جانين آنييز... رئيسة بوليفيا السابقة استفادت من حكم ترمب وصعود اليمين

وصلت إلى الرئاسة في ذروة أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة

جانين آنييز... رئيسة بوليفيا السابقة استفادت من حكم ترمب وصعود اليمين
TT

جانين آنييز... رئيسة بوليفيا السابقة استفادت من حكم ترمب وصعود اليمين

جانين آنييز... رئيسة بوليفيا السابقة استفادت من حكم ترمب وصعود اليمين

في الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 تولّت المحامية والنجمة التلفزيونية جانين آنييز مهام رئاسة جمهورية بوليفيا، لتصبح المرأة الثانية التي تتبوأ هذا المنصب في بلادها بعد ليديا تيخادا التي تولّته لفترة سنتين أواخر العقد الثامن من القرن الماضي. إلا أن رئاسة آنييز، التي كانت مؤقتة، لم تدم سوى أحد عشر شهراً بعدما تراجعت عن قرارها الترشّح للانتخابات الرئاسية عن التيار اليميني. وبالنتيجة، أسفرت الانتخابات عن فوز الاشتراكي لويس آرسي الذي تسلّم منها الرئاسة في الثامن من نوفمبر 2020.
وكان وصول آنييز إلى سدة الرئاسة البوليفية قد حصل في ذروة أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة، بدأت باستقالة الرئيس الاشتراكي إيفو موراليس تحت وطأة الضغوط التي تعرّض لها من قادة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة ولجوئه إلى سفارة المكسيك خوفاً من اعتقاله. وبعد ذلك، خروجه من بوليفيا تحت حماية دبلوماسية إلى العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، ومنها إلى العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، حيث عاد ليقود المعارضة ضد آنييز والقوى اليمينية التي كانت تدعمها بتأييد من الولايات المتحدة.
وفي الرابع عشر من مارس (آذار) الفائت صدر عن النيابة العامة البوليفية قرار بإيداع آنييز الحبس الاحترازي في انتظار محاكمتها بتهمة التمرّد والإرهاب والتآمر، وذلك بسبب دورها في الأحداث التي أدت إلى استقالة موراليس وانتهت بوصولها إلى الرئاسة. ويوم السبت الماضي حاولت آنييز الانتحار في زنزانتها بعدما مدّد القضاء فترة اعتقالها ستة أشهر إضافية، إلا أن الأطباء تمكنوا من إنقاذها بعدما أقدمت على قطع شرايين معصمها وتركت رسالة تقول فيها إنها لم تعد لديها رغبة في الحياة.
نشأت جانين آنييز في بيئة ريفية فقيرة في بوليفيا. وهي الصغيرة بين سبعة أشقاء تعيلهم والدة مدرّسة، لتنتقل لاحقاً وهي في الثامنة عشرة من عمرها إلى العاصمة لا باز، حيث التحقت بعدد من معاهد الإرساليات الأميركية لتدرس اللغة الإنجليزية وإدارة الأعمال. ومن ثم، انتقلت هذه المرأة الطموح إلى مدينة ترينيداد، حيث تعرّفت على زوجها الأول الذي كان ناشطاً سياسياً في حزب الوحدة المدنية اليميني قبل أن يصبح رئيساً للمجلس البلدي.
في تلك الفترة كانت آنييز تتابع تحصيلها الجامعي وتتخرّج محامية متخصّصة في القانون الدستوري، لتبدأ بعد ذك مسيرة إعلامية ناجحة كنجمة تلفزيونية، قبل أن تنخرط في العمل السياسي كعضو بارز في اللجنة التنفيذية للحركة الديمقراطية الاجتماعية.
في عام 2006، عندما كانت لا تزال في التاسعة والثلاثين من عمرها، فازت في الانتخابات لعضوية الجمعية التأسيسية المكلّفة وضع دستور جديد للبلاد. وفي عام 2009 فازت بعضوية مجلس الشيوخ. ثم كرّرت فوزها في انتخابات عام 2014. وهكذا، أصبحت النائب الثاني لرئيس المجلس قبل اندلاع الأزمة السياسية والدستورية التي نشأت عن استقالة إيفو موراليس.

