«نساء داعش» في مخيم روج تحت رقابة صارمة... وينتظرن العودة إلى بلادهن

تحقيق لـ«الشرق الأوسط» من «النسخة الملونة» من «دويلة الهول» شمال شرقي سوريا

سيدتان في مخيم روج شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
سيدتان في مخيم روج شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT
20

«نساء داعش» في مخيم روج تحت رقابة صارمة... وينتظرن العودة إلى بلادهن

سيدتان في مخيم روج شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
سيدتان في مخيم روج شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

قبل الدخول إلى مخيم روج، يطلب عناصر الأمن (الأسايش) التابعون لـ«الإدارة الذاتية» التأكد من هوية الزائر؛ فهذا المخيم بين أكثر المخيمات خطورة، لأنه يضم مئات النساء المتشددات، وهن زوجات عناصر تنظيم «داعش»، حاولن عدة مرات الهرب والفرار.
على طول سور المخيم وُضعت أبراج حراسة وكاميرات مراقبة وعناصر مدججون بالأسلحة.
ومخيم روج هو الجزء الثاني أو المشابه لمخيم الهول شرق سوريا، الذي ظهرت فيه خلال السنوات الماضية صور نساء متشحات بالسواد ومنتقبات لا يظهر منهنّ شيء؛ بينما يختلف المشهد اليوم، بعد تحول كثير من النساء فيه، ليظهرن دون نقاب يرتدين غطاء رأس وملابس زاهية. يقع المخيم في أقصى شمال شرقي سوريا بريف بلدة المالكية (ديريك) التابعة لمحافظة الحسكة، تقطنه نحو 800 عائلة، ويضم 2500 شخص، جميعهم من النساء والأطفال، بينهم لاجئات عراقيات ونازحات سوريات، إضافة إلى عائلات أجنبية لمسلحي «داعش» يتحدرون من جنسيات غربية وعربية، ومن دول الاتحاد الروسي.

أثناء الحديث مع إحدى النساء الألمانيات، وكانت تبلغ من العمر 40 سنة، أصلها من كوسوفو، تروي كيف تعرضت لكثير من التهديدات في مخيم الهول بعد رفضها لبس النقاب والخمار الأسود، ليتم ترحيلها وأطفالها الأربعة قبل عامين إلى مخيم روج، وأعربت عن أملها في العودة لبلدها الأصلي أو مكان إقامتها (ألمانيا): «أريد تربية أطفالي الصغار بعيداً عن هذا المكان. منذ وصولي لسوريا صيف 2015 وأنا أعيش يومياً فصلاً من هذه المأساة».
وقالت سيدة من طاجيكستان في عقدها الخامس بصوت مرتفع، وطلبت عدم تصويرها: «إلى متى سنبقى هنا؟ هل يشاهد العالم والحكومة الطاجيكية حالتنا؟ ألا ترأف لنا وتعيدنا لبلدنا وحياتنا الطبيعية».
ويضم المخيم سوقاً تتألف من مجموعة محال تجارية، منها الخضراوات والفاكهة، إلى جانب محال الألبسة والعطورات والكهربائيات، وقسمت إدارة المخيم أوقات التبضع إلى دوامين؛ وقت خاص بالعائلات القديمة، ووقت ثانٍ للنساء المتشددات، كي لا يتم حدوث احتكاك بينهنّ، خشية وقوع حالات شغب وفوضى بعد خلع كثيرات النقاب واللون الأسود.
وتضمّ السوق مكتباً خاصاً بالتحويلات المالية تخضع لرقابة مشددة من إدارة المخيم بالتنسيق مع أجهزة الأمن وغرفة عمليات التحالف الدولي؛ إذ تفرض إجراءات معقدة، ويُسمح للعائلة التي لا يزيد عدد أفرادها على 3 أشخاص بتسلُّم مبلغ 300 دولار أميركي فقط شهرياً. أما العائلات التي يزيد عدد أفرادها على 3 أشخاص فيسمح لهم بتسلم 500 شهرياً، وهذه القيود لمنع تجميع الأموال واستخدامها في عمليات الهروب.

