دريد لحام: أتمنى أن تبقى البيئة الشامية في إطار «الحكاية» وليس محاكاة «التاريخ»

الفنان السوري لـ«الشرق الأوسط»: سأقدم الوجه الآخر من فيلمي «الآباء الصغار» في فيلم سينمائي جديد

دريد لحام
دريد لحام
TT

دريد لحام: أتمنى أن تبقى البيئة الشامية في إطار «الحكاية» وليس محاكاة «التاريخ»

دريد لحام
دريد لحام

على مدى عشرات السنين من تجربته الفنية العريقة قدّم الفنان السوري دريد لحام في أعماله التلفزيونية والسينمائية والمسرحية شخصيات كوميدية وأدوارا ساخرة أضحكت الجمهور العربي حتى أوصله لمرحلة ذرف الدموع من المواقف الناقدة الضاحكة والمحزنة في آن..! وفي حوار معه يتحدث لحام لـ«الشرق الأوسط» عن الجديد الفني لديه، وخاصة فيما يتعلق بفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني خاص به، وحول بعض القضايا الفنية الأخرى قائلا: «هناك تفكير ببطء وأنت تعرف أن العمل الفني أو الأدبي يحتاج لطمأنينة وقليل من السلام والأمن، لكن في هذه الظروف الإنسان يفكّر بكثير من البطء، وحاليا في مجال السينما وبعد فيلمي (الآباء الصغار) يخطر بذهني تقديم الوجه الآخر لهذا الفيلم، فـ(الآباء الصغار) يقدّم أمثولة وهي أنه عندما تكون العائلة متماسكة لم يعد هناك شيء اسمه مستحيل أمام الإرادة، ولذلك إرادة الأطفال هنا جعلت الأب يكمل تعليمه، أما إذا كانت العائلة متفسخة فإلى أين تصل الأمور؟».
وحول دراما البيئة الشامية وظهوره في مسلسل «بواب الريح» في الموسم الماضي بعد غياب سنوات عن مثل هذا النوع من الدراما وهو الذي كان سبّاقا بتقديمها في مسلسلاته المعروفة كـ«صح النوم» و«حمام الهنا»، يقول دريد: «البيئة الشامية بيئة محببة لدى الجمهور من خلال حاراتها وبيوتها التي تتميز بديكوراتها الطبيعية، ولكنني أتمنى أن تبقى دراما البيئة في إطار الحكاية وليس تاريخا أو تأريخا لمرحلة، في الأعمال الأخيرة يبدو أن هناك بعض مسلسلات البيئة الشامية ينحو القائمون عليها منحى التوثيق؛ لذلك أتمنى هنا أن ينجحوا في ذلك وأن لا يقدموا لنا صورة خاطئة عن مرحلة نعرفها أو عشناها، فعندما نرى مثلا في مسلسل شامي نساء تُشْتَمْ وتُضْرَبْ أعود لطفولتي وأتذكر أنه لم تكن تحصل مثل هذه الأمور؛ فالمرأة كانت لها احترامها ومكانتها، كنا نخرج لنشاهد (ثريا الحافظ) وهي تقود مظاهرة أمام القصر العدلي و(نائلة العابد) التي خرجت مع يوسف العظمة وقاتلت إلى جانبه في معركة ميسلون ضد الفرنسيين، ولذلك في بعض الأحيان يشوهون صورة البيئة الشامية، ولذلك الأفضل أن لا يصفوها ببيئة شامية، بل هي حكاية ليس لها علاقة بالتاريخ، فالتاريخ يحتاج لوثائق وتوثيق، وإذا كانوا يقدمون ذلك في إطار درامي وصادقين بذلك فأهلا بأعمالهم».
وعن رأيه بالجيل الجديد من الفنانين الكوميديين السوريين يقول لحام: «أنا أنظر باحترام لمن يأخذ المسألة الكوميدية بجد، أما من يستسهل هذه المسألة فهو لا يضحكني بل يغيظني، ففي الدراما العادية يمكن أن ترى مستويات جيدة ووسطا ورديئة ويتم فرز المسلسلات التلفزيونية على هذا الأساس، أما في الكوميديا فلا يوجد مستوى وسط فإما جيد أو رديء، فبدلا من أن يضحكك يقرفك.. والذين يأخذون الكوميديا بجدّية من الفنانين الشباب مثل باسم ياخور والعزيز (المسافر) نضال سيجري فالإنسان لا يقدر إلاّ أن يحترمهما ويرفع القبّعة لهما وأكون سعيدا عندما أرى أعمالهما، وهذان نموذجان، فهناك نماذج أخرى استسهلت المسألة واعتمدت على كوميديا الزحلقة والوقوع أو العاهة فليس أسوا من الكوميديا التي تعتمد على عاهة بشرية وكأنها تستدر ضحكة المشاهد، ولكن في النهاية تستدر قرف المشاهد».
وحول رأيه بإصرار القائمين على بعض مشاريع الأعمال الكوميدية في سوريا من تنفيذ أجزاء جديدة منها مثل «مرايا» و«بقعة ضوء»، يقول دريد: «أنظر دائما لـ(مرايا) وإنتاج الفنان ياسر العظمة ولـ(بقعة ضوء) باحترام كبير وإن كانا في بعض الأحيان يقعان في فخ التطويل الذي يسيء للكوميديا وفي اجترار المشهد أكثر من اللازم، فمن مزايا الكوميديا أنها تحتاج لسرعة بالمونتاج والحدث، لكن تبقى أعمالا محترمة مشغولة بشكل جميل».
وأسأل دريد عمن يرشّح من الفنانين لتجسيد شخصية دريد لحام في حال أُنْتِجَ فيلم أو عمل درامي عن حياته، يقول دريد: «أرشّح الفنان اللبناني جورج خباز».
وحول الجديد في مشروعه الفني مع الفنان المصري عادل إمام يقول لحام: «المشروع بدأ مع عادل كحلم وما زلنا نحلم، والأفضل أن نبقى نحلم لأنه إذا تحقق فينتهي الحلم...! وعلاقتي مع عادل جيدة ونحن أصدقاء ونتواصل باستمرار».
ويتنهد لحام وهو يجيب عما إذا كان يفكّر في مغادرة سوريا بسبب الحرب والأحداث الدامية التي تشهدها البلاد منذ 4 سنوات: «افرض فكّرت، إلى أين سأذهب؟ فالإنسان بغير وطنه وحارته وبيته ولو هناك خطر عليه سيشعر بطمأنينة أكثر من الخطر المحدق به، والوطن ليس حقيبة سفر تحمله تذهب به أينما تريد، وبالتأكيد سيخطف الكثير من كرامة الإنسان عندما يترك وطنه».
وأخيرا هل فكّر دريد بكتابة مذكراته؟ يتنهد دريد: «هناك تفكير بهذا الموضوع حاليا، وخاصة أنّ هناك مجموعة من الشباب الذين أحبّهم وأحترمهم، وهم أصدقائي رغم فارق السن، عملوا منتدى أطلقوا عليه (غوّار كلوب) فهم متعلقون بهذه الشخصية ويجتمعون أسبوعيا كل يوم أربعاء ويضعون مواضيع على الإنترنت تتعلق بهذه الشخصية، وقد حضرت معهم عدة مرات، وحرضوني على كتابة أو تسجيل صوت وصورة موضوع ذكرياتي أو ما تبقى منها في ذاكرتي».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».