تنحّي موراليس
في الحادي عشر من نوفمبر 2019 أعلن موراليس تخلّيه عن رئاسة بوليفيا بعدما تخلّى عن تأييده قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل وطالبوه بالاستقالة إثر فوزه بولاية ثالثة في الانتخابات التي خاضها في أعقاب تعديل الدستور الذي كان يمنع تولّي الرئاسة لأكثر من ولايتين. وعندما رفض نائب الرئيس الفارو غارسيّا ورئيسة مجلس الشيوخ آدريانا سالفاتييرا ورئيس مجلس النواب فيكتور بوردا تولّي الرئاسة تضامناً مع موراليس، واحتجاجاً على ما وصفوه بـ«الانقلاب على الشرعية»، اتجهت الأنظار إلى جانين آنييز كمرشحة لتولّي الرئاسة الشاغرة، لكن السياسية اليمينية وجدت نفسها تواجه معارضة الأغلبية البرلمانية المؤيدة لموراليس.
مع هذا، في الثاني عشر من نوفمبر 2019، بدعم الأجهزة الأمنية والعسكرية، جرى إعلان تنصيب جانين آنييز رئيسة لبوليفيا في جلسة برلمانية خاطفة رفضت الغالبية الاشتراكية حضورها بحجة مخالفتها للدستور. وفي اليوم التالي، أعلنت المحكمة الدستورية أن انتخاب آنييز قد تمّ «وفقاً للأصول المرعيّة حفاظاً على استمرارية السلطة التنفيذية في انتظار إجراء انتخابات رئاسية واشتراعية جديدة».
وبالتالي، بينما كانت معظم المدن والأرياف البوليفية تشهد احتجاجات شعبية واسعة ضد «الانقلاب» الذي أطاح موراليس، كانت «حكومة» آنييز منكبّة على وضع قانون يمهّد لانتخابات جديدة تفتح الطريق أمام الخروج من الأزمة التي كانت بدأت تهدد باندلاع حرب أهلية في بوليفيا. وبعد شهرين من المفاوضات المكثّفة بين القوى البرلمانية، على وقع الاضطرابات وأعمال العنف التي أوقعت عشرات القتلى في العاصمة وضواحيها، توصّل الطرفان المتنازعان إلى اتفاق حول قانون ينظّم الانتخابات. وبموجب هذا القانون يمنع موراليس من الترشّح مقابل تعهد الحكومة بسحب القوات المسلّحة من مناطق الاحتجاجات، وإسقاط المرسوم الذي يمنح الجيش والأجهزة الأمنية حصانة ضد الملاحقات القانونية، والإفراج عن المعتقلين من أنصار موراليس وتأمين الحماية للقادة السياسيين والنقابيين المؤيدين للرئيس السابق والتعويض على عائلات الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات خلال الأزمة.