زراعة الورود
وعند الاقتراب من خيمة البريطانية شميمة بيغوم «عروس داعش»، وإخبارها بوجود الصحافة، سارعت ودخلت خيمتها، وكانت دون نقاب، لكنها زرعت بعض النباتات الخضراء والزهور أمام مدخل الخيمة، في إشارة إلى أنها تبحث عن أي شيء لملء أوقاتها.
أما الفرنسية إيميلي كونيغ، المدرَجة لدى الأمم المتحدة على لوائحها السوداء للمقاتلين الأكثر خطورة بالعالم، وبعد مشاهدة الكاميرا، اكتفت بترديد التحية، واعتذرت عن الحديث، وذكرت أن السلطات الفرنسية تتابع بكثب التقارير والمواد الصحافية التي تشارك فيها، وتخشى أن ينعكس ذلك سلباً على ملفها لدى عودتها.
بين الخيام، كان بالإمكان سماع أغانٍ وموسيقى غربية تصدح بلغات أجنبية، بالوقت ذاته حوَّلت بعض النسوة المتطرفات خيمتها لعقد حلقات سرية لتعليم الأطفال الفكر المتطرف، وسماع أغانٍ متطرفة، وإعطاء دروس شرعية، وذكرت مسؤولة أمنية كيف كشفوا، بداية العام الحالي، العشرات من النساء اللواتي أعطين مثل تلك الدروس، لتقول: «بعد المداهمة ابتكرن حيلاً جديدة، بتقليل أعداد الأطفال، وتنظيم زيارتهم، وأنهم يسمعون أغاني خاصة ببلدانهم وثقافاتهم، بهدف ابتكار طرق جديدة للتخفي، وتربية جيل جديد من التطرف».

ولدى حديثها إلى جريدة «الشرق الأوسط»، قالت مديرة المخيم، نورة عبدو، إن المخيم مقسم إلى قسمين: الأول، وهو المخيم القديم، تأسس سنة 2015، يضم عائلات عراقية وسورية وبعض العوائل الأجنبية الذين استسلموا لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في معاركها ضد التنظيم، شرق الفرات.
أما القسم الثاني، وهو منطقة التوسُّع، فتضم نحو 400 خيمة تسكنها أكثر من 300 عائلة تم استقبالهم من مخيم الهول المكتظ.
وتقول المسؤولة الكردية إن جميع النساء القاطنات في هذا القسم هن اللواتي حاولن الهرب، والمتشددات اللاتي اعتدين على نساء أخريات، «واللواتي شاركن في حوادث فوضى، وافتعلن حالات شغب، الأمر الذي دفع الإدارة لوضع قوانين صارمة، بحيث تمنع لبس النقاب والزي الأسود».

نداءات كردية
ولا تقتصر المعاناة في المخيم على نقص الأدوية والمساعدات الغذائية، بل تشمل غياب البنى التحتية الخدمية الأساسية، وتكرّر «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» نداءاتها إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لمساعدتها على تحمل التكاليف وتأمين احتياجات المخيمات.
وحولت سيدة تركستانية خيمتها إلى محل تجاري صغير تبيع فيه السكاكر والموالح وبعض المواد الأساسية وأنواعاً من العطورات والماكياج، وقالت في حديثها: «كثير من النساء هنا يشترين العطور والماكياج، على الرغم من أن نساء متشددات اعتدين على أخريات بسبب وضع مساحيق التجميل ولبس السراويل وبنطلونات الجينز».

وأعربت سيدة مغربية (35 سنة) تتحدر من مدينة تطوان الساحلية المطلة على شواطئ البحر المتوسط، والآن تعيش وأطفالها في مخيم تصل درجات الحرارة فيه هذه الأيام إلى 45 درجة مئوية، عن أنها تحلم بالعودة إلى بلدها، وتنتظر بفارغ الصبر لحظة وصولها، بعد مضي 6 سنوات لها بسوريا، منها 5 سنوات عاشتها بالتنقل بين مخيمات الهول وروج، فيما رفضت مواطنة مصرية العودة لبلدها خشية من الملاحقة الأمنية، وأن ملفّ زوجها الذي التحق بالتنظيم بداية 2015، وحارب في صفوفه، سينعكس سلباً على مستقبل أطفالها ودراستهم وإكمال حياتهم بشكل طبيعي، وأنها ستقدم طلباً للجوء لدولة ثالثة تتقبلهم.
وشرحت إسبانية كانت بعمر 30 عاماً لكن بدا عليها أنها أكبر من عمرها بسبب التجارب المريرة التي مرت بها في هذه السن المبكرة، كانت ترتدي غطاء رأس لونه أحمر، وعباءة ذات لون فاتح، قصتها لتقول: «زوجي الإسباني قرر الالتحاق بتنظيم (داعش) نهاية 2014، وبعد وصولنا لسوريا بخمسة أشهر لقي مصرعه. كنت قد أنجبت منه طفلين؛ بنتاً وصبياً»، ثم تزوجت مرة ثانية من مقاتل سوري، وأنجبت منه طفلين، وهما ولدان، وقُتل في معارك الباغوز، وأكدت رغبتها في الخروج من المخيم، والعيش بسوريا، أو العودة لموطنها الأصلي: «هنا نعيش مرارة السكن تحت رحمة هذه الخيمة الساخنة أنا وأطفالي، ومرارة البعد عن أهلي وبلدي».
يُذكر أن «الإدارة الذاتية» طالبت مراراً الدول المعنية وحكومات دول التحالف الدولي باستعادة مواطنيها المحتجزين في السجون والمخيمات، أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المتطرفين في سوريا، كما حثّت الأمم المتحدة أيضاً 57 دولة على إعادة رعاياها بلا تأخير؛ غير أن بضع دول أوروبية وعربية اكتفت باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى.

