النظام المصرفي الإسلامي يتمتع بسيولة نقدية تصل إلى 1.9 تريليون دولار

المنتدى الاقتصادي الأول للقطاع في إسبانيا يبحث تعزيز انتشاره في الغرب

النظام المصرفي الإسلامي يتمتع بسيولة نقدية تصل إلى 1.9 تريليون دولار
TT

النظام المصرفي الإسلامي يتمتع بسيولة نقدية تصل إلى 1.9 تريليون دولار

النظام المصرفي الإسلامي يتمتع بسيولة نقدية تصل إلى 1.9 تريليون دولار

انطلقت أمس في العاصمة الإسبانية مدريد فعاليات «المنتدى الاقتصادي الأول للصيرفة المالية الإسلامية»، وهو المؤتمر الذي يحتشد فيه نخبة من رجال الاقتصادي والباحثين الاقتصاديين من مختلف أنحاء العالم وبمشاركة واسعة من كبرى المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية والبنوك لبحث آفاق المصرفية الإسلامية والفرص المتاحة لها في أوروبا.
ويشارك في المنتدى خبراء في المصرفية الإسلامية وممثلو مؤسسات مصرفية من دول خليجية بينها البحرين والسعودية وقطر وعمان والإمارات، بالإضافة لمؤسسات مالية من ماليزيا والبنك الإسباني المركزي وسوق المال الإسبانية.
وأعلن المدير العام لشركة «إيليت إم إيه إف» لتنظيم المعارض والمؤتمرات، الدكتور أحمد أرتولي، أن الإحصائيات العالمية الأخيرة كشفت عن أن السيولة النقدية التي أفرزها النظام البنكي والمصرفي الإسلامي بلغت 1.9 تريليون دولار أميركي مع نمو مستمر يتراوح بين 15 و20 في المائة سنويًا. وقال إن «الكثير من الدول الغربية الرأسمالية تسعى إلى النظر في الطرق والسبل الكفيلة بالاستفادة من تجربة نظام الصيرفة الإسلامية والأساليب المعتمدة فيه».
ويبحث المنتدى التحديات التي يواجهها نظام الصيرفة المالية الإسلامية في أوروبا، والتي لخصها البروفسور داتوك رفعت أحمد عبد الكريم، الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة الدولية الإسلامية لإدارة السيولة» بأنها تقع في ثلاث نقاط هي البنية القانونية والرقابية والكوادر البشرية القادرة على قيادة قاطرة التغييرات.
واعتبر المشاركون أن إسبانيا ما زالت تتخذ الخطوات الأولى نحو تطبيق نظام المصارف الإسلامية وخدماتها، حيث ما زالت تفتقد بشكل كامل العنصر البشري والخبراء في هذا المجال، علما بأن إسبانيا ليس فيها أي مصرف إسلامي أو بنك تقليدي يقدم خدمات مصرفية إسلامية، فضلا عن عدد كبير من الخبراء الدوليين والباحثين الأكاديميين.
وتنظم المنتدى شركة «إيليت ماف» للمؤتمرات والمعارض التي يوجد مقرها في البحرين ودبي بالتعاون مع جامعة «أوتونوما» في مدريد وبنك إسبانيا المركزي ووزارة الاقتصاد الإسبانية والوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف في مدريد. ويبحث المنتدى سبل التعامل مع التحديات الاقتصادية المالية الراهنة وفق منظور جديد يعتمد نظام الصيرفة الإسلامية، إضافة إلى قضايا عدة أهمها الخدمات المصرفية والمالية الإسلامية والنظام المالي المكمل للنظام المالي الغربي وأساسيات التمويل الإسلامي وصناديق الاستثمار ودور الصكوك الإسلامية في التنمية الاقتصادية.
ويستعرض المشاركون التجارب في دول مجلس التعاون الخليجي وفي ماليزيا، وكذلك التجارب الجديدة في تونس والمغرب والجزائر وفي أستراليا، فضلا عن توسع المصارف الإسلامية في أوروبا، ولا سيما في فرنسا وألمانيا وسويسرا ولوكسمبورغ.
وقال محمد فروخ رازا، المدير العام لشركة خدمات التمويل الإسلامي وخدمات الضمان (إي إف إيه إيه إس)، إن الصيرفة الإسلامية تتميز بخصائص تختلف عن المخاطر في البنوك التقليدية وأثبتت عدم تأثرها بشكل ملحوظ بالأزمات المالية التي اجتاحت الكثير من المؤسسات المالية الكبرى، مؤكدا أن الهدف ليس إحلال الصيرفة الإسلامية محل تلك البنوك التقليدية، وإنما استكمالها مع نظام مصرفي أثبت كفاءة ومقدرة عالية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الدول التي تعتمد ذلك النظام المصرفي.
وعن الحلول شدد رازا على ضرورة تبني النظام المصرفي الإسلامي كخيار مكمل اختياري يتمتع بدعم قانوني إلى جانب تحديد خطط عملية لاستقطاب الاستثمارات الإسلامية وتبنى رؤى مستقبلية مشتركة. وأكد على ضرورة تطوير رأس المال البشري وتعزيز الاستثمار في التطوير والأبحاث وتبني استراتيجيات لتعزيز التواصل بين الحكومات والأفراد.
من جانبه، استعرض رئيس التمويل الإسلامي العالمي لدى وكالة «ستاندرد آند بورز» للتقييم الائتماني، محمد داماك، آلية عمل الصكوك الإسلامية والاختلافات الشرعية والقانونية مقارنة بالسندات السيادية للدول من خلال المزايا والمخاطر التي يتمتع كل منهما بها وتأثيرهما على اقتصادات الدول.
وتحدث مدير شركة «كوفيدس» الإسبانية للتمويل للتنمية، فيرناندو أثينيا، عن العلاقات الاستثمارية بين إسبانيا والدول الإسلامية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، مشيدا بتطور التعاون خلال السنوات الماضي. وشدد على أن إسبانيا تتمتع بالبنى التحتية اللازمة لتبني نموذج الصيرفة الإسلامية وهي التي تحتضن أكثر من مليون مسلم، معتبرين أن إسبانيا قد تكون جسرا لنقل ذلك النموذج إلى أميركا اللاتينية.
وقال الدكتور أحمد أرتولي، إن عواصم شهيرة مثل لندن وباريس بدأت هده التجربة قبل عشرة أعوام خلت والنتائج التي تحققت إلى اليوم كانت إيجابية وحققت البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية التي نشأت هناك نتائج لم تكن متوقعة.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».