مدير الأمن العام اللبناني حَذِرٌ في وساطته بين عون وميقاتي

TT
20

مدير الأمن العام اللبناني حَذِرٌ في وساطته بين عون وميقاتي

لا يعني تكليف «وسيط الجمهورية» المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالتنقل بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، لمحاولة إخراج أزمة تشكيلها من التأزُّم، أن الطريق سالكة أمام مهمته التي تحظى بطلب مباشر من الرئيسين وبإيعاز من «حزب الله» الذي يواكب تحرّكه بضخ جرعات من التفاؤل على لسان محطة «المنار» الناطقة باسمه التي أطلقت إشارات إيجابية حول ولادة الحكومة.
وفي معلومات «الشرق الأوسط» أن «حزب الله» كان وراء الطلب من اللواء إبراهيم التدخّل، وهو الذي مهّد لشروعه في وساطته باتصالات أجراها بكل من عون وميقاتي الذي كاد يعتذر عن تأليف الحكومة قبل نهاية الأسبوع المنصرم لكنه قرر التريُّث استجابةً لتدخل باريس من خلال المستشار الرئاسي للرئيس إيمانويل ماكرون، باتريك دوريل، الذي تلازم مع تدخّل مباشر لرئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادة «حزب الله» بشخص المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل، الذي لم ينقطع عن تواصله مع عون وميقاتي.
واستجاب ميقاتي لطلب الوسطاء -كما تقول مصادر سياسية مواكبة لأسباب اصطدامه بشروط عون- وقرر أن يمنحهم فرصة جديدة لعلهم يتمكنون من إعادة التواصل بين عون وميقاتي الذي انقطع كلياً في أعقاب اللقاء الثالث عشر بينهما.
وقالت المصادر إن اللواء إبراهيم التقى أكثر من مرة عون وميقاتي واستمع إلى وجهة نظر كل منهما ما سمح له بحصر الخلاف بكل تفاصيله وجزئياته ليكون في وسعه التوصل لإيجاد مساحة مشتركة تفتح الباب أمام تواصلهما في لقاء هو الرابع عشر منذ تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة على أن يكون حاسماً، إلا إذا انتهى إلى إيجابية تستدعي عقد لقاء آخر.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن اللواء إبراهيم الذي كان قد اصطدم بحائط مسدود في وساطته بين عون والرئيس سعد الحريري قبل أن يتخذ قراره بالاعتذار ليخلفه ميقاتي يحاول الآن الإفادة من التجربة المريرة التي خاضها، وبادر إلى تسلّم لائحة من ميقاتي بأسماء التشكيلة الوزارية التي عرضها على عون ولجوء الأخير للرد عليه بلائحة أخرى غير قابلة للتسويق لأن صاحبها يصر على الثلث الضامن في الحكومة رغم أنه وأوساطه تنفي على الدوام إصراره على ذلك.
وأكدت أن إبراهيم أجرى مقارنةً بين اللائحتين في محاولة لحصر الخلاف في نقاط محددة تتيح له إعداد مقاربة يمكن التأسيس عليها لإنقاذ مشاورات التأليف، وقالت إنه يتجنّب ضخ جرعة من التفاؤل ما دام يفتقر إلى الشروط الموضوعية التي ما زالت غير متوافرة، وبالتالي فهو يعطي نفسه فرصة تمتد إلى نهاية هذا الأسبوع ليس لاختبار النيات فحسب وإنما للتأكد من أن الطريق إلى التأليف أصبحت سالكة.
لكنّ المصادر نفسها تسأل إذا كان عون على استعداد لأن يعطي اللواء إبراهيم لتسهيل وساطته ما لم يعطه للرئيس إيمانويل ماكرون ولمستشاره دوريل الذي تربطه علاقة بإبراهيم مهّد لها الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي أمّن التواصل بينهما بعد أن كانت علاقته محصورة بسفير فرنسا الأسبق لدى لبنان مسؤول الاستخبارات الفرنسية الخارجية، إيمانويل بون، وتأتي في سياق التنسيق الأمني بين الأمن العام والاستخبارات الفرنسية وتبادل المعلومات بين هذين الجهازين.
لذلك فإن باريس لن تكون عائقاً أمام توفير الشروط لإنجاح وساطة إبراهيم لأن ما يهمها إنقاذ مبادرتها التي يعطلها عون وفريقه السياسي بمنعها من تشكيل حكومة مهمة تأخذ على عاتقها وقف الانهيار.
ويتعامل إبراهيم بحذر شديد في تنقّله بين ميقاتي وعون رافضاً إطلاق جرعات من التفاؤل لئلا يأخذ اللبنانيين إلى مزيد من الإحباط، رغم أن «حزب الله» ذهب بعيداً في تفاؤله الذي يعوزه الحد الأدنى من مقومات الصمود.
كما أن وساطة إبراهيم تختلف كلياً -كما تقول المصادر المواكبة- عن الدور الذي أُوكل إلى المحامي كارلوس أبو جودة الذي تنقّل باستمرار بين عون وميقاتي في مهمة لا تعدو كونها نقلاً للرسائل المتبادلة بينهما، مع أن اجتماعه الأخير بميقاتي قوبل بـ«حرَد» من عون الذي امتنع عن استقباله خلال عطلة نهاية الأسبوع لسؤاله عن جوابه على التشكيلة الوزارية التي سلّمه إياها ميقاتي في اجتماعهما الثالث عشر.
ناهيك بأن مهمة إبراهيم تتجاوز وساطته بين ميقاتي وعون إلى الفريق السياسي المحسوب على الأخير الذي لا يزال يتصرف كأن تشكيل الحكومة على حاله، أي في المربع الأول، وهو يتواصل مع عدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال على أساس أن الحكومة المستقيلة ستذهب مع انتهاء الولاية الرئاسية لعون ويطلب منهم مزاولة أعمالهم كالمعتاد غامزاً من قناة رئيسها حسان دياب، متهماً إياها بالاستسلام لإرادة رؤساء الحكومات السابقين.
ومع أنه لم يظهر حتى الساعة ما إذا كانت باريس ستشكّل رافعة لإنجاح الوساطة التي ينبري لها إبراهيم الذي يرفض -كما تقول أوساط مقربة منه- أن يغرق في تمديد أزمة تشكيل الحكومة، وبالتالي فهو يعطي لنفسه فرصة لن تكون مديدة لاختبار النيات بدءاً بمدى استعداد عون للتعاون معه لتسريع تشكيلها، أم أنه يريد تقطيع الوقت اعتقاداً منه بأنه يرفع عنه الضغوط التي تتهمه بتعطيل تشكيلها وصولاً لفرض استمرار الحكومة المستقيلة كأمر واقع.
وعليه، فإن ميقاتي وإن كان يمنح إبراهيم فرصة لـ«تنعيم» موقف عون بتسهيل تشكيل الحكومة على قاعدة استحالة تسليمه بالثلث الضامن حتى ولو كان مقنّعاً، لأن «وسيط الجمهورية» سيتحرّك على أساس حل عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين، فإن ميقاتي في المقابل سيكون أمام خيارين: إما الاستمرار في حشر عون وإما الاعتذار، لأنه لا مصلحة له في تمديد مشاورات التأليف إلى ما لا نهاية، وأن من يراهن على تسليمه بشروط عون سيكتشف أن رهانه ليس في محله.
ويبقى السؤال: هل سيحصر إبراهيم وساطته في الرئيسين أم أنه سيضطر لتوسيعها لتشمل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل باعتبار أن خصومه يتعاملون معه على أنه الآمر الناهي وأنّ لا شيء يمشي من دون موافقته؟



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.