3 أرامل يتحدثن لـ«الشرق الأوسط» عن «أسرار» أزواجهن «الدواعش»


مقالات ذات صلة

الخارجية الألمانية تدعم حواراً كردياً مع دمشق

المشرق العربي مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (رويترز)

الخارجية الألمانية تدعم حواراً كردياً مع دمشق

قال مدير الشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا في «الخارجية» الألمانية، إن «حماية حقوق ومصالح الأكراد السوريين يمكن تحقيقها بشكل أفضل من خلال حوار داخلي سوري».

كمال شيخو (دمشق)
المشرق العربي الرئيس دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض بواشنطن 13 نوفمبر 2019 (رويترز)

تركيا تعيد فتح قنصليتها في حلب مع استمرار الاشتباكات العنيفة في شرقها

فتحت القنصلية التركية في حلب أبوابها بعد إغلاق استمر نحو 13 عاماً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي (رويترز)

قائد «قسد» يناقش الوضع السوري والعمليات ضد «داعش» مع قائد القيادة المركزية الأميركية

قال القائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، الجمعة، إنه عقد اجتماعاً مهماً مع قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا لتقييم الوضع في سوريا والعمليات ضد «داعش».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عبدي لتوحيد الصف الكردي قبل الحوار مع الإدارة السورية

عبدي لتوحيد الصف الكردي قبل الحوار مع الإدارة السورية

عقد مظلوم عبدي، قائد «قسد»، اجتماعاً مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني في أربيل، هو الأول من نوعه فرضته التطورات المتسارعة بسوريا.

كمال شيخو (دمشق)
أفريقيا حاكم ولاية بورنو حذر المزارعين من التعامل مع الإرهابيين (صحافة محلية)

«داعش» يحاصر 500 مزارع في نيجيريا

قالت نيجيريا إن الحرب التي يخوضها جيشها ضد مقاتلي «داعش» وجماعة «بوكو حرام»، أسفرت خلال هذا الأسبوع عن مقتل 76 مسلحاً.

الشيخ محمد (نواكشوط )

الحوثيون يعززون أعمال التعبئة الفكرية والتغيير المذهبي

المشرف الحوثي في محافظة إب يحاضر طالبات الجامعة حاملاً سلاحه (إعلام محلي)
المشرف الحوثي في محافظة إب يحاضر طالبات الجامعة حاملاً سلاحه (إعلام محلي)
TT
20

الحوثيون يعززون أعمال التعبئة الفكرية والتغيير المذهبي

المشرف الحوثي في محافظة إب يحاضر طالبات الجامعة حاملاً سلاحه (إعلام محلي)
المشرف الحوثي في محافظة إب يحاضر طالبات الجامعة حاملاً سلاحه (إعلام محلي)

كثفت الجماعة الحوثية مساعيها لإجراء تغيير مذهبي في محافظة إب اليمنية الواقعة على مسافة 193 كيلومتراً جنوب صنعاء، وردّ قادتها على مقاومة المجتمع لتلك المساعي بالإعلان بأن طلاب جامعات المحافظة لن يحصلوا على شهادات تخرجهم إلا إذا التحقوا بالدورات الطائفية، وتدربوا على حمل الأسلحة.

وفي رسائل وجَّهها ما يسمى «الملتقى الطلابي»، وهو كيان مخابراتي أسسه الحوثيون في كل الجامعات اليمنية للتحكم في الأنشطة ومراقبة الطلاب والأساتذة، أُلزم كل طلاب الجامعات الثلاث في المحافظة بالالتحاق بدورة طائفية تحت مسمى «دورة طوفان الأقصى».

