جورجينيو... من لاعب مشكوك في قدراته إلى أفضل لاعب بأوروبا

قبل فوز لاعب وسط تشيلسي وإيطاليا بجائزة أفضل لاعب في أوروبا في عام 2020 – 2021، وجد جورجينيو نفسه صعوبة في تقبل فكرة أنه يمكن أن يفوز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم هذا العام. وقال جورجيني، بعد الفوز بالجائزة، «أشعر بسعادة بالغة لفوزي بهذه الجائزة. أشكر كل من ساعدني في هذا الموسم؛ المشجعين واللاعبين والمدرب».
ولم يأخذ جورجينيو الأمر على أنه إهانة عندما سمع أنطونيو كاسانو، مهاجم منتخب إيطاليا السابق، يقول إن أي صحافي يصوت للاعب خط وسط تشيلسي «يجب أن يتم سحب رخصته». وبدلاً من الدخول في معركة مع كاسانو بعد مقابلته صدفة على أحد الشواطئ الإيطالية في وقت سابق من هذا الصيف، وجد جورجينو أرضية مشتركة مع كاسنانو، البالغ من العمر 39 عاماً، واتفق معه على أن انتزاع الكرة الذهبية هذا العام سيكون بمثابة فضيحة!
وقال كاسانو مؤخراً: «الآن أنا معجب بجورجينيو أكثر من أي وقت مضى. لقد تحدثت معه لمدة 90 دقيقة بشكل جيد، فهو شخص استثنائي وذكي للغاية ومتواضع ومهذب جداً». وأعرب المدير الفني لنادي تشيلسي، توماس توخيل، عن سعادته بحفاظ جورجينيو على هدوئه وتواضعه بعد فوزه بدوري أبطال أوروبا مع تشيلسي، وكأس الأمم الأوروبية 2020 مع إيطاليا. وقال المدير الفني الألماني، «جورجينيو لاعب كبير. إنه شخص لطيف والابتسامة لا تفارق وجهه أبداً. يمكنك أن تدخل في دردشة معه وأن تضحك معه كل يوم، لأنه مستعد دائماً للضحك وللعيش بشكل جيد».
وأضاف: «إنه يعشق كرة القدم، ولا يتوقف أبداً عن نقل هذه الطاقة الكبيرة لزملائه ولا عن التفكير في الأمور الخططية والتكتيكية ويحب المشاركة، ويشعر باتصال حقيقي مع كل مباراة يلعبها، وهو الأمر الذي يجعله لاعباً مهماً للغاية وركيزة أساسية في خط الوسط، ليس فقط بالنسبة لنا، ولكن أيضاً بالنسبة لمنتخب إيطاليا». ويثق توخيل تماماً في قدرات اللاعب البالغ من العمر 29 عاماً. قد لا يكون جورجينيو ساحراً مثل ميسي على سبيل المثال، لكن كرة القدم لعبة جماعية في المقام الأول، وكل لاعب يقوم بدور معين ضمن فريق ناجح، وقد حقق جورجينيو نجاحاً هائلاً خلال الأشهر الأخيرة، وتألق بشكل لافت بأدائه الاستثنائي في خط الوسط وقدرته على الاحتفاظ بالكرة، وهو الأمر الذي يجعله لاعباً لا يقدر بثمن لناديه ولمنتخب بلاده.
لقد تغير التصور الذي كان سائداً عن نجم خط وسط نابولي السابق بشكل تدريجي، وإن كان بطيئاً نسبياً. لقد كان البعض يرى أن طريقة لعب جورجينيو لا تناسب كرة القدم الإنجليزية، كما أن أداء النجم الإيطالي قد أحدث انقساماً حاداً بين مشجعي تشيلسي منذ انتقاله إلى «ستامفورد بريدج» قادماً من نابولي مقابل 50.4 مليون جنيه إسترليني في عام 2018، حيث كان يرى البعض أنه غير مناسب للدوري الإنجليزي الممتاز، في حين كان آخرون يدافعون عنه ويرون أنه بحاجة فقط إلى بعض الوقت للتأقلم على اللعب في دوري مختلف.
وكان جزء كبير من هذه المشكلة يتمثل في أن جورجينيو كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بما يسمى «كرة ساري»، بسبب علاقته القوية بالمدير الفني الإيطالي ماوريسيو ساري، الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيرة بين جمهور تشيلسي خلال السنة التي قضاها في «ستامفورد بريدج».
ورغم أنه كانت هناك بعض الفترات الجيدة - جورجينيو ساعد تشيلسي على الفوز بالدوري الأوروبي في 2019 – لكن كان لا يزال هناك قدر كبير من التشكيك في قدرات اللاعب. وبدا الأمر وكأن اللاعب الدولي الإيطالي يفتقر إلى السرعة التي تمكنه من اللعب في خط الوسط، وكان كثيراً ما يتم النظر إليه على أنه يمثل نقطة ضعف كبيرة في النواحي الدفاعية، ولم يكن يشارك بشكل منتظم تحت قيادة المدير الفني الإنجليزي الشاب فرانك لامبارد، الذي كان يرغب في اللعب بشكل أسرع بعد توليه قيادة الفريق خلفاً لساري قبل عامين.
