخمة».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.