بدءا من مطار بغداد الدولي حتى المنطقة الخضراء حيث تنطلق اليوم السبت أعمال «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» بمشاركة عربية وإقليمية ودولية هي الأولى من نوعها في العراق المعزول والمنعزل طيلة 18عاما، ترفرف أعلام الدول التسع المشاركة في هذا المؤتمر بحضور متفاوت لكنه رفيع المستوى. كما انتشرت طوال الطريق البالغ طوله نحو 20 كم وعلى جانبي الطريق القوات العراقية الخاصة لتعزيز أمن المؤتمر الذي يعقد في ظل انقسامات عراقية - عراقية حادة حول ملفات الداخل وفي المقدمة منها الانتخابات، وحول ملفات الخارج وفي المقدمة منها التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي.
العراقيون الذين يترقبون مصير الانتخابات وسط انقسامات كبيرة بين زعيم التيار الصدري وخصومه «تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون» ليسوا منقسمين بشأن استضافة بلادهم مؤتمرا دوليا بهذا الحجم. أقصى ما حاول خصوم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التركيز عليه خلال الفترة الماضية هي انتقاد الحكومة التي دعت دولا ليست مجاورة للعراق مثل مصر والإمارات وقطر وفرنسا بينما لم توجه دعوة إلى سوريا التي هي إحدى دول الجوار العراقي. أطراف سياسية مناوئة للكاظمي وقريبة من إيران حاولت التقليل من أهمية القمة بدون حضور دمشق بينما أوفد الكاظمي رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ناقلا رسالة للرئيس السوري بشار الأسد بشأن القمة وسبب عدم دعوة سوريا لحضوره. وفيما تفهمت دمشق موقف بغداد طبقا لما أعلنته وسائل الإعلام السورية لدى لقاء الفياض بالأسد فإن هذه الأطراف بقيت تعزف لفترة على نغمة عدم حضور سوريا حتى طغى الاهتمام الشعبي والسياسي بأهميتها.
ورغم عدم إعلان جدول أعمال المؤتمر أو القضايا التي سوف تناقش فيه لكنه وطبقا لما أعلنه الناطق باسم المؤتمر الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية العراقية نزال الخير الله فإن «القمة سوف لن تناقش القضايا الخلافية بين دول المنطقة» بينما كان التركيز طوال الأيام التي سبقت التحضير للمؤتمر وبرغم شحة المعلومات بأن المؤتمر سوف يناقش أهم الخلافات بين المتخاصمين الكبار من دول المنطقة. المسؤول العراقي أكد أن القمة سوف تركز على استقرار العراق وسيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وفي هذا السياق، يرى عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية ببغداد الدكتور خالد عبد الإله في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق عبر هذه القمة أو المؤتمر خطى في الواقع الخطوة الأولى باتجاه استعادة مكانته في العمق العربي والإسلامي بعد أن فقدها كليا إثر غزو الكويت عام 1990». وأضاف عبد الإله أن «زيارة رئيس الوزراء الكاظمي إلى الكويت الأسبوع الماضي وقبيل انطلاق المؤتمر كانت بمثابة طي صفحة الماضي تماما وهو أمر مهم كذلك فضلا عن أن الدور العراقي الجديد إنما هو رسالة لكل دول الجوار التي كانت قبل 2003 تعقد مؤتمرات بغياب العراق لمناقشة الوضع العراقي الآن تجتمع في بغداد لمناقشة القضايا الإقليمية». وبشأن عدم مناقشة القضايا الخلافية بين دول المنطقة يقول الدكتور عبد الإله أن «المؤتمر سوف يركز على سيادة العراق ودعم إجراء الانتخابات المبكرة كون المجتمع الدولي داعم لها بقوة»، مشيرا إلى أن «المحطة الثانية المهمة بعد التأكيد على سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه هي الاقتصاد والاستثمار حيث إن العراق يريد تنافسا شرعيا لا صراعا من أجل الاستحواذ والنفوذ».
في السياق نفسه، يقول أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية الدكتور فاضل البدراني لـ«الشرق الأوسط» إن «انعقاد القمة ببغداد يحمل دلالات كبيرة من بينها أن الأطراف الدولية اقتنعت بدور بغداد كمحور رئيس لصناعة السلام بالمنطقة لا يمكن تجاوزه». وأضاف أن «هناك مسألة مهمة وهي أن بغداد بدأت تفرض نفسها كفاعل سياسي مهم في ظل حكومة مصطفى الكاظمي وتحركاته والنوايا التي حملها للعرب ودول الجوار»، مؤكدا أن «الحكومة العراقية أرادت عبر هذا المؤتمر أن تخاطب الأطراف المتصارعة أن لعبة صراعها بالعراق يجب أن تنتهي وأنه لا استقرار بالمنطقة ما لم يتفق الجميع على مساندة العراق والكف عن نزاعاتهم داخل أراضيه». وأوضح أنه لا يستبعد أن «القوى الدولية الفاعلة ممثلة بأميركا أدركت أن عليها أن تصنع هدوءا بالمنطقة وهذا لا يجوز إلا من خلال تهدئة الوضع بالعراق، فضلا عن ذلك، فإن قواعد اللعبة اختلفت ودرس عودة جماعة طالبان لحكم أفغانستان يمثل تحولا جديدا في ميزان القوى العالمية ممثلا بالتنافس الصيني - الأميركي».
وكان الرئيس العراقي برهم صالح عقد لقاء موسعا مع الوفود الإعلامية العربية والأجنبية المشاركة في القمة أكد خلاله أن «المنطقة بحاجة إلى منظومة عمل جديدة ترتكز على الأمن المشترك والترابط الاقتصادي وأمن العراق واستقراره عنصر لا غنى عنه في تحقيق ذلك». وأضاف صالح أن «العراق بلد محوري في المنطقة، وأن علاقاته المتوازنة مع الجميع وموقعه الجغرافي يجعله عنصراً فاعلاً في الحوار وساحة لتلاقي المصالح الإقليمية»، مشيرا إلى أن «الأزمات المستحكمة في المنطقة تعود إلى انهيار منظومتها الأمنية والتعاونية بسبب الحروب والنزاعات وغياب العراق عن دوره الطبيعي». ولفت الرئيس العراقي إلى أن «عودة العراق لدوره عبر دولة مقتدرة بسيادة كاملة سيكون مرتكزاً للأمن والاستقرار الإقليمي». وأشار صالح إلى أن «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة سيساهم في التعاون من أجل تخفيف حدة التوترات والأزمات التي تكتنف المنطقة، ودعم مسار الحوار البناء في سبيل ذلك».
بغداد تنجح في جمع المتخاصمين الكبار حول طاولة حوار واحدة
بعد 18 عاماً من العزلة تستضيف اليوم مؤتمراً عربياً ـ إقليمياً ـ دولياً لبحث استقرار العراق
بغداد تنجح في جمع المتخاصمين الكبار حول طاولة حوار واحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة