حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (5/5): تخلى عن لحيته ليعلن رسميًا وبشكل قاطع أنه لا ينتمي لأي تيارات سياسية

«الولد الشقي» يخص «الشرق الأوسط» بأجزاء من مذكراته الشخصية

حسن يوسف وشمس بعد تسلمه جائزة من الرئيس السابق عدلي منصور
حسن يوسف وشمس بعد تسلمه جائزة من الرئيس السابق عدلي منصور
TT

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (5/5): تخلى عن لحيته ليعلن رسميًا وبشكل قاطع أنه لا ينتمي لأي تيارات سياسية

حسن يوسف وشمس بعد تسلمه جائزة من الرئيس السابق عدلي منصور
حسن يوسف وشمس بعد تسلمه جائزة من الرئيس السابق عدلي منصور

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.
إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.
النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

أصدقاؤه في الوسط الفني يلقبونه بـ«الحقاني»، أي أنه يعطي كل ذي حق حقه، سواء من خلال عمله كممثل أو كمنتج أو كمخرج. وعلى الرغم من أنه كان في منتهى المرونة فإنه كان يقاتل من أجل الحق، لدرجة أنه في أحد الأيام عرض عليه أحد المنتجين سيناريو فيلم لكي يقوم ببطولته، ولكن النجم حسن يوسف بعد أن قرأ السيناريو أعجبه دور قصير جدًا في الفيلم، لأنه دور جديد بالنسبة له، ووافق المنتج على طلب حسن وأسند إليه الدور القصير الذي يريده، وعقب انتهاء تصوير الفيلم فوجئ يوسف بالأفيشات وقد كتب عليها «بطولة حسن يوسف»، فاستشاط غضبًا واتصل بمنتج الفيلم وقال له: حرام أن يكتب في الأفيشات «بطولة حسن يوسف» وأنا قمت بعدة مشاهد محدودة فقط.
فقال له المنتج: إذن، كيف أضع اسمك في الأفيش وأنت نجم لامع؟ فقال له: اكتب اسم فلان بطلاً للفيلم، ثم اكتب اسمي مسبوقًا بكلمة ضيف شرف. كما قدم الكثير من الأفلام التي تقاسم فيها أدوار البطولة مع كبار نجوم الشاشة حينها، ورغم اعتراض البعض في ذلك التوقيت لمشاركته للفنان الراحل أحمد رمزي في الكثير من الأعمال الفنية بسبب تشابههما في نفس الأداء والكاريزما، فإنه شكل معه ثنائيًا رائعًا ومحبوبًا على الشاشة وقدما معًا عددًا من الأفلام الناجحة من بينها «التلامذة»، و«شقة الطلبة»، و«آخر شقاوة»، و«الأصدقاء الثلاثة»، و«الشقيقان»..
هذا إلى جانب وجود كيميا خاصة كانت تجمعه بالفنانين رشدي أباظة ومحمد عوض ويوسف فخر الدين. وكانوا إذا اجتمعوا في فيلم واحد يقلبون «البلاتوه» إلى قنبلة موقوتة من الضحك والمقالب، ولم تكن بينهم منافسة على الإطلاق، بل كانوا أسرة واحدة في الاستوديو، كل منهم يريد نجاح الآخر في دوره ونجاح العمل ككل وتحقيقه أعلى الإيرادات. ويتذكر حسن هذه الفترة قائلاً: كانت تأتي فكرة الأفلام التي قدمناها بشكل تلقائي، فمثلاً يتصل بي رشدي أباظة ويقول لي: «يا ولد يا حسن تعالَ عندي البيت أنت وعباس حلمي، عندي فكرة لفيلم». وكنا نجتمع في منزله، ونستعرض الفكرة التي تكون عادة موجهة لمعالجة مشكلات وقضايا الشباب، وكان معظمها من إخراج حسام الدين مصطفى. ويتذكر النجم حسن يوسف، أن الفنان رشدي أباظة كان يحب «الهزار» و«المقالب» الثقيلة حتى أثناء التصوير.