ولم تسر الأمور بشكل جيد أبداً مع جورجينيو تحت قيادة لامبارد، وظهرت بعض التقارير التي تشير إلى أن اللاعب الإيطالي سيرحل عن البلوز في صيف عام 2020. وكان آرسنال يراقب الموقف عن كثب للتعاقد معه، كما كانت بعض التقارير تشير إلى اهتمام باريس سان جيرمان بالحصول على خدماته، وكان توخيل هو من يتولى قيادة النادي الباريسي آنذاك. وقال توخيل عن ذلك: «كنت سألتقطه شخصياً لو كانت هناك فرصة لذلك».
وفي هذا السياق، لم يكن من الغريب أن تتغير حظوظ جورجينيو تماماً بعد إقالة لامبارد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وتطور مستوى اللاعب الإيطالي بشكل كبير منذ تولي توخيل المسؤولية، ولعب دوراً حاسماً، بمهارته واتزانه وقيادته داخل الملعب، في فوز تشيلسي بدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. وقدم جورجينيو أداءً استثنائياً في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا أمام مانشستر سيتي في مايو (أيار) الماضي، وكون شراكة مذهلة ومتوازنة مع النجم الفرنسي نغولو كانتي.
وكان من السهل معرفة السبب الذي يجعل توخيل يحب العمل معه. وقال المدير الفني الألماني عن ذلك: «جورجينيو لاعب مهم للغاية، حيث يمكنه أن يتخيل مسبقاً ما سيحدث قبل تمريرة أو تمريرتين. كما يعرف جيداً كيف يساعد زملاءه في المسافات القصيرة والمسافات الطويلة، ومتى يغير اللعب من مكان لآخر ومتى لا يغيره. إنه يمتلك إحساساً رائعاً بإيقاع اللعب ويمكنه التحكم فيه بسهولة». لكن النقطة الأهم كانت تتمثل في استغلال القدرات والإمكانيات الهائلة لجورجينيو وفق طريقة لعب مناسبة. ومع ذلك، اعترف توخيل بأن جورجينيو يرتكب أخطاء في بعض الأحيان، مثل التمريرة الخلفية السيئة التي أهدت آرسنال الفوز على تشيلسي في مايو الماضي، وأن لاعب خط الوسط يمكن أن يكون ضعيفاً أمام الوتيرة السريعة للدوري الإنجليزي الممتاز.
ومع ذلك، هناك سبب يجعل المديرين الفنيين يحبون جورجينيو. لقد تألق اللاعب الإيطالي في طريقة 3 - 4 - 3 التي يعتمد عليها توخيل، وتحسن تمركزه بشكل واضح، ولم يندم المدير الفني لمنتخب إيطاليا، روبرتو مانشيني، عندما جعله ركيزة أساسية في صفوف منتخب «الأتزوري». لقد تألق جورجينيو في المباراة التي فازت فيها إيطاليا على إنجلترا في نهائي يورو 2020، ولعب دوراً كبيراً مع ماركو فيراتي للسيطرة على خط الوسط، وواصل حصد الألقاب والبطولات بعد عودته من الاستراحة القصيرة التي حصل عليها، حيث قاد تشيلسي للفوز بكأس السوبر الأوروبي على حساب فياريال الإسباني.
وتنافس على جائزة أفضل لاعب في أوروبا بالموسم الماضي ثلاثة لاعبين ساهموا بقدر هائل في بلوغ تشيلسي ومانشستر سيتي نهائي دوري الأبطال في الموسم الماضي قبل أن يحرز تشيلسي اللقب على حساب مانشستر سيتي. واستحق جورجينيو الجائزة متفوقاً على منافسيه البلجيكي كيفن دي بروين نجم مانشستر سيتي والفرنسي كانتي اللاعب الآخر لتشيلسي. ولعب جورجينيو دوراً بارزاً في فوز تشيلسي بلقب دوري الأبطال في الموسم الماضي، ولم يغب إلا عن مباراة واحدة فقط في مسيرة الفريق نحو اللقب، كما لعب دوراً بارزاً في فوز المنتخب الإيطالي بلقب كأس أمم أوروبا (يورو 2020) التي اختتمت الشهر الماضي ليكون عاشر لاعب فقط في التاريخ ينجح في حصد اللقبين في عام واحد.
وخلال المواجهة مع المنتخب الإسباني بالدور قبل النهائي في يورو 2020، التي اختتمت الشهر الماضي، سجل جورجينيو ركلة الترجيح الحاسمة ليقود المنتخب الإيطالي إلى المباراة النهائية التي تفوق فيها على المنتخب الإنجليزي ليتوج باللقب القاري، ولعب دوراً بارزاً في فوز تشيلسي بلقب دوري الأبطال الأوروبي في الموسم الماضي وأنهى مسيرته في البطولة بشكل رائع بعدما أحرز جائزة أفضل لاعب في كل من مباراتي تشيلسي أمام ريال مدريد الإسباني بالدور قبل النهائي، كما فاز بنفس الجائزة في المباراة النهائية أمام مانشستر سيتي.