الأفغاني خالد حسيني ينظر إلى بلاده من بعيد... برعب وحزن

صاحب «عداء الطائرة الورقية» و«ألف شمس ساطعة»

خالد حسيني في الأردن عام 2018
خالد حسيني في الأردن عام 2018
TT

الأفغاني خالد حسيني ينظر إلى بلاده من بعيد... برعب وحزن

خالد حسيني في الأردن عام 2018
خالد حسيني في الأردن عام 2018

شأن الكثيرين غيره، شاهد الروائي خالد حسيني، أفغانستان، وقد سقطت في أيدي «طالبان»، خلال الأيام القليلة الماضية، برعب وحزن. رغم أنه يعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1980، لكنه وُلد في كابل، وألف كتباً عنها، كان من أشهرها كتابان بعنوان «عداء الطائرة الورقية» و«ألف شمس ساطعة»، وعُرف عنه تجذره بعمق في تاريخ بلاده وثقافتها.
ففي مقابلة هاتفية جرت الأربعاء، أعرب حسيني عن إحباطه من أن الأميركيين وبقية العالم كثيراً ما سمعوا ومنذ زمن طويل عن البلاد، وقد سقطت في دائرة مفرغة من الموت والدمار، ورغم ذلك نادراً ما أعطوا أذاناً صاغية لأهل أفغانستان الذين عاشوا فيها. حسب خالد حسيني، «إذا بحثت عن قصص عن أفغانستان، فستجد أن الأمر يتعلق دائماً بالعنف، والنزوح، وتجارة المخدرات، و(طالبان)، والمبادرات الأميركية. لكن نادراً ما تجد شيئاً ثميناً يتعلق بالشعب الأفغاني نفسه».
لجأ ملايين القراء إلى كتب خالد حسيني من أجل هذا المنظور، رغم أنه يعتبر ذلك نعمة مختلطة، فرغم أنه يرى أنه لا ينبغي اعتباره هو ولا رواياته ممثلين لوطنه، فإن له «وجهة نظر ويشعر بقوة بكل ما يجري في أفغانستان».
شارك حسيني بأفكاره وكثيراً ما أدلى بدلوه في حال البلاد وما يجب أن يقرأه الأشخاص الذين يسعون إلى فهم أعمق لها وما يراه التزاماً أخلاقياً لأميركا تجاه الشعب الأفغاني. وهذه مقتطفات من المحادثة.
> كيف تغير إحساسك بمستقبل أفغانستان على مدار العام؟
- كنت في أفغانستان في أوائل عام 2003. وفي تلك الأيام لم يكن هناك تمرد تقريباً. كان هناك قدر من التفاؤل الشديد بالديمقراطية شبه الجيفرسونية (نسبة إلى المحامي الأميركي توماس جيفرسون)، وحول المكان الذي تتجه إليه البلاد - المساواة بين الجنسين، وحقوق الفتيات والنساء، وتمكين الناس من المشاركة في عملية سياسية منفتحة.
على مر السنين، قمنا بتعديل توقعاتنا، وبمرور الوقت توقعنا ما يجري. حسناً، كان هذا مجرد حلم بعيد المنال، ولكن على الأقل ما يمكننا أن نأمله هو قدر معتدل من الديمقراطية في ظل الفساد وغيره من الهموم. لكن يبدو أن الأفغان في المدن على الأقل آمنون. فهم كانوا يرون أنه كان هناك الكثير من التقدم في السنوات العشرين الماضية في أفغانستان، وهو ما منحني الأمل. وبالطبع، خلال العامين الماضيين تراجعت تلك الآمال. وفي الأيام القليلة الماضية، تم سحقها تماماً.
> ما الذي يجب أن يقرأه الناس لفهم أفغانستان والشعب الأفغاني بشكل أفضل في الوقت الحالي؟