وطلبت الرسالة من جميع الطلاب من الجنسين الحضور من الساعة 8 صباحاً، وأكدت ضرورة وجود الجميع في القاعة، ونبهت إلى أنهم سيقومون بالتأكد من الحضور تحت إشراف عمداء الكليات.

وبحسب إفادة عدد من الطلاب، فإنهم ملزَمون بالخضوع لدورات فكرية طائفية لمدة أسبوع يتخللها التدريب على استخدام الأسلحة، وأن برنامج التعبئة الفكرية الطائفية يركز على إحداث تغيير مذهبي في هذه المحافظة ذات الثقل السكاني الكبير، من خلال الاستماع إلى خطابات زعيم الحوثيين ومحاضرات إلزامية لأخيه الذي أسس الجماعة قبل مقتله في المواجهة مع القوات الحكومية قبل 20 عاماً.

صورة ضوئية لاستمارة تجنيد طلاب الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

إلى جانب ذلك، يركز الحوثيون في تعبئتهم الفكرية للطلاب على التحريض على القتال ومواجهة من يصفونهم بالكفار. كما يستعرضون أفلاماً تمجّد زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، الذي قُتل أخيراً.

وذكرت المصادر أن بعض الطلاب فضَّلوا إيقاف الدراسة بسبب هذه الممارسات، خصوصاً أن الجماعة الحوثية ربطت نجاح أي طالب بحضوره هذه الدورة، كما أبلغت إدارة جامعة إب كل الطلاب بأن شهادة التخرج في الجامعة لن تُمنح إلا لمن أثبت حضوره في هذه الدورات.

تهديد وحرمان

هذه الممارسات شهدتها مختلف الجامعات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث فرضت الجماعة على الطلاب الحضور، وهددت من يتغيب بحرمانه من دخول اختبارات نهاية الفصل الدراسي. أما من يلتزم، فسوف يحصل على 10 درجات إضافية في كل مقرر دراسي. كما يُلزم طلاب الجامعة بتعبئة استمارة البيانات الشخصية والانضمام إلى ما تسمى حملة التعبئة الشعبية للقتال ضد إسرائيل.

ووفق مصادر جامعية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإنه عقب تعبئة البيانات وانتهاء برنامج التعبئة الفكرية في مراحله الأولى، يُرغم الطلاب على الالتحاق بدورات مكثفة للتدريب على استخدام الأسلحة والأعمال القتالية في مواقع خصصت لهذا الغرض. وقال زعيم الحوثيين إن عدد المتخرجين من هذه الدورات يبلغ 814 ألف شخص.

ويقول نشطاء إن الطلاب في إب أمام خيارين: إما حضور الدورات الثقافية الطائفية والاستماع لخطب وأحاديث زعيم الحوثيين وأخيه، والتدرُّب على استخدام السلاح، والحصول على شهادة التخرج في الجامعة حتى لو لم تكن ناجحاً، أو أن ترسب أو لا تحصل على شهادة إذا كنت من طلاب السنة الدراسية الأخيرة.

زعيم الحوثيين اعترف بإلحاق أكثر من 800 ألف مدني بالتعبئة العسكرية (أ.ف.ب)

ولم تقتصر محاولات الحوثيين لإجراء تغيير مذهبي على طلبة الجامعات الثلاث في محافظة إب، بل امتدت هذه الممارسات إلى العاملين في قطاع التربية والتعليم من معلمين وموجهين وإداريين في كل مدارس المحافظة، حيث أُخضع هؤلاء لدورات فكرية طائفية، وفق ما ذكرته مصادر محلية في المحافظة.

ووفق المصادر، يُؤخذ العاملون غصباً إلى إحدى المدارس الكبيرة في كل مديرية، والتي حُوّلت إلى مركز للتدريب الفكري واستخدام الأسلحة، وتُبلّغ عائلاتهم أنهم سيغيبون لمدة أسبوع ثم يعودون.

وفي حين أن هؤلاء التربويين والمعلمين وبسبب قطع الحوثيين المرتبات منذ 8 أعوام، مرغمون على العمل في مدارس خاصة لتوفير احتياجات أسرهم، فإنهم يعيشون طوال أسبوع التعبئة الطائفية على الديون من محلات بيع المواد الغذائية.