هجوم حوثي على قادة «مؤتمر صنعاء» بعد رفع صور صالح

وسط مخاوف من شن عمليات تنكيل جديدة ضد أتباع الحزب

TT

هجوم حوثي على قادة «مؤتمر صنعاء» بعد رفع صور صالح

لم يشفع لقادة حزب «المؤتمر الشعبي» (جناح صنعاء) بقاؤهم تحت رحمة الميليشيات الحوثية ضمن تحالفهم الصوري بعد مقتل زعيم الحزب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2017، إذ شنت الجماعة في الأيام الماضية هجوماً غير مسبوق على هؤلاء القادة، على خلفية رفع صور لصالح أثناء احتفالهم بالذكرى التاسعة والثلاثين لتأسيس الحزب.
وفي الوقت الذي تتعاظم فيه المخاوف من أن يكون هذا الهجوم تمهيداً من قبل الميليشيات الحوثية لشن عمليات تنكيل جديدة بعناصر الحزب وقياداته، وصولاً إلى اجتثاثه، يرجح مراقبون أن الجماعة الانقلابية تسعى من خلال هجومها سواء عبر وسائل إعلامها أو عبر تصريحات قادتها إلى إرهاب قيادات الحزب الذين ترى فيه عملاقاً جريحاً يمكن مع أول تسوية سياسية أن يعود إلى واجهة الحكم من جديد.
وكان القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي وابن عم زعيمها الذي يشغل أيضاً منصب عضو مجلس حكم الانقلاب إلى جانب رئاسته لما يسمى «المنظومة العدلية» عبّر في سلسلة من التغريدات على «تويتر» عن استياء الجماعة من قيام قادة «مؤتمر صنعاء» بتمجيد صالح، من خلال رفع صوره أثناء الاحتفال الرمزي بذكرى تأسيس الحزب.
وفي هجوم صريح على هذه القيادات قال الحوثي إن «تمجيد الخائن ضعف سياسي ورؤية معتمة وهراء في غير محله وتطبيل لا فائدة منه، لذلك كل حر سيواصل الحملة المفتوحة لإدانة التمجيد للخيانة».
وفي تغريدة أخرى، أضاف الحوثي بالقول في سياق هجومه على قادة الحزب: «ليست من الحرية والديمقراطية وإنما تمجيد لمن لا يستحق من مجرمي العمالة والارتزاق وأدعو كل الحكماء والعقلاء اليمنيين إلى إدانة تمجيد الخونة، فلن يقبل أحد بطعن الشعب الصامد ولن يستطيع لا من الداخل ولا من الخارج، والوعي واليقظة سياج شعبي ضد كل مؤامرة».
إلى جانب حملات هجوم أخرى شنتها وسائل إعلام الميليشيات ضد قيادات حزب «المؤتمر» في صنعاء، يفهم من تغريدات «الحوثي» أن الجماعة في سياق الإعداد لعمليات قمع جديدة بحق قيادات الحزب الذين لا يزالون يكنون الولاء لزعيم الحزب الراحل علي عبد الله صالح، الذي تصمه الميليشيات بـ«الخيانة» بعد أن قاد ضدها ما عرف بـ«انتفاضة ديسمبر» وأعلن فض الشراكة معها.
وكانت الميليشيات أقدمت على تصفية صالح ومعه الأمين العام للحزب عارف الزوكا بعد وأد الانتفاضة، كما أقدمت على قتل العشرات من حراسه وأعوانه وزجت بالآلاف في السجون والمعتقلات، قبل أن تصادر أمواله والمقربين منه وتحجز على أملاك الحزب نفسه.
وفي ظل حرص الميليشيات على الإبقاء على إرث صالح الحزبي والسياسي أداة سياسية في يدها، كانت سمحت بعد مقتله بإعادة ترتيب جناح الحزب في صنعاء، حيث أقر قادته حينها اختيار القيادي صادق أمين أبو رأس خلفاً لصالح، في مقابل جناح آخر يرأسه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي.

