كنوز سومر وبابل من أيدي المهربين إلى دور مزادات

ازدهار سرقة الآثار وتجارتها غير المشروعة

صور التقطت في 15 نوفمبر 2016 تظهر الدمار الذي تسبب فيه تنظيم «داعش»  في موقع نمرود الأثري جنوب الموصل (أ.ف.ب)
صور التقطت في 15 نوفمبر 2016 تظهر الدمار الذي تسبب فيه تنظيم «داعش» في موقع نمرود الأثري جنوب الموصل (أ.ف.ب)
TT

كنوز سومر وبابل من أيدي المهربين إلى دور مزادات

صور التقطت في 15 نوفمبر 2016 تظهر الدمار الذي تسبب فيه تنظيم «داعش»  في موقع نمرود الأثري جنوب الموصل (أ.ف.ب)
صور التقطت في 15 نوفمبر 2016 تظهر الدمار الذي تسبب فيه تنظيم «داعش» في موقع نمرود الأثري جنوب الموصل (أ.ف.ب)

في بلد مثل العراق عانى عقوداً من الحصار والحروب ويواجه تحديات الفساد وهيمنة مجموعات مسلحة تنتشر سرقة وتجارة الآثار غير المشروعة ما نتج من تهريب أعداد لا تحصى من القطع من آلاف المواقع الأثرية غير المحمية بما يكفي. وما يساعد على عدم تعقبها هو عدم وجود إحصائيات بعدد الآثار المهربة من العراق، بحسب مدير هيئة الآثار والتراث العراقية ليث مجيد، الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «التهريب لا يشمل فقط القطع التي سُرقت من المتاحف، بل من النبش العشوائي للمواقع الأثرية».
وتظهر القطع المهربة بشكل مستمر على المواقع الإلكترونية وفي دور المزادات المختلفة. فعلى سبيل المثال، تكفي مئات دولارات لشراء لوح طيني سومري يعود لثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، على موقع «لايف أوكشنيرز» وجد طريقه إلى بريطانيا، ليصل بيوت المقتنين ببساطة تامة تعزز تهريب الآثار العراقية وتجارتها المزدهرة أصلاً بفعل نقص حماية المواقع الأثرية والفساد.
يؤكد المدير في «تايمتيبل أوكشنز»، حيث تعرض القطعة في مزاد علني بدءاً من 600 دولار تقريباً على أنها «ملكية سيد من ويست ساسيكس في المملكة المتحدة»، وكانت «جزءاً من مجموعة أخرى من الألواح المسمارية ملكية سيد من لندن قبل عام 1992»، بأن مؤسسته «تدرك بأن مشكلة القطع المهربة أمر واقع، لكننا نبذل الكثير من المال والجهد لاستبعاد تلك الاحتمالات».
يروي حارس موقع أثري في الجنوب العراقي، حيث ازدهرت الحضارتان السومرية والبابلية، يعمل في هذه المهنة منذ عشرين عاماً، كيف وجد نفسه غير مرّة بمرمى نيران مهربين لم يأبهوا لوجوده في المكان، هم بلا شك جزء من «شبكات كبيرة ومنظمة لتهريب الآثار في العراق» كما يشرح خبير عراقي متابع للقضية فضل عدم الكشف عن هويته على غرار غالبية المصادر التي تحدثت إليها وكالة الصحافة الفرنسية نظراً لحساسية المسألة.
ويخبر الحارس الخمسيني الذي أراد أيضاً إبقاء هويته سراً «إحدى المرات، وفي حين كنت خلال دوام حراسة الموقع، شاهدت شاحنة وعلى متنها ثلاثة مسلحين، اقتحموا الموقع وبدأوا النبش، وعندما صرخت بأعلى صوتي عليهم، أطلقوا النار في الهواء وقاموا بشتمي قائلين (هل هذه الأرض ملك لأبيك؟)».
وجد الرجل نفسه عاجزاً أمام هؤلاء بمفرده «فعدد الحراس غير كافٍ لحماية المواقع الأثرية، ربما يأتي أمثال هؤلاء مرات أخرى ويطلقون النار علينا، ونحن لا نملك إمكانات لوقفهم، ورواتبنا أصلاً ضئيلة جداً» في بلد يعاني 40 في المائة من سكانه الأربعين مليوناً من الفقر، بحسب البنك الدولي.
يتفقد خبير الآثار العراقي بدوره مراراً مواقع أثرية ليجد فيها آثار نبش حديثة، ويروي لوكالة الصحافة الفرنسية، «في حين نتكلّم الآن، أنا متأكد أن مهربين أو من يعملون معهم من السكان يقومون بنبش تلّ أثري ما وسرقة محتوياته».