* دوامة من الإشاعات
ورغم تلك الصداقة القوية التي ربطت بينهم، فإنه أشيع بعد التزام حسن يوسف دينيًا أنه قد تبرأ من أصدقائه ومن فنه أيضًا، ما جعل يوسف يؤكد في مذكراته المقبلة عدم صحة ذلك قائلاً: أعوذ بالله، كيف أتبرأ من نفسي ومن جزء من كياني، كيف أتبرأ من محمد عوض وأحمد رمزي ورشدي أباظة وشكري سرحان وعمر الشريف ويوسف فخر الدين، كيف أتبرأ من توأم روحي؟! من يتبرأ من أصدقائه يكون إنسانا ملتزمًا التزاما غير صحيح، نحن كنا أسرة واحدة في الاستوديو نحب بعضنا، نخاف على بعض، كنا نشعر أننا في رحلة جميلة لا تنتهي، وأتذكر أن رشدي أباظة كان يقوم بإلغاء التصوير إذا عرف أن منتج الفيلم زعّل عاملا من عمال الاستوديو. كما أتذكر أني قلت لعمر الشريف أثناء تصويرنا لفيلم «في بيتنا رجل»، إنه سيكون نجمًا عالميًا في يوم من الأيام، حيث توسمت في طريقة أدائه وذكائه في أداء الدور بأنه سيكون نجمًا عالميًا وفعلاً خلال أسابيع قليلة عرض النجم والمخرج ديفيد لين على عمر المشاركة في فيلم «لورانس العرب» وتحققت نبوءتي. وهو الفيلم الذي فتح باب هوليوود أمام عمر الشريف.

* لم أتبرأ من فني
كما أنني لا يمكن أن أتبرأ من تاريخي الفني، هكذا يؤكد النجم حسن يوسف، لأن الفن يدخل في نسيجي، أكثر من خمسين عامًا في هذه المهنة أحبها وأعشقها، كما أني أعتز جدًا بأفلامي وأولادي يشاهدونها معي، فكل عمل من أعمالي طوبة في بناء حياتي وصفحة من صفحات كتابها، إذا نزعت منه صفحة، الكتاب لن يكتمل ويصبح ناقصًا لأنها جزء لا يتجزأ منه، بالإضافة إلى أن أفلامي لا يوجد بها ما أخجل منه، فهذه إشاعة سخيفة وليس لها أي أساس من الصحة، كالإشاعات التي كانت قد انطلقت قبلها والتي أذكر منها: شائعة اعتزالي الفن، والتي بح صوتي من نفيها من كثرة ما قلت إني لم أعتزل الفن ولم أتركه حتى أعود إليه.
كل الحكاية أني التزمت دينيًا، وهناك فرق كبير بين الالتزام والاعتزال، في حين أن التي اعتزلت وبشكل نهائي ولا رجعة فيه هي زوجتي شمس البارودي. وكذلك الإشاعة التي قيلت حول أني حاولت شراء شرائط أفلام شمس من نوادي الفيديو للتخلص منها، وهذا غير صحيح، لأن من الممكن بعد أن أشتري هذه الأفلام من نوادي الفيديو أن يقوم أصحاب هذه النوادي بعمل نسخ أخرى منها، وبالتالي نتعرض لعملية ابتزاز منهم ومن شركات التوزيع، وأنا وزوجتي لا ننكر هذه الأعمال لأنها قدمتها بالفعل، ولكنها تبرأت منها أمام الله وليس أمام المجتمع والجمهور، وسأحكي حادثة غريبة، فقد كان هناك شخص من أصحاب دور السينما عاند في هذا الموضوع، وقال سأنزل أفلام شمس، وأصرّ على ذلك، وكانت السينما في شبرا، فعلمنا ليلاً أن السينما تحترق نتيجة ماس كهربائي، وكان هذا الخبر منشورًا في جرائد الصباح، فقال الرجل: أنا مش هاجيب سيرة شمس البارودي خالص. وعندما سألوا الشيخ الشعراوي، رحمه الله، في هذا قال: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا».