تغييرات الساسة الخارجية
اتسمت رئاسة آنييز القصيرة بتغييرات جذرية في السياسة الخارجية لبوليفيا بعد سنوات طويلة من حكم اليساري موراليس، الذي كان وثّق علاقات بلاده مع المعسكر الاشتراكي في أميركا اللاتينية. وبعد أيام قليلة من توليها الرئاسة عمدت آنييز إلى إقالة 85 في المائة من سفراء بوليفيا المعتمدين في الخارج واستعاضت عنهم بمفوّضين غير دبلوماسيين مقرّبين من خطها السياسي اليميني ومن القوات المسلّحة.
كذلك، منذ تولّيها الرئاسة ندّدت آنييز بالتدخلات الخارجية في شؤون بوليفيا، مشيرة بالتحديد إلى كولومبيا والبيرو وكوبا وفنزويلا. واتهمت هذه البلدان بالتحريض المباشر على المواجهات العنيفة التي شهدتها بوليفيا طوال أشهر بعد الانتخابات الرئاسية وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وبعدما ألقت قوات الأمن البوليفية القبض على مواطنين أرجنتينيين وأعضاء سابقين في «القوات المسلحة الثورية» الكولومبية بتهمة التخطيط لأعمال الشغب، فإنها اعتقلت عدداً من «العملاء» الكوبيين بتهمة توزيع الأموال على مناصرين للرئيس السابق إيفو موراليس. وردّت كوبا على الاتهامات بأن الأموال التي كانت في حوزة المعتقلين كانت مخصّصة لرواتب الأطباء الكوبيين الذين يعملون في بوليفيا بموجب اتفاق للتعاون الثنائي بين البلدين، ثم قرّرت إعادة أكثر من 725 طبيباً لأسباب أمنية. وكانت وزارة الصحة البوليفية قد ادعت أنه بعد مراجعة الوثائق الشخصية للكوبيين في بوليفيا، تبيّن لها أن معظمهم لا يحمل شهادة في الطب ويكلّفون الخزينة العامة أكثر من 8 ملايين دولار سنوياً تصبّ معظمها في ميزانية النظام الكوبي. وفي مطلع العام الماضي، قرّرت آنييز قطع علاقات بلادها الدبلوماسية مع كوبا، متهمة هافانا بالتدخل في شؤون بوليفيا الداخلية وتقويض سيادتها الوطنية.
وبالنسبة لفنزويلا، وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على تولّيها مهام الرئاسة، أعلنت آنييز اعترافها بالزعيم المعارض خوان غوايدو (المدعوم من واشنطن) رئيساً مؤقتاً لفنزويلا. وقرّرت قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام نيكولاس مادورو اليساري وأمهلت البعثة الدبلوماسية الفنزويلية ثلاثة أيام لمغادرة البلاد. وكذلك طلبت من غوايدو تعيين سفير جديد لفنزويلا في بوليفيا.

معاداة المكسيك والأرجنتين
حتى العلاقات بين بوليفيا والمكسيك لم تسلم هي أيضاً من الاهتزازات مع وصول آنييز إلى الرئاسة؛ وذلك بسبب منح الحكومة المكسيكية حق اللجوء السياسي لموراليس وتسهيل خروجه من لا باز. وكان الأخير قد لجأ إلى السفارة المكسيكية التي رفضت تسليمه إلى الحكومة البوليفية، التي فرضت قواتها الأمنية طوقاً أمنياً حول مبنى السفارة لأسابيع عدة قبل أن تسمح بخروج موراليس ومغادرته البلاد على متن طائرة رسمية مكسيكية.
ولاحقاً، مع وصول موراليس إلى الأرجنتين تلبية لدعوة الرئيس الجديد البرتو فرنانديز بعد يومين من انتخابه، شهدت العلاقات الأرجنتينية البوليفية توتراً متزايداً؛ إذ عرض فرنانديز على الرئيس البوليفي السابق الإقامة في بلاده كلاجئ سياسي يتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها أي مواطن أرجنتيني من حيث حرية التعبير والتفكير والإدلاء بما يريد من تصريحات. وأيضاً، سمحت له الحكومة الأرجنتينية بتنظيم اجتماعات مع أنصاره والقيام بأنشطة سياسية من دون قيود.
في المقابل، بطبيعة الحال، رحّبت الولايات المتحدة من جهتها بوصول آنييز إلى الرئاسة. وأعلنت رغبتها في التعاون مع حكومتها لتنظيم انتخابات جديدة في أقرب الآجال، وإرسال سفير جديد إلى بوليفيا بعد عشر سنوات من سحب سفيرها السابق على عهد موراليس.
غير أنه، بعد الانتخابات الرئاسية والاشتراعية التي كانت مقررة في مايو (أيار) من العام الفائت وجرى تأجيلها إلى أكتوبر (تشرين الأول) بسبب من جائحة «كوفيد - 19» وجدت آنييز نفسها في محيط داخلي وخارجي مختلف كلّياً عن الذي كانت تتحرك فيه إبّان فترة توليها الرئاسة. إذ أسفرت الانتخابات عن فوز واضح للمرشح الاشتراكي الذي يدعمه موراليس، وحصول الأحزاب اليسارية المؤيدة له على الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وجرى هذا تقريباً بالتزامن تقريباً مع انتقال الرئاسة الأميركية من دونالد ترمب إلى جو بايدن.

