المفتي ينتقد رئيس الجمهورية... ودعم برلماني وسياسي وديني لدياب

الرئاسة اللبنانية ترفض اتهام عون بالمسؤولية عن انفجار المرفأ

المفتي دريان متوسطاً الرئيسين نجيب ميقاتي وحسان دياب خلال افتتاح مسجد في بيروت أمس (الوطنية)
المفتي دريان متوسطاً الرئيسين نجيب ميقاتي وحسان دياب خلال افتتاح مسجد في بيروت أمس (الوطنية)
TT

المفتي ينتقد رئيس الجمهورية... ودعم برلماني وسياسي وديني لدياب

المفتي دريان متوسطاً الرئيسين نجيب ميقاتي وحسان دياب خلال افتتاح مسجد في بيروت أمس (الوطنية)
المفتي دريان متوسطاً الرئيسين نجيب ميقاتي وحسان دياب خلال افتتاح مسجد في بيروت أمس (الوطنية)

فتحت «مذكرة الإحضار» التي أصدرها المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الباب أمام التفاف سياسي وديني من قيادات الطائفة السنية حول دياب، ورفعت مستوى التوتر الذي يتصاعد بين رؤساء الحكومات السابقين ورئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك بعد البيان العالي اللهجة الذي أصدروه أول من أمس، واتهموا فيه عون بالتقاعس، والامتناع عن القيام بأي عمل ذي قيمة عملية للحؤول دون وقوع الانفجار.
وتفاعلت مذكرة البيطار على مستويات سياسية ودينية، إلى جانب المستوى التشريعي، حيث أكد مجلس النواب أمس، أن الادعاء على رئيس الحكومة هو من اختصاص البرلمان لجهة محاكمة المشتبه بهم من الرؤساء والوزراء في «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء».
وأرسل الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية، لفت فيه إلى أن دياب أبلغ البرلمان بأن المحقق العدلي قد أبلغه ورقة إحضار أمامه أول من أمس (الخميس)، مضيفاً: «لما كان هذا الإجراء لا يعود اختصاصه إلى القضاء العدلي وفقاً للمواد 70 و71 و80 من الدستور وهذا الأمر موضوع ملاحقة أمام المجلس النيابي تمهيداً للسير بالإجراءات اللازمة»، وطالب النيابة العامة التمييزية بإجراء المقتضى.
وتنصّ المادة 70 من الدستور على أن لمجلس النواب الحق أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. أما المادة 71 فتنص على أنه «يحاكَم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم أمام المجلس الأعلى».
وبموازاة هذا الدعم التشريعي في مواجهة خطوة البيطار، حاز دياب دعماً سياسياً ودعماً من «دار الفتوى»، حيث أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أن «موقع رئاسة الحكومة لا يقل أهميةً وقدراً عن أي موقع رئاسي آخر في لبنان، فاحترامه واجب، ونحن حريصون على أن يبقى هذا الموقع مصوناً، حفاظاً على التوازن بين مواقع الرئاسات الثلاث». وأكد أن «التصويب على دياب أمرٌ مرفوض وغريب عن أصول التعامل مع رئاسة الحكومة»، مشدداً في افتتاح مسجد محمد البساتنة في مستديرة شاتيلا في بيروت أمس، على أن «الإصرار على هذا النهج من البعض في السلطة القضائيّة التي لا نتدخّل في عملها يُسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة في قضيّة انفجار مرفأ بيروت».
وفيما يلتئم المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى اليوم (السبت)، برئاسة المفتي دريان لبحث مسألة مذكرة البيطار بحق دياب، دعا دريان أمس إلى «رفع كلّ الحصانات عبر إصدار قانون من مجلس النواب ولتأخذ العدالة مجراها بعيداً من الانتقائيّة والاستنسابيّة والكيديّة المقيتة»، لافتاً إلى أن «العدالة الانتقائيّة ليست عدالة»، في إشارة إلى اقتراحي قانون كان قد تقدم بهما «تيار المستقبل» ويقضيان برفع الحصانات عن الجميع بمن فيهم رؤساء الحكومات ورئيس الجمهورية والقضاة والموظفون والأمنيون والوزراء والنواب، تسهيلاً للإجراءات القضائية.
ووجه دريان انتقادات لرئيس الجمهورية، قائلاً إن «التخبط السياسي والاجتماعي والمعيشي الذي نعيشه مؤلم، وأوجع كل الناس، وأرهق كاهل المواطن الذي يعاني الأمرّين وهو صابر»، معرباً عن خشيته بعد هذا الوقت الطويل «أن ينفد صبر اللبنانيين، ونقع جميعاً في أتون الفوضى الشاملة، التي بدأنا نرى مظاهرها في شتى المجالات، ولا نرضى أن نكون شهود زور على ما يحصل في بلدنا».
ودعا دريان إلى «الإقلاع عمّا نحن فيه من تخبط، وإلا فإنّا ذاهبون فعلاً إلى الأسوأ وإلى الانهيار الشامل». وتوجه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بالقول: «حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك، وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم، إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا».
وينسحب التوتر بين رئاسة الجمهورية وممثلي الطائفة السنية في لبنان، على ملف تشكيل الحكومة. وتطرق دريان إلى هذا الملف، داعياً إلى «الترفّع عن الترهات التي ترافق كل تكليف، كما ترافق تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، الذي جاء بناءً على رغبة النواب الذين سمّوه، وبتزكية من رؤساء الحكومة السابقين، ومباركة من دار الفتوى، التي لا تميز بين أبنائها». وقال: «نحن في بلد التعايش الإسلامي المسيحي، نرفض أن نميز بين لبناني وآخر، وما يحكى اليوم عن أن المسلم يسمي المسلم، والمسيحي يسمي المسيحي في الحكومة العتيدة، هو أمر خطير ومفرِّق، وينبغي تداركه، ولا نرضى أن تساس الأمور هكذا، كأننا نعيش في جزر داخل جزر، لا في دولة واحدة»، مشدداً على أن «معاييرنا وطنية بامتياز، وليست معايير طائفية».