* متاجرة بالسيرة الذاتية
وأيضا إشاعة أني وزوجتي نتاجر بشريط فيديو مسجل عليه حياتها من التمثيل للحجاب، رغم أن هذا الشريط غير موجود أبدًا ولم تظهر زوجتي بعد اعتزالها الفن وحجابها على الشاشة، سواء كان تلفزيونيًا أو فيديو كاسيت، وثانيًا: لأنه لا أحد يتاجر بالدين. وكذلك إشاعة أننا قبضنا ثمن الحجاب ودُفعت لنا مبالغ، وأن بعض الجماعات السلفية كانت تمولنا. وأيضا الإشاعة التي قالوا فيها إني لا أصافح مسيحيين، رغم أن هذه افتراءات لتشويه صورتي من بعض المغرضين، لأن المسيحيين إخوة لنا ودليلي على ذلك أن سكرتير شركتي مسيحي ومن أقرب الناس إلى قلبي. وأيضا الإشاعة التي فوجئت بها ولا أعلم مصدرها، والتي تؤكد أني عُدت للفن بعد غياب عشر سنوات لأنني مثقل بالديون وهي تهمة أرفضها تمامًا، فأنا والحمد لله مستور وغير مثقل بالديون كما أشيع عني. ولكني خلال هذه السنوات كنت أعيد ترتيب أفكاري وتعديل مساري وأفكر كيف أقدم أعمالاً فنية تتفق مع توجهاتي الجديدة. فحولت نشاطي في الشركة التي أمتلكها من شركة لإنتاج الأفلام السينمائية إلى شركة لإنتاج أعمال إسلامية تقدم للمشاهدين سلوكيات ومبادئ تكون لهم قدوة حسنة.
وكانت البداية مسلسلاً دينيًا اجتماعيًا اسمه «ضد الخير»، إخراج محمود رحمي، وكان المسلسل عبارة عن 30 حلقة للأطفال نشرح لهم من خلاله أركان الإسلام والسلوكيات، وعرض في معظم الدول العربية باستثناء مصر. كما أنتجت برنامج «موسوعة السلوكيات الإنسانية في الإسلام»، وهي موسوعة تربط الأخلاق بالإسلام وتؤكد أن الإسلام منبع الأخلاق الحميدة والجميلة التي يجب أن يتحلى بها المسلم في جميع جوانب حياته، سواء في العبادات أو السلوكيات أو المعاملات، وقام بإعداده عدد من علماء الإسلام في الأمة العربية، وعرض في معظم الدول العربية ولم يعرض في مصر أيضًا. كما قدمت مسلسلات «قطار المستغفرين»، و«الأسرة عقيدة وخلق»، و«غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم»، و«الفتوحات الإسلامية»، و«الحكم بعد المشاهدة».

* أسوأ أيام حياته
والحقيقة أن الزمن لم يقسُ على حسن يوسف بقدر ما قسا عليه في الفترة الأخيرة، فقد دفع ثمن هجومه على «الإخوان المسلمين» في وسائل الإعلام، حيث عاش في حالة من الرعب هو وأسرته بعد أن تلقى رسائل تهديد بالإيذاء والقتل على الهاتف، وجاء نص الرسالة كالتالي: «حسن يوسف، احذر نفسك وبيتك وكفياك أذية في الناس، هذه المرة تحذير، عندك أولاد وبنت، عارفين خط سيرك أنت وهم، أسهل من الأذى مفيش، اقفل عليك بيتك وملكش دعوة بحد وبطل.. ودي آخر فرصة، عارفين كل حاجة بتعملها». ما جعله يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه التهديدات. كما أطلقت أيضا جماعة الإخوان المسلمين فتوى بإهدار دمه.
ويعقب يوسف على ذلك قائلاً: هذه الفتوى تدل على عدم فهمهم للدين، لأنه لا يحق لأي شخص أن يهدر دم شخص آخر، بل يتم إصدار الأمر من ولي الأمر، كما يجب أن يصدق عليه مفتي أمير المؤمنين، ولذا أقول للإخوان الذين أهدروا دمي: أنتم أهل دين، وقبل ما تتسرعوا ارجعوا للدين والعلماء لأن هذه الفتاوى ستضحك الناس عليكم.
كما تعرّض أيضا لحملة هجوم شرسة شنها عليه عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات العامة وبعض شباب ثورة «25 يناير» عقب زيارته للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بمستشفى المعادي العسكري، وأطلقوا عليه لقب «فلول»، إلا أن يوسف يؤكد أن زيارته للرئيس الأسبق حسني مبارك موقف إنساني لا دخل لأي شخص به، فهو زار رجلا مريضا حكم مصر ثلاثين عامًا ونعم في عصره بالكثير من الخيرات التي عمت على مصر، كما أنه لا يستطيع أي شخص أن ينكر أن مبارك بطل من أبطال حرب أكتوبر (تشرين الأول) المجيدة، فهو لم يطالب بعودة مبارك للحكم مرة أخرى حتى يشن عليه كل هذا الهجوم، كما أكد لنا أيضا أنه لم يقابل الرئيس مبارك من قبل إلا يوم الزيارة فقط حتى لا يعتقد البعض أنه كان على علاقة طيبة به وقت توليه رئاسة مصر.

* تطور مفاجئ
حسن يوسف وفي تطور مفاجئ أعلن أنه قرر التخلي عن لحيته بعد أكثر من 20 عامًا عقب إطلاقها في بداية التسعينات بعد أدائه لفريضة الحج واتجاهه لتقديم الأعمال الدينية وتوقفه عن ممارسة نشاطه السينمائي كمنتج وممثل ومخرج بعد مشوار طويل من النجاح على الشاشة الفضية الذي كان أحد فرسانها ومن أصحاب القامات العالية، معللاً ذلك بأنه اتخذ قرار التخلي عن لحيته لعدة أسباب كان من أهمها الإعلان رسميًا وبشكل قاطع أنه لا ينتمي لأي تيارات سياسية ولا يعبر عن فكر أو فصيل معين من الأحزاب، فهو فنان ملتزم فقط يعبر عن ضمير أمته ويدين العنف وسفك الدماء والتطرف والإقصاء وخلط الأوراق بين أمور الدين والسياسة لتحقيق منافع خاصة هددت السلام الاجتماعي لمصر في ظاهرة نادرة لم تحدث عبر تاريخها من قبل! مؤكدًا أنه ينتمي فقط للشيخ محمد متولي الشعراوي الذي تعلم منه صحيح الدين منذ التقى به في عام 1981م، وأصبح من مريديه ومحبيه وعاشقًا لأفكاره التي تدعو إلى الاعتدال والتسامح والمحبة والهدوء والعقلانية والتفقه في الفقه الإسلامي على أسس علمية ليس فيها تطرف أو غلو أو اجتهادات تخرج بالدين عن مساره أو إطاره السليم باستخدام مفردات وتفسيرات مغلوطة تسيء لهذا الدين العظيم الذي جاء هدى للبشرية وللإنسانية كلها.
كما أن إطلاق اللحية من عدمه من وجهة نظره لا يعبر عن حجم تدين الإنسان،فمن يرد الله به خيرًا يفقهه في أمور الدين بصرف النظر عن كونه بلحية أم لا.. فالإيمان محله القلب، وانطلاقًا من هذا المفهوم يعمل كفنان على ممارسة حقه في الإبداع، وقد نجح في الانتقال إلى مرحلة الالتزام، فقدم الأعمال الدينية والاجتماعية التي تحمل قيمًا ومعاني أخلاقية مثل حلقات «الإمام بن ماجة»، و«الإمام النسائي»، مرورًا بمسلسل «إمام الدعاة» عن حياة الداعية الإسلامي محمد متولي الشعراوي، والذي قدمه يوسف كنوع من الاعتراف بجميل الشعراوي عليه، ولأنه كان غير راضٍ عن الأعمال التسجيلية التي قدمت عنه. وأيضا مسلسلات الأئمة الكبار «مصطفى المراغي»، و«عبد الحليم محمود»، إلى جانب الأعمال الاجتماعية «زهرة وأزواجها الخمسة»، و«مسألة كرامة»، و«مسائل عائلية»، وكلها أعمال شديدة الاحترام ولها رسالة وتشخص الداء وتصف الدواء، وتلك هي وظيفة الدراما، على حد قول يوسف.

* جوائز وتكريمات
الفنان حسن يوسف حصل خلال مشواره الفني على الكثير من الجوائز والتكريمات، والتي جاءت جميعها تتويجًا لعطاءاته الفنية المستمرة، والتي كان أخيرها تكريمه في «عيد الفن» بدار الأوبرا المصرية من قبل الرئيس السابق عدلي منصور، والذي منحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
حسن يوسف.. فنان متميز، وضع بصمات واضحة في السينما المصرية بخفة ظله وما يتمتع به من حضور، ثم انتقل إلى الشاشة الصغيرة بعد مشواره السينمائي فوضع بصمات جديدة بعد سنوات النضج الفني، فهو يعتبر واحدا من الكبار في منظومة الفن المصري، خاصة في أداء الأدوار الدينية والتاريخية التي يجيدها بإتقان وتفرد جعلته يحوز على رضا المشاهدين في معظم أعماله، وقد استطاع أن يدخل قلوب الناس ببساطته في الأداء، بحيث أصبح الناس لا يشعرون أنه يمثل، ثم تحول في فترة إلى الإخراج والإنتاج السينمائي، وأخيرًا عاد إلى فن التمثيل. وقد اشتهر يوسف بشخصية الولد الطائش الشقي ونال قبولاً كبيرًا لدى جمهور السينما، وتمتد أعماله على مدى سنوات تجاوزت النصف قرن، وقد كان هو نفسه فنانا وإنسانا مثيرا لكثير من القضايا الجدلية الفنية والإنسانية والدينية، وحتى السياسية، ولا شك في أن مذكراته الشخصية التي ستطرح في الأسواق قريبا ستثير الكثير من الجدل حولها لما تحتويه من حقائق ومواقف وأسرار، وما نشرناه على هذه الصفحات من خلال خمس صفحات، هو ما سمح لنا الفنان الكبير بتفقده من خزائن أسراره كنوع من التقدير لـ«الشرق الأوسط» التي فتح أمامها أبواب بيته هو وزوجته الجميلة شمس البارودي وأفراد عائلته. وخصنا أيضا بمجموعة من الصور الخاصة وسمح لنا بالتقاط صور حديثة لأسرته السعيدة.
* ينشر بترتيب مع وكالة «الأهرام» للصحافة

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (1/5)
حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (2/5)
حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (3/5)
حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (4/5)
 

 



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».