شبح الانقسام يلوح مجدداً على «مصرف طرابلس» المركزي

ليبيا ومصر لتوسيع التعاون في مجال الطاقة والتدريب الدبلوماسي

وزير النفط والغاز الليبي يستقبل سفير مصر لدى ليبيا (وزارة النفط)
وزير النفط والغاز الليبي يستقبل سفير مصر لدى ليبيا (وزارة النفط)
TT

شبح الانقسام يلوح مجدداً على «مصرف طرابلس» المركزي

وزير النفط والغاز الليبي يستقبل سفير مصر لدى ليبيا (وزارة النفط)
وزير النفط والغاز الليبي يستقبل سفير مصر لدى ليبيا (وزارة النفط)

بعد أقل من شهرين على محاولات السلطة التنفيذية توحيد مصرف ليبيا المركزي، ظهرت مجدداً، أمس (الثلاثاء)، بوادر انقسام إثر استخدام علي الحبري، محافظ مصرف البيضاء (شرق البلاد) نائب محافظ المصرف المركزي بطرابلس، لغة تدل على عودة التوتر ثانية بين الجانبين.
فقد وصف الحبري رئيس المصرف المركزي في طرابلس، الصديق الكبير، بـ«المقال»، وذلك على خلفية اجتماعه الأخير بممثلي المصارف التجارية، وما تضمنه من «حرمان لمصرف التجارة والتنمية من النقد الأجنبي». وقال الحبري بهذا الخصوص: «نما إلى علمنا أنه (الكبير) أرجع حرمان مصرف التجارة والتنمية من النقد الأجنبي إلى قيامه بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، معتبراً أن حرمان مصرف التجارة والتنمية من النقد الأجنبي «هو تمييز وتعسف في استعمال السلطة من قبل المصرف المركزي بطرابلس، وإخلال بمبدأ العدالة».
وكانت العلاقة بين الكبير والحبري قد شهدت تقدماً ملموساً عقب لقائهما في الثامن من يوليو (تموز) الماضي، بمقر المصرف بالعاصمة، خلال مراسم تسليم تقرير لجنة المراجعة الدولية الخاص بمراجعة حسابات فرعي المصرف في طرابلس والبيضاء، وهو اللقاء الذي تم لأول مرة منذ عام 2014 «في إطار الجهود المبذولة لتوحيد المصرف المركزي».
ووصف الحبري اتهام مصرف التجارة والتنمية بالتورط في «عمليات تبيض الأموال وتمويل الإرهاب» بأنه «باطل ما لم يتم إثباته»، وقال إن المركزي في بنغازي «يجد في هذا الأسلوب تعدياً واضحاً صريحاً على أحد أهم البنوك في المنطقة الشرقية كفاءة وإدارة ونتائج». كما لفت إلى دور وحدة غسل الأموال التابعة للمصرف المركزي بهذا الشأن.
وسبق للكبير التأكيد على الالتزام بتوحيد المصرف المركزي بعد اكتمال التدقيق الدولي. ولكن في الثاني عشر من الشهر الحالي، انتقد مصرف ليبيا المركزي بمدينة البيضاء بسبب تخصيص مبالغ «زهيدة» بصفتها سيولة نقدية للمصارف التجارية في المنطقة الشرقية لا يمكن -حسبه- أن تسهم في حلحلة الأزمات، متمنياً عدم العودة إلى سياسية عامي 2015 و2016، عندما كان مصرف طرابلس يخصص 50 مليون أو أقل لمصارف المنطقة الشرقية.
وكان مجلس النواب الليبي قد عزل الكبير من منصبه، عقب الانقسام السياسي الذي ساد البلاد عام 2014، وعيَّن الحبري بدلاً منه، لكن الأوضاع المالية تدار بشكل مركزي من العاصمة من قبل المصرف المركزي، برئاسة الكبير.
وفي سياق مختلف، استقبل وزير النفط والغاز الليبي محمد عون، تامر مصطفى السفير المصري لدى ليبيا، والوفد المرافق له، مساء أول من أمس، مرحباً بعودة نشاط السفارة المصرية في ليبيا، و«دورها المحوري» المرتقب في «تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين ‏البلدين الشقيقين».
‏وأكد السفير المصري حرص بلاده على تعزيز التعاون المشترك في المجالات كافة، مشيراً إلى أن الشركات المصرية العاملة في مجال النفط والغاز على استعداد للتعاون المشترك في ليبيا.
وفي غضون ذلك، اتفقت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة «الوحدة الوطنية» مع المعهد الدبلوماسي المصري على تدريب 100 دبلوماسي ليبي. وقالت السفارة الليبية في القاهرة إن وفداً ليبيا بحث مع الجانب المصري فرص التعاون في مجال توفير فرص التدريب لعدد من الدبلوماسيين الليبيين، تمهيداً لتوقيع مذكرة تفاهم بالخصوص.
وأضافت السفارة الليبية أن الاتفاق المبدئي يشمل تدريب المعهد الدبلوماسي المصري لمائة دبلوماسي ليبي، على أن تكون الدفعة الأولى مكونة من 40 دبلوماسياً خلال الفترة المقبلة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.