فهد حسين (ناقد بحريني): رسالة إلى محفوظ

> أيها العملاق الذي كنت ولا تزال تسكن أبراجاً بنيتها من عالم العلم والمعرفة والفلسفة، إليك أيها الباحث عن مكنونات شعبك وعطشه وجوعه، وما زلت تلقمه المفردة والجملة والعبارة فيلقفها فرحاً مسروراً، قربت لنا المسافة الزمانية والمكانية لكي نعيش الحالات التي مر بها الشعب المصري قبل وبعد الثورة. ذهبنا معك ونحن في أوج بهجتنا إلى أقبية الحارات المختلفة لتكشف لنا عن أولادها وأسرارها، هذه الحارات التي توسدت العلم والتاريخ والمعرفة وأحقية السؤال، ولم يكن منعها حاجزاً منع قراءك من احتضانها، وحين تعلقت الرواية بمخيالنا عرفنا مدى القسر والقساوة الشرسة لهذا المنع، وعرفنا يد الغدر كيف حاولت منعك من عبور العالم، ولكنها فشلت، وبقي حلمك الجميل يرفرف بجناح المعرفة والتحدي والتنوير لتبقى الكلمة الحرة مجداً وتراثاً وثقافة تتخلخل بين مفاصل الشخصيات التي رسمتها في أعمالك الباقية ما بقي الدهر بين فتوات الكلمة التي صدحت عند الكثير من الأجيال التي تربت على يديك... وفتوات الحارات والأمكنة التي تسيدت الحرافيش وبعضاً من قرى التخيل، وسارت عبر رحلة ابن فطومة لتصل بنا إلى فنتازيا الحب. وكانت ولا تزال أعمالك الإبداعية القصصية والروائية والسينمائية نبراساً يقربنا من تحدي الواقع، وكشف زيف المجتمع، لكن لم نشعر بقساوة التعب إلا حين أردنا أن نرسم عشقنا لك لغة، كنت ولا تزال بيننا نأكل الخبز الذي كونته في قصصك، ونشرب الماء الذي ظهر من بئر رواياتك، ونسمر مع أعمالك.