توتر بين رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومات
وردّت الرئاسة اللبنانية على بيان رؤساء الحكومات السابقين أول من أمس، الذين أشاروا إلى أن الرئيس اللبناني كان على علم بشحنة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت قبل 15 يوماً من تفجيرها، معتبرين أن مدة الخمسة عشر يوماً «هي مدة زمنية كافية لتفكيك قنبلة نووية، فكيف الحال بالنسبة لهذه المواد القابلة للتفجير». وقالوا إن عون «تقاعس وامتنع عن القيام بأي عمل ذي قيمة عملية للحؤول دون حصول تلك الكارثة الإنسانية والاقتصادية والعمرانية التي حلّت بلبنان، وهذا يعني وجوب أن تُرفع الحصانة كذلك عن رئيس الجمهورية فيما خص هذه الجريمة الخطيرة التي أصابت لبنان وبالتالي وعندها يتحرر المحقق العدلي من نصوص لا تعطيه حقوقاً قانونية ودستورية في محاكمة الرؤساء وسواهم».
وقالت الرئاسة في بين أمس: «من المؤسف حقاً اتهام رئيس الجمهورية في موضوع تفجير المرفأ في حين أنه وضع نفسه بتصرف المحقق العدلي لسماع شهادته». وأوضحت أن «الامتياز الذي تمنحه المادة 60 من الدستور لا يعني عدم إمكان ملاحقة السيد الرئيس ومساءلته في حال ثبوت مسؤوليته بمعرض أي جرم عادي».
وقالت الرئاسة: «إن العدالة لا تنال من أي موقع دستوري إذا مورست من المرجع المختص»، مضيفة: «عانى لبنان ولا يزال يعاني من الخطوط الحمر الطائفية والمذهبية لدى كل مساءلة، وقد تفاقمت هذه الظاهرة أخيراً، كما جرى مثلاً مع رؤساء الحكومة في تضامنهم المطلق بعضهم مع بعض بحجة استهداف الموقع الدستوري الثالث في الدولة واستضعافه، في حين أن السيد رئيس الجمهورية لم يبادر يوماً إلى استنهاض المشاعر المذهبية والطائفية بمعرض الملاحقات القضائية».
وقالت إنها لن تردّ على ما سمّته «الكلام الخطير» الذي ورد في بيان رؤساء الحكومات بشأن «العدالة المقنّعة والانتقائية والقضاء المسيّس وأروقة قصر بعبدا حيث يدار ملف التحقيق العدلي»، معتبرة أنه في ذلك، «إهانة علنية واستضعافاً مرفوضاً واستهدافاً مشيناً للسلطة القضائية، التي ينادي بعض المدعين بالحرص عليها، واستقلاليتها وشفافيتها ونزاهتها وتحررها من القيود السياسية والطائفية، في حين أنهم يمعنون فيها تخريباً وهدماً باسم الطائفة والمذهب وهما منهم براء».
ورأى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن «توقيت البيان مريب فيما رئيس الجمهورية يبذل جهداً لتأليف الحكومة للتصدي للمعاناة القاسية التي ينوء شعب لبنان تحت أثقالها»، وأكد أن الرئاسة «مستمرة في التصدي لمكامن الخلل والتدقيق المركز في حسابات مصرف لبنان وسائر مرافق الدولة لتحديد الخسائر والمساءلة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.