البث المباشر عبر «فيسبوك»... مكاسب مادية ومخاوف مهنية

البث المباشر عبر «فيسبوك»... مكاسب مادية ومخاوف مهنية
TT

البث المباشر عبر «فيسبوك»... مكاسب مادية ومخاوف مهنية

البث المباشر عبر «فيسبوك»... مكاسب مادية ومخاوف مهنية

في خطوة تثير المخاوف المهنية، شهدت الفترة الأخيرة انتشاراً لاستخدام تقنية «البث المباشر» التي يتيحها تطبيق «فيسبوك» للصفحات الرسمية للمواقع الصحافية والإخبارية، وأصبح الصحافي أو المراسل يلعب دور المذيع مستخدماً هاتفة الجوال في نقل الحدث على الهواء مباشرة، وبث اللقاءات التي يجريها، وهو ما حقق نسب مشاهدات مرتفعة، ووفر عائدات مالية جيدة للمؤسسات الصحافية. يأتي هذا في وقت أثار انتشار استخدام «البث المباشر» مخاوف مهنية لدى المهتمين بصناعة الصحافة والإعلام. وانتقد متخصصون «السعي وراء المكاسب المادية، بعيداً عن الالتزام بالمعايير المهنية». وطالبوا بـ«ضرورة تدريب الصحافيين على كيفية استخدام تقنية البث المباشر بشكل أكثر مهنية».
شامة درشول، الباحثة الإعلامية المغربية، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «فيديوهات البث المباشر تحظى بشعبية كبيرة في المغرب، وبعض المواقع الصحافية اعتمدت هذه التقنية، بعدما وجدت ضالتها في البث المباشر وحققت من خلاله انتشاراً وشعبية واسعة». وأردفت درشول أنه «كان من الممكن الاستفادة من تقنية البث المباشر، وتحقيق توازن بين العمل الصحافي المهني والانتشار، من خلال تدريب الصحافيين على استخدام هذه التقنية، واستعمالها كعامل مساعد في التغطية الصحافية المهنية. ثم قالت إن «الانتشار الذي تحققه المواقع الصحافية من فيديوهات البث المباشر لا يعني أن هذه المواقع قد حققت قبولاً أو أصبحت مصدراً موثوقاً للخبر؛ بل على العكس». وأشارت إلى أن «معظم المواقع التي تتبع هذه التقنية سقطت في فخ الشعبوية، وأصبح كل همها الحفاظ على الجمهور، دون أدنى اهتمام بالحفاظ على المهنية، وهو ما تسبب في انقلاب الجمهور الذي بات يتابع هذه الفيديوهات للتندر وليس للتقدير».
ومن جانبه، استعرض مهران الكيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات، مزايا تقنية «البث المباشر»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه التقنية هي واحدة من تقنيات real time التي تساعد على تقليص الفارق الزمني بين الحدث وتغطيته، وتلبي طلب الجمهور المتلهف للصورة والصوت، ومتابعة الحدث في حينه». وتابع أن «خدمة البث المباشر على وسائل التواصل، وبالأخص على منصة (فيسبوك)، من أهم الخدمات التي تستخدمها الصحف والوسائل الإعلامية للتواصل المباشر مع جمهورها. فهي تتيح لهم التواصل المباشر مع الجمهور والتفاعل معهم بشكل لحظي، كما تسمح للجمهور بالتفاعل مع الحوار أو الضيف أو المقدم، إضافة إلى أنها تتيح للمواقع الصحافية والإعلامية الحصول على مكاسب مادية اعتماداً على عدد المشاهدات التي حصدتها خلال البث أو حتى خلال إعادة مشاهدته لاحقاً من الجمهور».
الكيالي أضاف أنه «في الإمارات يعتمد كثير من الوسائل الإعلامية على هذه التقنية، التي تحظى بشعبية كبيرة خصوصاً في نقل وتغطية الأحداث المهمة والحفلات والمقابلات». واستطرد موضحاً أنه خاض بنفسه «هذه التجربة من قبل في برنامج أسبوعي كان يستضيف أطباء من مختلف الاختصاصات، تعتمد فكرته الأساسية على أن يقوم المشاهد بسؤال الطبيب عن حالته خلال ساعة من البث المباشر، وقد حقق البرنامج أرقاماً كبيرة جداً». ثم قال إنه «من المعروف بين المتخصصين في مجال التواصل الاجتماعي أن البث المباشر يجري دعمه من منصات التواصل أكثر من المنشورات التقليدية. وهو ما يؤدي إلى زيادة عدد المشاهدات في هذا النوع من الفيديوهات عن الفيديوهات العادية على نفس المنصة»، مشيراً إلى أن «ميزة البث المباشر متاحة الآن للجميع من أفراد وشركات وبشكل احترافي من ناحية جودة الفيديو. وتقوم منصات الوسائل الإعلامية بالاستفادة منها بشكل واضح وأوسع بسبب توجه أغلب الجمهور إلى التواصل الاجتماعي بدلاً عن التلفزيون».
وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، رأى أن «البث المباشر لم يعد يتعلق فقط بالندوات والمؤتمرات والتدريب أو الدردشة الشخصية أو ممارسة ألعاب الفيديو؛ بل أصبح مصدراً للدخل الحقيقي بالنسبة للبعض، ومهنة ثابتة». وأردف: «لمنافسة (غوغل)، أتاح (فيسبوك) بيع الإعلانات على المقالات الفورية، ثم الفيديو، ثم البث المباشر لتحقيق تنافسية شديدة مع (غوغل) بما يمتلكه من أرقام هائلة في عدد المستخدمين... ففي عام 2021 كان لدى (فيسبوك) 1.84 مليار مستخدم نشط يومياً، في حين يرى 67% من المسوقين (فيسبوك) أهم وسائل التواصل الاجتماعي لاستراتيجيتهم».
وفي سياق متصل فصّل فتحي أن «لدى أكثر من 90 مليون شركة صغيرة صفحات على (فيسبوك)، وحصلت المنصة على 17.44 مليار دولار من مبيعات الإعلانات المستهدفة في الربع الأول من عام 2020. وكان الهاتف الذكي مسؤولاً عن 94% من عائدات إعلانات (فيسبوك)، وفي عام 2020 بلغ إجمالي عائدات إعلانات (فيسبوك) 84.17 مليار دولار».
ما يستحق الذكر أن «فيسبوك» أطلق خدمة البث المباشر في أبريل (نيسان) عام 2016 وكانت الخدمة في البداية متوافرة لمجموعات معينة قبل أن يتيحها «فيسبوك» للجميع. ومنذ إطلاقها بدأت المواقع الصحافية والإعلامية على مستوى العالم استخدامها؛ لكن استخدام هذه التقنية انتشر أخيراً في المنطقة العربية مع مباشرة «فيسبوك» منح عائدات مالية لناشري فيديوهات البث المباشر نظير بيعه إعلانات تظهر في أثناء البث. وأعلن «فيسبوك» في نهاية يونيو (حزيران) 2020 عن تنسيق إعلانات تناسب فيديوهات البث المباشر، تظهر خلال عرض الفيديو، كجزء من مساعدة منتجي المحتوى على جني الأموال.


مقالات ذات صلة

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.