اصطدم «عاملون في بعثات أجنبية مرات لا تحصى» أيضاً «بمهربين أتوا لنبش المواقع حيث يعملون»، بحسب خبير أمني غربي متابع لملف تهريب الآثار رغب أن تبقى هويته سرية.
تتركز عمليات النبش في الكوت والسماوة والناصرية في الجنوب، حيث مواقع لا تحصى تفتقر لحراسة كافية، ومن هناك تذهب القطع إلى العمارة غرباً «مركز تهريب الآثار»، وفق الخبير العراقي، أو في مناطق تقع إلى جنوب العمارة في الأهوار.
تلك المواقع التائهة في الصحراء منها ما هو معروف، لكنه مهمل مثل موقع تل العبيد في ذي قار الذي يقول الخبراء، إنه مكان الاستيطان الأول للإنسان في جنوب العراق، قبل 8 آلاف عام، ومهّد لظهور أولى المدن السومرية، وأخرى غير منقبّة يصعب إحصاؤها، لكنها المصدر الأساسي للتهريب منذ عقود، على حد قول الخبير الغربي.
يؤكد مدير متحف الناصرية الحضاري في جنوب العراق سجاد عبد الحسن «نعاني في ذي قار التي تحتوي على آلاف المواقع غير المنقبة من قلة عدد الحراس... وضعف أجورهم»؛ ما يفتح المجال لسرقة القطع في بلد كانت الأولوية فيه للأمن لسنوات.
يغذي التهريب في العراق ذي الحدود الشاسعة والمترامية مع إيران وسوريا وتركيا والأردن والسعودية شبكات جريمة منظمة وفق مصدر مقرب من الحكومة فضّل التحفظ عن كشف هويته، في بلد يعاني من السلاح المتفلت وهيمنة مجموعات مسلحة، لدرجة أن «سرقة الآثار باتت جزءاً من منظومة الفساد في البلد»، بحسب الخبير العراقي.
ويشرح الخبير الغربي «هي من أكثر الطرق ربحية لتمويل الجريمة المنظمة»، لكن يشترك أيضاً البدو والسكان المحليون في المناطق النائية الذين يعرفون مناطقهم عن ظهر قلب بالنبش العشوائي، على ما أوضح الخبيران.
تدخل الآثار بعد ذلك الحدود مع إيران، التي تملك نفوذاً على فصائل مسلحة في العراق، «لتعبر البحر مع السماك إلى دول مجاورة»، بتقدير الخبير العراقي.
ويقع خط التهريب البارز الآخر عبر الصحراء الشاسعة إلى الحدود مع الأردن، بحسب الخبير العراقي، فضلاً عن الحدود مع تركيا، وسوريا لكن بدرجة أقل و«هكذا ينتهي المطاف بآثارنا على مواقع مثل (إي باي) ومزاد على الويب ومتاحف، أو عند هواة جمع تحف وأثرياء» أو في جامعات ومعاهد للأبحاث.
تحتوي المواقع الأثرية البعيدة على قطع صغيرة، لكن ربما أيضاً على كنوز ثمينة مثل لوح «حلم غلغامش» الذي سيعود قريباً إلى العراق.
كان «الحلم» ضحية نبشٍ عشوائي في ثمانينات القرن الماضي، كما يشرح مدير هيئة الآثار، لكنه «هرّب من العراق بعد عام 2003» تاريخ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين.
وربما انتهى به الأمر مع قطيع جمال أو حمولة مخدرات؛ فـ«العصابات نفسها التي تعمل في تهريب المخدرات والجمال، تعمل في تهريب الآثار»، بحسب الخبير العراقي.
أما تنظيم «داعش» فقد دمّر مواقع أثرية ذات أهمية كبرى في شمال البلاد، مثل آثار نمرود «لكنه أيضاً نظّم التهريب بما يتيح له جمع الموارد، إنما طال ذلك الجانب السوري أكثر»، وفق الخبير الغربي.
تقدّر قيمة الإيرادات التي جمعها التنظيم من «التجارة بالآثار أو فرض ضرائب على مهربين في أراضٍ تحت سيطرته بعشرين مليون دولار من أصل إجمالي إيراداتهم المقدّر بـ2.3 إلى 2.68 مليار في 2015»، بحسب تقرير لمنظمة «غلوبال أنيشاتيف ضد الجريمة المنظمة» في 2020.
في حين يعمل العراق على استعادة آثار البلاد المنتشرة في العالم، كما الحال مع الـ17 ألف قطعة التي أعيدت من الولايات المتحدة مؤخراً، لكن ذلك الجهد لا يكفي كما يرى المصدر المقرب من الحكومة، الذي يرى أن الإشكالية «هي في دول الجوار» والمعبر، في حين «الدولة ضعيفة أصلاً ولا تشكل الآثار أولوية بالنسبة لها».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».