تزايد رفض القوى السياسية للقاء وفد أميركي يزور تونس

اتهام لواشنطن بإرسال طبيب نفسي ضمن وفد التقى رئيس الجمهورية الشهر الماضي

نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (رويترز)
نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (رويترز)
TT

تزايد رفض القوى السياسية للقاء وفد أميركي يزور تونس

نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (رويترز)
نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (رويترز)

يجري وفد أميركي، برئاسة السيناتور كريس ميرفي، محادثات على مدى يومين، (أمس واليوم)، تسببت في انقسام واضح بين القوى السياسية؛ بين موافق ومعترض ورافض، حيث عبرت أطراف عدة، سياسية ونقابية، عن رفضها التحاور مع الطرف الأميركي حول ما يجري في تونس، واعتبرت ذلك تدخلاً في الشأن التونسي الداخلي.
كما تزايد الجدل إثر اتهام أحد الإعلاميين، الطرف الأميركي، بإرسال طبيب نفسي ضمن الوفد الأميركي الذي التقى الرئيس قيس سعيد يوم 13 أغسطس (آب) الماضي، ما قد يخفي شكوكاً أميركية حول الملف الصحي للرئيس التونسي.
وانضم «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) إلى قائمة الأطراف السياسية والاجتماعية الرافضة للقاء الوفد الأميركي.
وعبّر نور الدين الطبوبي، رئيس المنظمة النقابية، عن رفض قيادات الاتحاد حضور الاجتماع في السفارة الأميركية قائلاً: «من يرغب في مقابلتنا، لدينا عنوان... نحن لا نذهب إلى السفارات».
وكان حزبا «حركة الشعب» المقرب من رئيس الجمهورية، و«الدستوري الحر» المناهض لحركات الإسلام السياسي، قد رفضا دعوة من سفارة الولايات المتحدة الأميركية في تونس لحضور لقاء مع وفد من الكونغرس الأميركي.
ومن شأن هذا الموقف أن يعقّد مهمة الوفد الأميركي الذي يزور تونس في محاولة لفهم ما يجري في البلاد، واستكشاف نيات الرئيس التونسي قيس سعيّد وما سيتخذه من خطوات لاحقة، حتى تتمكن الإدارة الأميركية من بلورة استراتيجية التعاطي مع الملف التونسي.
وحول شائعة وجود طبيب نفسي ضمن وفد أميركي رفيع المستوى سبق أن اجتمع مع الرئيس التونسي، اضطرت السفارة الأميركية لإصدار بيان أكدت فيه أن الوفد الرسمي الذي التقى رئيس الجمهورية التونسية يوم 13 أغسطس الماضي، ضم مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى يمثلون البيت الأبيض ووزارة الخارجية. لكن البيان لم ينفِ بصريح العبارة وبشكل قاطع وجود هذا الطبيب النفسي. وأكدت السفارة في المقابل احترامها للعلاقات الوثيقة بين تونس والولايات المتحدة.
ويأتي توضيح السفارة الأميركية في تونس بعد أن أكد محمد اليوسفي، الإعلامي التونسي، أن طبيباً نفسياً كان ضمن الوفد الأميركي الذي التقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في إشارة إلى محاولة أميركية لفهم شخصية الرئيس التونسي، الذي مثَّل استثناءً في إدارة الشأن العام، وهو ما قد يثير، أيضاً، شكوكاً حول صحة الرئيس النفسية.
المصدر ذاته أشار إلى أن الطبيب النفسي الذي ضمه الوفد الأميركي تم تقديمه لقيس سعيّد على أنه دبلوماسي أميركي من الوفد الرسمي. وعلق اليوسفي على هذا الأمر بقوله: «هذا يحز في نفسي كثيراً، ويدفع لعدة تساؤلات، وهو ما يدعو الرئيس إلى مراجعة حساباته، والانفتاح على المنظمات الوطنية، والتشاور معها فيما يقرره ويفعله». وأضاف في تصريح إذاعي: «يريد (الرئيس قيس سعيّد) إصلاح القضاء والإعلام ومكافحة الفساد… نحن معه… لكن ليس وحده».
وعلى صعيد الموقف الرسمي، فقد عبّر عنه عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج، لدى لقائه سفير الولايات المتحدة الأميركية في تونس، دونالد بلوم، إذ أكد أن القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 يوليو (تموز) الماضي جاءت «في إطار الدستور وتصحيح المسار الديمقراطي، وحفاظاً على ديمومة الدولة ومؤسساتها».
وشدد الجرندي على التزام رئيس الجمهورية، في العديد من تصريحاته، بالمضي قدماً في تكريس المسار الديمقراطي، في إطار احترام حقوق الإنسان والحريات ودولة القانون.
ومن المنتظَر أن يواصل الضغط من أجل العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي، خصوصاً بعد المواقف المعارضة التي سبق أن أعلنها السيناتور كريس ميرفي، الذي يترأس الوفد الأميركي إلى تونس، ووقوفه ضد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».