- يجب أن يقرأوا كتب التاريخ، يجب أن يقرأوا للأشخاص الذين يعرفون أفغانستان حق معرفة. لقد اعتمد الكثير من الناس على كتبي للحصول على نظرة إلى ما هي أفغانستان، وهذا جيد في حد ذاته، لكنني لم أقصد أبداً أن تكون كتبي ممثلة لماهية الحياة الأفغانية. آمل أن يتعمق الناس أكثر ويقرأوا كتب التاريخ ويتعلموا المزيد عن أفغانستان بهذه الطريقة.
> ولكن كان هناك ارتفاع في الطلب على كتبك. هل هناك أي شيء تريد أن يعرفه الناس ممن يتصفحون كتاباً لك لأول مرة؟
- هذه قصصي، وهذا هو منظور شخص يعيش في المنفى منذ عام 1980. قال سلمان رشدي إن وجهة نظر الشخص في المنفى عن وطنه دائماً ما تكون من خلال مرآة متصدعة، وهذا صحيح جداً بالنسبة لي. فلطالما كنت حريصاً جداً على التأكد من أن الناس لا يخطئون بيني وبين سفير أفغاني أو ممثل لأفغانستان، فأنا لم أعش هناك منذ وقت طويل.
لكن لدي وجهة نظر، وأشعر بقوة بشأن ما يحدث في أفغانستان، ولدي عاطفة عميقة واتصال عاطفي عميق مع الناس هناك، مع الأرض، مع الثقافة، مع التاريخ والتراث. آمل أن تقدم كتبي نظرة ثاقبة على ماهية أفغانستان، بما يتجاوز خطوط القصة المعتادة التي نراها في وسائل الإعلام حول أفغانستان كأرض خصبة للإرهاب أو «طالبان»، وتجارة الأفيون، ودورات الحرب.
هناك الكثير في أفغانستان. إنها بلد جميل وشعب جميل ومتواضع ولطيف ومضياف وساحر. يقول كل من زار أفغانستان، «لقد زرت العديد من الأماكن في العالم، لكنني لم أذهب إلى مكان مثل أفغانستان». نسميها البقة (الحشرة) الأفغانية - فكل من يذهب إلى هناك لا بد أن يصاب بالبقة الأفغانية. هي مكان خاص جداً، ورائع، سواء كمكان أو كشعب. وبمجرد أن تعرف أنه بمجرد أن تتذوق ذلك الطعم، بمجرد أن تتواصل مع هؤلاء الأشخاص، وتكسر قطعة الخبز وتتناول كوباً من الشاي، فإن المآسي والأشياء التي تراها على التلفزيون تأخذ بُعداً آخر بالكامل. يصبح الأمر شخصياً، ويصبح الأمر مؤلماً جداً جداً.
> ما الذي تريد أن يعرفه الأشخاص الذين يقرأون هذا أيضاً؟
- اشترى الكثير والكثير من الأفغان ما كانت الولايات المتحدة تبيعه. لقد تحالفوا مع الأهداف الأميركية، واشتروا المبادرات الأميركية، مدركين تماماً أن ذلك سيجعلهم أهدافاً في أعين الجماعات المتمردة مثل «طالبان». لقد فعلوا ذلك على أي حال على أمل خلق مستقبل أفضل للبلاد، على أمل مستقبل أفضل للأطفال، على أمل أن تصبح البلاد أكثر استقراراً وأكثر سلاماً وأكثر تمثيلاً لجميع شرائح المجتمع الأفغاني. أعتقد أنهم كانوا شجعاناً بشكل لا يصدق عندما قاموا بذلك.
لذلك أريد أن يتواصل الناس مع ممثليهم وقادتهم، ويقولون لدينا التزام أخلاقي تجاه هؤلاء الناس، وعلينا إخلاء هؤلاء الأشخاص. لا يمكننا أن نسمح لشركائنا - الولايات المتحدة تدعو الشعب الأفغاني بـ«شركائنا» منذ 20 عاماً - لا يمكن أن نسمح بقتل شركائنا. لن نسمح بأن يُسجن الأفغان وأن يتعرضوا للضرب والتعذيب والاضطهاد الآن بعد أن رحلنا عن بلادهم. حتماً لدينا التزام أخلاقي لمتابعة ما يجري.
* خدمة «نيويورك تايمز»



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.