محاولة تصفية
وفي سياق التعليق على هذا الهجوم الحوثي على قادة حزب «المؤتمر» في صنعاء، يعتقد الإعلامي اليمني أحمد عباس، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تمهد لتصفية الحزب.
ويقول عباس: «برأيي أن هذا الهجوم الذي يتبناه قادة الحوثي ضد حزب المؤتمر هو الصورة الحقيقية للحركة الحوثية التي لا تريد أحداً حتى لو كان حضوره صورياً لا يقدم ولا يؤخر ولكنه يجمل المشهد القاتم الذي يمارس فيه الحوثي سطوته على البلاد، ولكنها تستشعر خطورته».
ويضيف: «تغريدات محمد علي الحوثي وهو القيادي البارز في الحركة دليل على انزعاج شديد من (المؤتمر) مع أن هجومهم هذا يأتي على التيار الذي يحسبه الكثيرون متهاوناً مع الحوثيين بسبب وقوع قادته ومقراته تحت سلطتهم، ومع هذا لم يسلم من سخطهم الذي يمكن أن تتبعه تحركات أكثر دراماتيكية».
ويلاحظ الإعلامي اليمني أحمد عباس أن الحزب «بكل أجنحته يتعرض لمحاولات التصفية وليس الإقصاء فقط، ذلك أن التيارات المتشددة تخاف من حزب وسطي يحمل أجندة وطنية ولديه خبرة واسعة في إدارة الدولة»، وفق تعبيره.
كما يلاحظ أن الحركة الحوثية وأطرافاً سياسية أخرى تحاول إخراج المؤتمر من المشهد. ويقول: «الغريب أن الحوثيين يبدون تهاوناً ملحوظاً مع مَن يحسبون أنهم أعداء في الآيديولوجيا، لكنهم يدركون أن الخطر الحقيقي هو فيما يمثله (المؤتمر) من قيم وطنية وطرح غير آيديولوجي تلتف حوله معظم شرائح المجتمع، ويرون في أعدائهم الآخرين ربما سبباً في بقاء الصراع وديمومته».

«جماعة إقصائية»؟
يقول المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر إن الهجوم الحوثي الأخير على حزب «المؤتمر الشعبي العام» أثبت أنها جماعة إقصائية وترفض أن يشاركها أحد، ويثبت صحة أن التعايش معها سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً صعب.
ويضيف الطاهر لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «الجماعة لا يمكن أن تحل الحزب لكي تحافظ على منظرها أمام الرأي العام الدولي، على أنها جماعة ديمقراطية، لكنها تريد أن يكون (المؤتمر) حزباً مفرخاً، وقياداته يدينون بالولاء لإيران قبل أن يكون الولاء للجماعة، والهجوم عليهم هو بقصد ترهيبهم وإذلال من في الداخل».
ويرى الطاهر في الحملة الحوثية «رسالة عكسية لكل (المؤتمريين) الذين ينتظرون من الجماعة أنها ستسلك مسلك الديمقراطية، أو أنها ستمنحهم حقهم السياسي أو سترضى عنهم».
ويؤكد أن الجماعة الانقلابية لن تسمح بحدوث ذلك، داعياً هذه القيادات إلى ترك هذه التمنيات والتفاؤل، خصوصاً من وصفهم بأنهم «لا يزالون في موقف الحياد أو من يدعون للسلام بوضعه الحالي خدمة للحوثيين».
ويطلب الطاهر من هذه القيادات «الوقوف في صف الجمهورية وتوحيد صفوفهم لاستعادة دور المؤتمر الشعبي العام في استعادة الدولة» ويرى أن «موقف بعضهم الحالي لا يساعد المؤتمر على استعادة دوره».
يشار إلى أن قادة بارزين في الحزب كانوا ولا يزالون يتبنون تحركات في الخارج على أمل لملمة صفوف الحزب تحت قيادة واحدة، مع ضمان أن يشمل ذلك منح دور رئيس لأحمد علي صالح، النجل الأكبر للرئيس الراحل الذي تمسك بزعامة الحزب حتى مقتله على يد الميليشيات الحوثية.



الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
TT

الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)

بعد حصار وقصف داما أكثر من أسبوع أَقْدَمَ مسلحو الجماعة الحوثية على التنكيل بسكان قرية «حنكة آل مسعود» التابعة لمديرية القريشية في محافظة البيضاء جنوب شرقي صنعاء، حيث اعتقلوا نحو 400 مدني، وفجَّروا ونهبوا أكثر من 20 منزلاً، وفق ما أفادت به مصادر الحكومة اليمنية.

ونقلت وكالة «سبأ» الحكومية عن مصادر محلية قولها إن الميليشيات الحوثية اختطفت 400 مدني على الأقل من أهالي قرية «حنكة آل مسعود»، بينهم أطفال وشيوخ، ونقلت 360 معتقلاً منهم إلى سجن إدارة أمن مديريات رداع في منطقة الكمب، و60 معتقلاً آخرين إلى السجن المركزي في مدينة رداع.

وطبقاً لما أوردته المصادر، فجَّر الحوثيون منازل 3 من سكان القرية هم علي أحمد الجوبلي المسعودي، ومحمد صالح الجوبلي المسعودي، ومحمد أحمد حسين المسعودي، بعد أن أُحرقت 5 منازل بشكل كامل، وفُخخت 6 منازل أخرى، فضلاً عن اقتحام ونهب أكثر من 11 منزلاً في القرية، بحسب إحصائية أولية.

وباشر مسلحو الجماعة الحوثية الذين استخدموا كل الأسلحة الثقيلة والطيران المسير لاقتحام القرية باستهداف منازل السكان إثر حصار خانق وقصف مكثف لأكثر من أسبوع.

مسلحون حوثيون في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

وأوردت المصادر الرسمية اليمنية أن عناصر الجماعة أحرقوا 5 منازل، وفخخوا 6 أخرى بالمتفجرات استعداداً لنسفها، قبل أن تتدخل وساطة قبلية، وتَحُول دون تفجير تلك المنازل، كما اقتحموا أكثر من 11 منزلاً آخر في القرية، ونهبوا كل محتوياتها من الجواهر ووثائق ملكية الأراضي والعقارات وغيرها من المقتنيات الثمينة.

وكانت الجماعة الحوثية قد قامت بالتزامن مع حصار القرية وقصفها بقطع شبكات الاتصالات، وحجب خدمات الإنترنت عن القرية والقرى المحيطة بها بشكل كامل، خوفاً من كشف جرائمها بحق الأهالي التي تشمل التصفيات الجسدية والاختطافات والترحيل القسري.

جرائم وحشية

وعلى وقع تنكيل الحوثيين بسكان القرية، حذر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تصريح رسمي، من ارتكاب الجماعة «أعمال إبادة جماعية بحق الأهالي، وقال إن القصف العشوائي الذي شنته الميليشيا على منازل المدنيين باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، أسفر عن سقوط كثير من الضحايا بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال، كما تم تدمير نحو 20 منزلاً، مع منع وصول الفرق الطبية لإسعاف المصابين أو إدخال المواد الغذائية للمحاصرين.

وأشار الإرياني إلى أن قرابة 10 آلاف شخص يقطنون نحو 2000 منزل في القرية، يعيشون في حالة من الرعب والخوف جراء الهجمات الوحشية الحوثية، والتي تشمل أعمالاً انتقامية، واعتقالات عشوائية طالت الأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى اقتحام المنازل، ونهب الممتلكات الشخصية مثل الذهب، والأموال والأسلحة الشخصية.

وانتقد الوزير اليمني ما وصفه بـ«الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم الوحشية»، وقال: «هذا الصمت يشجع الميليشيا على استمرار سياساتها العدوانية التي تمثل استخفافاً بحياة الأبرياء، وتعد انتهاكاً صارخاً وغير مسبوق لحقوق الإنسان وللقوانين والمواثيق الدولية.

وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لوقف «الجرائم الوحشية»، وحماية المدنيين، كما دعا إلى التصنيف الفوري للحوثيين «جماعة إرهابية عالمية»، ومحاكمة قادتها أمام المحاكم الجنائية الدولية على الجرائم والانتهاكات الجسيمة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.