مفتي لبنان لـ«الشرق الأوسط»: المتطرفون أساءوا لتعاليم ديننا بأفعالهم البربرية لتوافق أهواءهم المريضة

الشيخ دريان: صوت الجماعات المتشددة أحيانًا يكون الأقوى لأنه يملك السلاح

مفتي لبنان لـ«الشرق الأوسط»: المتطرفون أساءوا لتعاليم ديننا بأفعالهم البربرية لتوافق أهواءهم المريضة
TT

مفتي لبنان لـ«الشرق الأوسط»: المتطرفون أساءوا لتعاليم ديننا بأفعالهم البربرية لتوافق أهواءهم المريضة

مفتي لبنان لـ«الشرق الأوسط»: المتطرفون أساءوا لتعاليم ديننا بأفعالهم البربرية لتوافق أهواءهم المريضة

أكد مفتي لبنان، الشيخ عبد اللطيف دريان، أن العالم يواجه أزمة حقيقية الآن نتيجة انتشار الإرهاب والتطرف، مضيفا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته الأخيرة لمصر، أن «الإسلام شوه في الغرب بفعل فاعل.. وأن محاربة تنظيم داعش الإرهابي تكون بتصحيح المفاهيم المغلوطة».
وقال الشيخ دريان، إن «(داعش) تنظيم إرهابي وما يقوم به من جرائم ليس له صلة بالإسلام، والإسلام منهم براء، لأن الدين الإسلامي دين يسر وسماحة»، لافتا إلى أن «الإسلام لا يمكن أن يكون إلا في منطقة وسط لا يميل إلى التشدد ولا يرغب فيه؛ بل ينهى عنه»، واصفا «داعش» بأنهم خوارج العصر، لافتا إلى أن العالم يواجه الآن أزمة حقيقية نتيجة انتشار الإرهاب والتطرف الذي يسوق باسم الإسلام، مما أدى إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهو ما يضع على عاتق علماء الأمة الإسلامية مهام جسمية بضرورة إظهار سماحة الإسلام وتصحيح تلك المفاهيم المغلوطة، ولن يكون ذلك إلا بالتعلم من خلال تصحيح صورة الإسلام ومخاطبة العالم والتعريف بصورة الإسلام السمحة.
وعن رؤيته للقضاء على العنف والتطرف، قال مفتي لبنان: «علينا أن نتمسك بالمفاهيم الصحيحة للشرائع السماوية، فالشرائع السماوية كلها تدعو إلى المحبة والتعارف والتلاقي بين الناس، وبالتمسك بهذه المساحة المشتركة بين جميع الشرائع السماوية نستطيع أن نعبر إلى مجتمع سليم أساسة المواطنة، فالمسيحي هو مواطن والمسلم هو مواطن، وبمفهوم المواطنة نستطيع أن نقرب المسافات بين مكونات المجتمع الواحد».
وأردف قائلا: «أرى أن العلماء يؤدون دورهم، ولكن في بعض الأحيان يكون صوت الباطل أقوى لأنه بيده السلاح وهو على الأرض يعمل أكثر.. فنحن علينا كعلماء أن نتكاتف فيما بيننا وأن نكثف من جهودنا في الدعوة، وبالأخص علينا واجب حماية شبابنا وأجيالنا من اللجوء إلى أفكار واتجاهات الغلو والتطرف».
وشارك مفتي لبنان مؤخرا في مؤتمر بعقد بأحد فنادق القاهرة لتجديد الخطاب الديني برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال مفتي لبنان، إن «الأزمات والمحن التي تحاك بالدول العربية تستدعي سرعة التشاور، لوضع الخطط لخطاب إسلامي صحيح، بعد أن هدده وأساء إلى صورته السمحة الوسطية بعض المسلمين».
وحول رؤيته لتجديد الخطاب الديني لمواجهة الإرهاب والتطرف، أكد الشيخ عبد اللطيف دريان، أن الخطاب الديني له دور مهم وضروري، فلا بد لأهل الاعتدال والوسطية أن يعطوا في خطابهم النماذج الصحيحة للدين الإسلامي الصحيح، والذي يبرهن على أن الدين الإسلامي هو دين اعتدال ووسطية ورحمة وتسامح، وهو الدين الذي يحثنا على الأخلاق الحميدة.
وعن انتشار الفتاوى في الفضائيات من قبل بعض المنتسبين للإسلام والتي تؤدي إلى العنف، قال مفتي لبنان، إنه يجب أن يعرف الجميع أن الفتوى لا تعطى إلا من مرجع رسمي ديني معول عليه في أي دولة من الدول العربية والإسلامية، فلا يمكن أن يبقى هذا الانفلات بالنسبة للفتاوى سائدا، لأنه قد يتصدر للفتوى بعض من لا يملكون الشروط اللازمة للإفتاء والقواعد الشرعية لها، لذلك يجب علينا أن ننبه إلى بطلان هذه الفتوى وأنها غير موافقة للأصول الشرعية.
وحول اتفاق إفتاء لبنان مع دار الإفتاء المصرية لحماية الشباب من الجماعات المتطرفة، قال مفتي لبنان: «اتفقت مع مفتي الديار المصرية شوقي علام خلال زيارتي الأخيرة لمصر، على أن يكون هناك تعاون مشترك بين دار الإفتاء المصرية واللبنانية، واتفقنا على تقنين هذه الفتاوى وضبطها، بأنه يجب علينا نحن أن نحصن شبابنا وأجيالنا القادمة عن طريق خطط وبرامج تقدم للشباب المسلم رؤية صحيحة من المفاهيم الصحيحة للدين، حتى لا يكونوا عرضة لبعض المفاهيم المغلوطة التي يبثها أصحاب الأهواء والغايات من بعض الجماعات، لتمرير مؤامراتهم وسياستهم من أجل مصالح شخصية وحزبية».
وعن رؤيته لمحاربة الجماعات المتشددة، قال الشيخ دريان: «لا بد من التعاون على كل المستويات، وخصوصا وسائل الإعلام والمثقفين ورجال الدين والتكاتف بينهم من أجل مكافحة الإرهاب والتصدي له من خلال مواجهته بالفكر، مع إعادة النظر في المناهج الدراسية التي تدرس لأبنائنا حتى تكون مناهج معبرة عن صحيح الإسلام»، لافتا إلى أن «هذه الجماعات المتطرفة نشأت في بيئات غير مستقرة فكريا واجتماعيا، وتم استقطاب عناصرها لإشاعة الفوضى وتحقيق مخططات خارجية للنيل من دول بعينها.. لذلك فالمتطرف شوه التعاليم الإسلامية بأفعاله البربرية لتوافق أهواءه المريضة».
وتابع بقوله: «يجب أن نكون على وعي لما يخططه البعض من ضرب العلاقات بين المسلمين والغرب، مع ضرورة أن ينطلق خطابنا مع الغرب من منطلق حوار الحضارات وليس صراع الحضارات حتى نستطيع أن نوصل الإسلام الصحيح إلى الغرب ونصحح صورة الإسلام التي شوهت بفعل فاعل».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.