نهاية «شهر العسل»
وحقاً، في الثالث عشر من مارس الفائت داهمت قوة من الشرطة منزل آنييز واقتادتها إلى السجن؛ تنفيذاً لمذكرة جلب صدرت عن النيابة العامة، وقضت بإيداعها الحبس الاحترازي، إلى جانب أربعة من الوزراء السابقين في حكومتها. وحصل هذا، مع أن التحقيقات الجارية في ملف القضية كانت تتناول الأحداث التي سبقت استقالة موراليس، أي قبل أن تتولّى آنييز مهام الرئاسة.
وعلى الأثر، أثار اعتقال الرئيسة البوليفية السابقة موجة من الاحتجاجات المحلية والإقليمية، كانت أبرزها التصريحات التي صدرت عن الأمين العام لمنظمة البلدان الأميركية لويس الماغرو الذي قال، إن القضايا القانونية الكبرى التي تتناول فترة حكم موراليس وآنييز، بما فيها تلك التي تشمل «جرائم ضد الإنسانية»، يجب أن تنظر فيها الهيئات والمحاكم الدولية. واعتبر الماغرو أن القضاء البوليفي الخاضع للسلطة السياسية «ليس موضع ثقة للنظر في هذه القضايا». وأعلن أنه سيبادر شخصياً إلى إحالة هذه القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكن الحكومة البوليفية التي يرأسها لويس آرسي رفضت تصريحات الماغرو التي وصفتها بالتدخل غير المقبول، واعتبرت اقتراحه غير قانوني.
من جهة ثانية، منظمات حقوقية غربية مثل «العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش» أيضاً أعربت عن شكوكها في شرعية توقيف آنييز بتهمة التآمر والانقلاب على الحكم. ورأت في قرار النيابة العامة استخداماً للقضاء بهدف تحقيق غايات سياسية. وبينما اعتبرت المعارضة اليمينية أن اعتقال الرئيسة السابقة «خطوة استبدادية»، قال الرئيس البوليفي الأسبق كارلوس ميسا، إن تصرّف السلطات مع آنييز هو «من أسوأ أنواع المعاملة»، متهما الرئيس الحالي بـ«ممارسة العنف الكيدي والنزعة الانتقامية».
هذا، وبعدما تمكّن الأطباء من إنقاذ آنييز في زنزانة السجن، صرّح وكيل دفاعها بأنها «في وضع صحي سيئ جداً وتحتاج إلى الراحة لكونها في حال من الوهن والاكتئاب العميق». وقال ناطق بلسان الاتحاد الأوروبي إنهم في الاتحاد يتابعون «بقلق شديد» الأنباء عن وضع الرئيسة البوليفية السابقة. وأعرب عن أمله في أن تضمن السلطات المسؤولة حقها في الصحة الجسدية والنفسية التامة.
أخيراً، تجدر الإشارة أن آنييز البالغة من العمر 54 سنة لا تزال في انتظار المحاكمة بتهمة الإبادة والإرهاب والتآمر خلال الأحداث التي جرت في بداية ولايتها القصيرة. وهي الأحداث التي أدت إلى وقوع أكثر من 30 قتيلاً ومئات الجرحى في الاشتباكات العنيفة التي دارت بين أنصار الرئيس الأسبق إيفو موراليس والقوى الأمنية. وقد رفضت النيابة العامة البوليفية حتى الآن مطالب عائلة آنييز ووكلاء الدفاع بنقلها إلى عيادة خاصة لمعالجتها.
وتقول ابنة آنييز عن أمها «تعيش في اضطراب دائم ومن دون راحة؛ إذ لا تعرف ماذا يعدّون لها... تخديرها أو تسميمها أو نقلها إلى مصير مجهول». وكانت الرئيسة السابقة قد نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قبل محاولتها الانتحار رسالة جاء فيها «لم تعد عندي أي رغبة في الحياة. لا أريد تناول المزيد من الأدوية. إنني أطلب من سلطات السجن أن تقول لي ما هي الأدوية التي اتناولها».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».